آخر تحديث :الاثنين 25 اغسطس 2025 - الساعة:00:51:16
عمر علي.. قصة معاناة تختزل واقع مئات الأسر المتضررة من الحرب
(تقرير / "الأمناء نت" / عادل حمران:)

  شظف العيش ووطأة الحاجة  لم تمنع أسرة  "عمر علي" من إغلاق بابها عليها ترفعاً؛على الرغم من أنها تبات طاوية بطونها طوال ساعات اليوم إلا من كسرات خبز تسد الرمق وتحافظ على التوازن مصحوبات برشفات ماء هو كل ما توفّر، وعائلة عمر ليست استثناء في بلد تعصف به الحرب منذ 5 سنوات عجاف؛ بل هي أنموذجا لمئات وربما آلاف الأسر اليمنية التي أصبحت  ترزح بثبات تحت درك الفقر وما دونه بدرجات ودرجات .

 

 

معاناة مضاعفة

وبدأت نكبة عمر يوم أن تعرض قبل 6 سنوات  لحادث سير أقعدة عن العمل وأصبح بسببه طريح الفراش لا يستطيع الحركة إلا بصعوبة تامة؛ عجز معها عن مواصلة عمله في إدارة الكهرباء . إعاقة عمر امتدت إلى عائلته التي كانت تعتمد عليه كليّــًا ــ بعد الله ــ فزوجته المريضة لا يمكنها هي الأخرى العمل وترك ابنتها مبتورة القدمين بفعل إصابة لحقت بها في حرب صيف 94 عندما اجتاحت القوات اليمنية أرض الجنوب؛ وزيادة فوق ذلك عادت ابنة عمر الكبرى إلى منزل والدها قبل عامين تحمل لقب مطلّقة وتحت حجرها 3 أطفال أكبرهم في الـ6 من العمر .

ما سقناه سابقا ليس سيناريو لفلم سيعرض قريبا على شاشة بوليود بل هي قصّة حقيقية لأسرة تسكن وسط مدينة المنصورة في العاصمة عدن ؛وهذا ليس كل شيء فهناك المزيد من الألم المضاعف تطويه جدران  منزل المقعد عمر ؛ فحفيدته الكبرى ندى 6 سنوات مصابة هي الأخرى بمرض خطير يمنعها عن تناول الطعام؛ وإذن فثلاثية الفقر والمرض والإعاقة متلازمة الحياة اليومية لهذه الأسرة التي تقتات على ما تجود به أيادي الجيران وبعض من إعانات تقدمها منظمات إغاثية لكنها لا تكفي لسد جوع الأسرة ولو ساعات قليل ، أمّا الدواء فهو صعب المنال فالسيولة في يد عمر من معاشه التقاعدي الزهيد تذهب في شراء أساسيات القوت الضروري لسد جوع 7 أشخاص هم اليوم عائلة عمر التعيس كما يطلق على نفسه وزفرات متتالية تمنعه عن البكاء حتى وهو يعترف بأنه لا يستطيع سؤال الناس حاجة ، وإن لفظ جميع أفراد أسرته أنفاسهم أمامه أهون بكثير من مد يده لإعالتهم.

 

اعتداد حتى الموت

زيارتنا لمنزل عمر المكون من غرفتين وحمام ومطبخ تناثرت أوانيه على الممر الضيق الواصل بين غرفة النوم التي تحشر فيها الأسرة كلها للنوم  والحمام  أغضبت رب الأسرة الذي تفاجأ بوجودنا وسط المنزل دون علمه وحينها تمازجت على وجهه مشاعر الحسرة والحزن والضيق والحياء وحاول أن يتمتم بكلمات تعبر عن كل ذلك لكنها اختنقت جميعها في حنجرته ولم يبدها واستحالت عبرة حاول جاهدا إخفاءها مرت دقائق اعتقدت أنه ربما وبما عرف عنه من خلق رفيع سيرحب بنا لكنه لم يفعل .

شعرت حينها بالذنب لاقتحامنا منزل هذا الرجل على الرغم من نبل المقصد وسلامة النية؛ وتنسيقنا المسبق مع جارته وابنته الكبرى اللتان سعتا لمساعدته مع علمهما بأنه لو تم إخباره بالأمر لرفضه دون تفكير؛ فهوــ والحديث لجارته ــ كثير الاعتداد بكرامته حد الضيق – بوصفها - ويعتبر أن مجرد الحديث عن معاناته وأسرته يعني ببساطة التشهير والانتقاص من قدره أمام أصحابه ومعارفه.

لم يوجه إلينا الرجل أي حديث واكتفى بتبادل صامت للنظرات الغاضبة مع ابنته وأخرى رافضة غاضبة؛ ظل يوزعها بيننا وجارته.

عندها همست منسقة الزيارة في أذني قائلة: أعتقد بأن رحيلنا هو أفضل خيار الآن ولا تحاول أبدا ومن معك مجرد التفكير في التقاط صور أو الحصول على تصريح من عمر وإلا فسوف يزعل ويشمت بنا جميعا .

 

احتيال وتلاعب

الأستاذ عبدالقوي المفلحي رئيس مركز عدن للأعمال الإنسانية  أكد بأن " منظمة الغذاء العالمي و عدد من المنظمات العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية تعتمد على السلطة المحلية حيث يتم اختيار لجنة مكونة من عشرة أشخاص لكل مديرية ثم يتم تقسيم المديرية إلى مراكز والمراكز إلى مربعات ويتم اختيار لجان فرعية لكل مربع حتى يتم حصر جميع الحالات؛ لكنّه في الوقت ذاته لا ينفي حدوث تلاعب من قبل اللجان أنفسهم لأنهم لا يجدون مقابل جهودهم فالبعض يحتال على حساب الأسر الفقيرة وآخرين يختارون أسر بشكل عشوائي ولا يكلفون أنفسهم تعب النزول بسبب شحة الإمكانيات".

وأضاف المفلحي "لا تنس بأن البلد لا تزال في حرب وأن الأسر الفقيرة من النازحين والمرضى يدخلون عدن بشكل يومي وهذا يجعل اللجان العاملة أمام مشاكل كثيرة حيث تتحول الكثير من المساعدات الخاصة بالأسر الفقيرة للأشد فقرا الذين يفترشون الأرض و يلتحفون السماء في معظم مديريات و شوارع عدن من المحافظات اليمنية الأخرى وحتى من دول شقيقة مثل الصومال و غيرها "?

وسرد المدير "نحاول جاهدين الوصول إلى الأسر الفقيرة وخصوصا الأرامل التي تعيل عددًا من الأطفال، والمرضى وخصوصا أصحاب الأمراض المزمنة و النازحين الذين لا يجدون أكلًا ولا شربــًا ولا مسكنــًا يقيهم حرارة الصيف وبرد الشتاء؛ لكننا نجد صعوبات كثيرة خلال أعمالنا بسبب قلة المواد وكثرة الفقراء ورفض بعض الأسر العفيفة التعامل معنا خجلا من الواقع الذي فرض عليهم؛ لكننا نحاول مساعدة الناس قدر الاستطاعة فحال الكثير من الأسر محزن للغاية والبعض يأكلون في اليوم وجبة إلى وجبتين فقط "?

واسترسل عبدالقوي "الإغاثة ليست حلا وخصوصا وأنها تكلف ملايين الدولارات ولا تفي بالغرض وخصوصا بأن المنظمة هي من تقرر المواد وليست الأسر المستفيدة فمثلا منظمة الغذاء العالمي توزع الدقيق الأحمر والعدس والناس في عدن يفضلون الدقيق الأبيض والأرز أو غيرها يجب على الحكومة الشرعية صناعة حلول لكي تستطيع هذه الأسر إعالة نفسها نملك صحاري واسعة وأراضٍ خصبة يجب علينا التفكير في إدخال مصانع لتشغيل العاطلين عن العمل من الأسر الفقيرة و إنعاش الاقتصاد المحلي .

وإلى أن يتغير الحال وتضع الحرب أوزارها، تبقى المئات من الأسر المتضررة، تتكبد ويلات الصراع من جهة، وتلاعب المنظمات الداعمة بما تنفقه من إغاثات متقطعة، لا تصل لمن يستحقها، وفي أحيان كثيرة؛  يتم المتاجرة بها من قبل بعض الجهات المشرفة، وهي بذلك تدفع بمئات الأسر إلى الهاوية بلا رحمة ، الأمم المتحدة التي أطلقت نداءً للمجتمع الدولي طالبته بسرعة التحرك لإنقاذ أكثر من 13 مليون نسمة في اليمن يحتاجون للتدخل والمساعدة المباشرة قالت: إنها أضحت عاجزة عن سد الاحتياجات الأساسية للسكان مع صعوبة الأوضاع على الأرض واتساع رقعة الفقر بصورة مطردة .


#
#

شارك برأيك