آخر تحديث :الاحد 09 فبراير 2025 - الساعة:01:09:52
التغيرات الكبيرة في المنطقة العربية توتر علاقة هادي بحلفاءه
()

يواجه اليمن في مستهل عامه الثالث منذ تولي الرئيس عبدربه منصور هادي منصب الرئاسة, الكثير من الصعوبات والعراقيل في مسيرة تحوله إلى دولة بعقد اجتماعي جديد.

ولا تزال البلد في مرحلة انتقالية منذ التوقيع على اتفاق نقل السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى خلفه هادي في العاصمة السعودية الرياض, نوفمبر 2011, والتي على إثرها تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة المعارضة ومناصفة بينها والمؤتمر الشعبي العام, إضافة إلى التحضير للحوار الوطني ومن ثم البدء به واستغراق 10 أشهر حتى التواصل إلى نتائج انتقال اليمن إلى الشكل الاتحادي بستة أقاليم (اثنان في الجنوب وأربعة في الشمال), وصياغة دستور جديد والاستفتاء عليه قبل الوصول إلى اللحظة الفاصلة في التحول وهي إجراء انتخابات من المفترض أن تكون ديمقراطية بين مختلف القوى السياسية وقيادة الدولة الجديدة المركبة.

في الجنوب لا يزال الحراك الجنوبي يرفض مخرجات الحوار الوطني التي يرى النقاط الرئيسية منها والمتعلقة بشكل النظام السياسي دون الحد الأدنى من الحل العادل لقضيته الجنوبية. وفي الجنوب الحد الأعلى هو الانفصال أو فك الارتباط واستعادة الدولة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية), بينما يأتي الحد الأدنى في صيغة الفيدرالية من إقليمين واحد في الجنوب وآخر في الشمال.

إلا أن الحراك الجنوبي في مسيرته النضالية يعاني من ارتباك داخلي يحول دون توحيد الجهود الشعبية والسياسية للضغط من أجل أي من الخيارين أعلاه وهو ما يجعل من مخرجات الحوار واردة  التطبيق في الجنوب مع أنها لا تقدم حلا جذريا للمشكلة الحقيقية الناتجة عن حرب صيف 1994, مع عدم إغفال الآراء المتحدثة عن الأخذ بالإيجابية منها, وتلك التي تتحدث عن ضرورة الاهتمام بالتنمية والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية –بغض النظر عن شكل النظام السياسي- كمدخل لفكفكة كثير من العقد في طريق حل القضايا الكبرى كالقضية الجنوبية.

وفي الشمال تشكل الحرب المتقطعة المتعددة الأطراف –وإن كانت محصورة بدرجة رئيسية بين الحوثيين وتجمع الإصلاح مع تعدد لاعبي الداخل والخارج- عقبة كأداء في الميدان السياسي, وتهدد الدولة اليمنية من أساسها بما تحمله من ضراوة وعتاد, وإمكانية الانحدار إلى حرب أهلية. ونتيجة للإرث القبلي لا يزال السلاح ومن ضمنه الآلات الثقيلة يبرهن على ضعف الدولة التي لا تستطيع نزعه من يد الجماعات المسلحة, وبالتالي بدأ القرار السياسي يلجأ إلى معادلة إضعاف الجميع من خلال ترك الساحة للمتصارعين في سبيل الحصول على متنفس لمواصلة تنفيذ المهام السياسية وعلى رأسها مخرجات الحوار الوطني.

وعلى اعتبار أن النظام السياسي برئاسة هادي سيقود إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والانتقال إلى دولة مركبة, إلا أنه الآخر لا يزال على مفترق طرق, ولم يظهر حتى الآن إلا على هيئة المُداري بين مختلف الأطراف لا صاحب القرار.

وبالإضافة إلى تنظيم القاعدة وسجاله مع الحكومة اليمنية والطائرات الأمريكية من دون طيار, دخلت العلاقة بين الرئيس هادي والإخوان المسلمين في اليمن في توتر ملحوظ, على إثر التغييرات الكبيرة في المنطقة والتي بُدئت بالإطاحة بحكم الإخوان في مصر, وما تبعه من حرب سعودية إماراتية معلنة ضدهم.

مؤخرا, حققت المملكة العربية السعودية تقاربا ملحوظا مع الرئيس عبدربه منصور هادي, وهو التقارب الذي التقى مع الدعم الأمريكي لهادي, وبالتالي انعكاس ذلك على ما يجري في الأرض.

فحين يتقدم الحوثيون صوب العاصمة صنعاء محققين انتصاراتهم في أكثر من مكان, وآخرها عمران, يرتفع الصوت المناوئ للحوثيين لمطالبة الرئيس هادي بتدخل الجيش, إلا أن الأخير يفضل تحييد الجيش القدر الممكن حتى لا تحول الأمور مجددا إلى مشهد الحروب الستة التي اندلعت في شمال الشمال إبان الرئيس السابق صالح.

وفي منتصف أبريل الحالي, كانت يومية الثورة الحكومية قد انتقدت من ينادي بإقحام الجيش في الصراعات الدائرة مؤكدة "أن رئيس الجمهورية مسؤول عن جميع اليمنيين بأطيافهم وأحزابهم وتوجهاتهم المختلفة ومؤتمن على مصلحة شعب بأسره ومستقبل بلد بكامله أنهكته الصراعات والخلافات إلى أقصى حد، وليس رئيس عصابة يمكن استدعاؤه أو دفعه في أي لحظة ليعلن حالة الحرب ويجيش الجيوش ضد جماعة بعينها أو طرف بعينه لأنه لا يعجب هذا الفريق أو ذاك"!

ومن الجدير القول إنه ليس من مصلحة الرئيس هادي إضعاف طرف دون آخر, بقدر ما يستفيد من إضعاف جميع الأطراف, لكن التخلص من مراكز القوى التقليدية (والصراع الدائر جله تقوده قوى دينية وقبلية) لا بد وأن يكون مبنيا على سياسة دولة, وأن ترافقه إصلاحات حقيقية في مؤسسات السلطة التنفيذية وتهيئة الشعب لتحول جذري في النظام السياسي مع عدم إغفال حل القضايا الكبيرة والتي تأتي في مقدمتها القضية الجنوبية وما تمثله من نصف المعادلة السياسية في البلد.

ويأتي الانتقاد الأخير الذي شنته النوبلية توكل كرمان, في سياق الضغط على الرئيس الذي وجد نفسه بين أكثر من تعقيد في الشمال كما في الجنوب, وهو ما يجبره على ضرورة الاستفادة من الدعم الدولي والإقليمي الكبير في سبيل إيجاد دولة تكون هي صاحبة الكلمة الأقوى في كل ما يخص اليمنيين وليس العكس.

ومع أن الرئيس هادي نفسه يعد جزءا من مشكلة عدم التحول السريع إلى بناء الدولة بإبطائه من اتخاذ القرارات المهمة, إلا أن كثيرا من الصعوبات تحول بالفعل دون أن يتزحزح من مكانه إلا بصعوبة.

ومع صدور القرار الدولي الأخير 2140, فإنه يجعل من تطبيق مخرجات الحوار ضرورة واقعية محمية بالضغط الدولي المباشر الذي لا يمكن وصفه بالشر المحض أو الخير المحض, ما يعني إمكانية الاستفادة منه وتجنيب البلد سوء مآلاته التي قد تجنح إليها فيما إذا استمرت سلسلة الإخفاقات.

وطالما نظر الجنوبيون إلى القرار الدولي على أنه سيشجع على فرض خيارات لا تزال دون الحد الأدنى من الحل المقبول بشأن القضية الجنوبية, إلا أن لا شيء يستحيل مع الأخذ بسياسة مرنة ناتجة عن حامل سياسي موحد يستوعب المصالح المشتركة في مجموع الداخل والإقليم, وبالتوازي مع الضغط الشعبي الذي عليه هو الآخر أن يتنظم.

 




شارك برأيك