آخر تحديث :الاحد 09 فبراير 2025 - الساعة:01:09:52
لمحات تاريخية للمجلس التشريعي بعدن (2-2)
()

في 26 يناير 1959م افتتح صاحب السعادة الحاكم العام أول دورة للمجلس التشريعي الثالث بمقتضى الدستور الجديد، حيث4 صرح أحد العدنيين قائلاً "كنت أشعر بأني ملكت الدنيا عندما رأيت المحترمين سبنسر كوك وهارتلي وديل جالسين بيننا نحن المتفرجين، بينما احتل مقاعدهم التي كانوا عليها في المجلس التشريعي آخرون من أبناء عدن، أنها خطوة عظيمة وإلى الأمام وعلينا الآن واجب وهو أن نبرهن أننا نستطيع القيام بأعباء المسئوليات حتى يتأتى لنا أن نحصل على المزيد"([1]).

في سياق ذلك تحدث أحد المسنين الذين شاركوا في الزحف على المجلس التشريعي قائلاً: أتذكر عندما شاركت في هذا اليوم قبل الثورة 26 سبتمبر بيومين. حيث زحفت الجماهير رجالا ًونساءً بمسرة شعبية حاشدة استهدفت مبنى المجلس التشريعي، وأن قوات السلطة البريطانية تصدت المسيرة وسقط القتلى والجرحى، حيث قامت بنقل أعضاء المجلس التشريعي بالطائرات الهيلوكبتر وألقي القبض على العديد من القيادة السياسية والجماهيرية، كان ذلك الزحف عندما حدد المجلس التشريعي مناقشة اتفاقية ضم عدن   إلى الاتحاد الفيدرالي.. كان يوما تاريخيا لعدن.

وهذا ما تؤكده المصادر أن في يوم 24 سبتمبر 1962م بدأ المجلس التشريعي بعدن مناقشة اتفاقية ضم عدن إلى الاتحاد الفيدرالي، حيث غادر المجلس سبعة من أعضائه احتجاجاً على الاتفاقية وصوت أربعة فقط من الاثني عشر المنتخبين في صالح هذه الاتفاقية، وقد مارست انجلترا ضغطها على الأعضاء المعينين في هذا المجلس من أجل الموافقة على الاتفاقية ، فقد اعترف حاكم مستعمرة عدن جونستون أنه إذا تقدمت الثورة اليمنية (26 سبتمبر) أسبوعاً واحداً ولم تحصل في 26 سبتمبر أي قبل البدء في مناقشة الاتفاقية في مجلس عدن التشريعي ما كان بإمكان خطة ضم عدن إلى الاتحاد الفيدرالي أن تنجح([2]).

وينبغي الإشارة بأن المجلس التشريعي الثالث ينتهي صلاحيته في ديسمبر 1962م حيث سعت السلطات البريطانية إلى تمديد مدة المجلس التشريعي إلى 25 يوليو 1964م.

يؤكد الأستاذ باسندوة في كتابه في مارس 1964م سن قانون الانتخاب الجديد وفي ضوء ذلك بدء تسجيل الناخبين، ولم يتجاوز عدد من سجلوا أنفسهم (8000) ثمانية ألف شخصاً أي بنسبة (4%) من سكان عدن، وبأن المطلوب انتخاب (16) عضواً للمجلس الجديد، في حين سيتم تعيين بقية الأعضاء من جانب المندوب السامي البريطاني نفسه، وأن عدد من رشحوا أنفسهم لانتخابات المجلس العميل بلغ (48) مرشحاً لم يكن أي منهم ينتمي إلى حزب سياسي، إذ إن الأحزاب السياسية الرئيسية أعلنت عن عزمها على مقاطعة تلك الانتخابات، متهمة المملكة المتحدة بمحاولة تشويه وطمس رغبات المواطنين بواسطة انتخابات مزيفة مقصورة على عدن وحدها، ومعتبرة ما سيتمخض عن تلك الانتخابات هيئة تشريعية غير شرعية نظراً لحرمان معظم سكان عدن العرب من حق التصويت واستمرار حالة الطوارئ، بأن تلك الأحزاب تطالب بانتخابات في كل المنطقة طبقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذكر التقرير أن تلك الانتخابات أجريت فيما بعد في يوم السادس عشر من أكتوبر 1964م، ولم يشارك فيها غير ستة آلاف شخص ، كما علم من مصادر غير رسمية وأن نتيجتها كانت إعادة انتخاب كل الأعضاء السابقين([3]) .

وهذه الانتخابات التي أجريت للمجلس التشريعي الرابع بعدن وهذا ما يؤكده الأدهل في مذكراته قائلاً "تقرر أن تجرى الانتخابات في بريطانيا وعدن في الرابع عشر من أكتوبر 1964م ، ففي بريطانيا فاز حزب العمال البريطاني في الانتخابات العامة بزعامة هارولد ولسون وسقطت حكومة المحافظين، وفي  عدن في نفس اليوم ظهرت نتيجة الانتخابات في ولاية عدن، وفاز السيد خليفة عبد الله حسن خليفة الذي قدمت أسرته اسمه كمرشح لعضوية المجلس التشريعي عن دائرة عدن، وكان لا يزال رهن الاعتقال بموجب قانون الطوارئ، وحاز على 90% من أصوات الناخبين وحطم كل رقم قياسي في أي انتخابات جرت في عدن، وكان العطف الشعبي العامل الرئيسي في فوزه، وكما فزت أنا (صاحب المذكرات) وعبد الرحيم قاسم في دائرة الشيخ عثمان والمنصورة وأضاف قائلاً حيت رفض الأعضاء عقد اجتماع المجلس (البرلمان) قبل الإفراج عن السيد خليفة عبد الله خليفة وحضوره المجلس، وقد رفض المندوب السامي ذلك الطلب متعللاً أن السيد خليفة لا يزال معتقلاً ، ولكن الأعضاء نبهوا المندوب السامي أن السيد خليفة يتمتع بالحصانة البرلمانية، ولا يمكن عقد المجلس دون حضوره وبعد الاتصالات مع وزارة الخارجية تم الإفراج عن المعتقل عضو المجلس خليفة وباشر مهامه في المجلس التشريعي([4]) بينما يشير جرجرة أحد أعضاء المجلس التشريعي في كتابه بأن في العام 1964م صادق المجلس التشريعي العدني على التعديلات الجديدة بمؤهلات الناخبين ، ولكي يكون للإنسان حق التصويت بشرط أن يكون ذكراً لا يقل عمره عن 21 عاماً ، وأن يكون ساكناً في عدن، وأن يكون قادراً بصورة يقتنع بها ضابط التسجيل على النطق والإلمام التام باللغة العربية وأن يكون قد وقع على تصريح يتعهد فيه بأن لا يدين بالولاء أو الطاعة لأية دولة أو قوة أجنبية([5]).

ومن القوانين التي أصدرت بشأن المجلس التشريعي ما يلي:

-        قانون الانتخابات لعام 1955م.

-   قانون التعديل لعام 1955م والذي أسس قانون الانتخاب أعضاء المجلس التشريعي.

-        تعديل 1955م بشأن إعادة تكوين المجلس التشريعي.

-   تعديل 1958م بشأن إعادة تكوين السلطة التشريعية وإدخال نظام الرئيس (Speader).

-   تعديل 1958م بشأن تعديل المادة الخامسة بتقديم مشروعات القوانين إلى المجلس التشريعي.

-        قانون تعديل الانتخابات لعام 1958م.

-        قانون امتيازات وحصانات المجلس التشريعي رقم (19) لعام 1956م.

-        اللائحة الداخلية للمجلس التشريعي.([6])

في إحدى جلسات المجلس التشريعي بعدن دعا السيد علي محمد لقمان إلى إدخال اللغة العربية في محاضر المجلس التشريعي، وبعد ذلك اعتمدت اللغة العربية إلى جانب اللغة الانجليزية لغة رسمية في المجلس التشريعي بعدن، وكانت تدار فيه مناقشات مستفيضة ووضع الاستفسارات والأسئلة الجريئة في الشأن الوطني من قبل أعضاء المجلس التشريعي ، وأيضاً مسألة المسؤولين في الجهات وأعضاء الحكومة ، والمزيد من المعلومات حول محاضر اجتماعات المجلس التشريعي بعدن سنتطرق إليها لاحقا.

مقر المجلس التشريعي:

كان مقر المجلس التشريعي بعدن والواقع (حالياً) على التل المقابل للبنوك والهيئة العامة للمياه بكريتر، فهو أحد المعالم التاريخية لمدينة عدن، فالمبنى في الأصل هي كنيسة Sanit Marie "للقديسة ماريا" والتي شيدت في العام 1854م ، وعند إنشاء المجلس التشريعي بعدن في العام 1947م كأول مجلس تشريعي "برلماني" في الجزيرة والخليج ، أصبحت الكنيسة مقرا للمجلس التشريعي.

وبعد الاستقلال في نوفمبر 1967م تحول المبنى لبعض المرافق الحكومية فهي الآتي:

مبنى لمتحف الشرطة، مقر للغرفة التجارية بعدن، مبنى للمركز اليمني للأبحاث الثقافية، وأخيراً مركز للتكنيك الجنائي.

وفي الآونة الأخيرة سعى المجلس المحلي بمديرية صيرة إلى إعادة ترميم المبنى بطابعه الانجليزي القديم حيث تكفلت إدارة مدن الموانئ بتنفيذ مشروع الترميم، وللعلم أن المبنى قد رمم عدة مرات.

أما أعضاء المجلس التشريعي بعدن والذين تعاقبوا على هذا المجلس كأن في الانتخاب أو في التعيين فهم التالية أسماؤهم:

محمد عبد القادر مكاوي ، عبده غانم ، علي محمد لقمان، محمد علي باشراحيل، علي ملهي علوان، علي حسن بيومي، عبد الله سالم شعلان، عمر عبد العزيز شهاب، محمد علي مقطري، عبده حسين أدهل، عبد الله حسن خليفة، عبد الرحمن جرجرة، محمد سعيد الحصيني، سعيد محمد حسن، علي سالم علي، عبد الله الصعيدي، مصطفى عبد اللاه عبده، علي عبد الله الصافي، عبد الحميد غانم، علي عبد الله باصهي، عبد القوي مكاوي، إسماعيل خدابخش خان ومقرر المجلس أحمد علي وغيرهم.

أما قصة نهاية المجلس التشريعي بعدن جاءت بعد حادثة اغتيال المستر أرثر تشارلز رئيس المجلس التشريعي في أغسطس 1965م، وكان لاغتياله أثر كبير في نفوس البريطانيين في عدن ولندن، وفي ضوء ذلك عقد المندوب السامي البريطاني اجتماعا للمجلس التشريعي وطلب المندوب السامي من رئيس الوزراء عبد القوي مكاوي وحكومته (التي تشكلت في مارس 1965م) إدانة الجبهة القومية، ولكن المكاوي وحكومته رفضوا ولم يدينوا الجبهة القومية بل وطالبوا بالتفاهم والتفاوض معها، مما اضطر المندوب السامي إلى إقالة حكومة المكاوي وحل المجلس التشريعي وتعطيل الدستور... بذلك انطوت صفحة تاريخية من صفحات المجلس التشريعي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الحياة السياسية (البرلمانية) في عدن.

التوصية:

أوصي قيادة محافظة عدن والمجلس المحلي للمحافظة ومديرية صيرة بوضع رؤية تاريخية ومستقبلية للاستفادة من هذا المعلم التاريخي كاستثمار سياحي بتحويله إلى متحف  للديمقراطية ليكون مرجعاً تاريخياً يستفاد منه الباحثون والمهتمون في شؤون اليمن، حيث يتم فيه تجميع كل الوثائق والسجلات التاريخية المتعلقة بتاريخ محاضر المجلس التشريعي باللغتين العربية والإنكليزية إلى جانب ذلك صور والسير الذاتية لأعضاء المجلس التشريعي والاتحادي بعدن، وكل ما يتعلق بالعمل الديمقراطي في ظل الوحدة اليمنية لتوثيق صور والسير الذاتية لأعضاء مجلس النواب وأعضاء المجالس المحلية في المحافظة ومديريات مدينة عدن.

والخلاصة نقول بأن المجلس التشريعي في عدن يعتبر أول مجلس برلماني تشريعي على مستوى الخليج والجزيرة العربية ومصدر التشريعات، رغم أن المجلس وصف بأنه مجلس ذو صفة استعمارية، لكن هذا المجلس "البرلمان" استطاع أن يناقش قضايا مصيرية تتعلق بحياة المواطنين من قبل أعضائه الوطنيين وأصبح المجلس أعلى هيئة قابلة للتغيير كلما تطورت عدن وتقدمت... والغرض من وجوده هو ازدهار وتقدم الشعب الذي كان يطمح لنيل مكانته اللائقة به تحت الشمس.

المراجع:



([1] ) صحيفة الكفاح الصادرة 29 فبراير 1959م، ص3 عدن.

([2] ) عدن ، ثغر اليمن، الندوة العلمية الأولى، الجزء الأول، مطبعة جامعة عدن، مايو 1999م، ص138.

([3] ) محمد سالم باسندوه، قضية الجنوب اليمني المحتل في الأمم المتحدة ، وثائق ذكريات خواطر مطابع الأهرام التجارية، مصر ، ص248، 1990م.

([4] ) عبده حسين أدهل: الاستقلال الضائع ، الطبعة الثانية، دار العهد للطباعة والنشر، 1993م، ص67، صنعاء.

([5] ) عبد الرحمن جرجرة ـ أرضنا الطيبة... هذا الجنوب، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، 1963م، ص178.

([6] ) يحيى قاسم سهل، النظام القانوني والقضائي في عدن والمحميات واتحاد الجنوب العربي 1839- 1967م، الطبعة الأولى، مطبعة الفاروق 2008م ، ص26 ، صنعاء.




شارك برأيك