آخر تحديث :السبت 11 يناير 2025 - الساعة:11:42:59
لمحات تاريخية للمجلس التشريعي بعدن ( 1 – 2 )
()

بعد الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839 تم إلحاقها مباشرة بحكومة الهند، وتحديداً رئاسة حكومة بومباي، وقد تركزت السياسية البريطانية في هذه الفترة بعدم التدخل في شؤون المناطق المحيطة بعدن، إلا بالقدر الذي تحافظ فيه على مصالحها في سلامة الطرق التي تربط عدن بالمناطق الداخلية، وفي تحصين مدينة عدن وتحويلها إلى قلعة عسكرية.

وفي الفترة من 1839 - 1932 كان المقيم السياسي البريطاني، الذي يتبع مباشرة حكومة بومباي في الهند، يتمتع بامتيازات واسعة، حيث كان يجمع بين مهام الحاكم المدني والعسكري لعدن، كما أخذ (هينز) يعقد العديد من الاتفاقيات مع شيوخ القبائل المحيطة بعدن، مستخدماً في ذلك مختلف الأساليب وأهمها الإغراءات المادية.

ومن أهم التحولات والتطورات السياسية البريطانية في عدن ذلك المرسوم الصادر في الأول من أبريل 1937، القاضي بنقل عدن في مستوطنة تابعة للهند إلى مستعمرة تابعة للتاج البريطاني، وهذا ما أكده المؤرخ سلطان ناجي في كتابه قائلاً: إنه في الأول من أبريل 1937 انتقلت مسؤولية إدارة عدن من الهند إلى وزارة المستعمرات، والواقع أن هذا التغيير لم يكن شكلياً ـ كما يظن ـ فبعد أن صارت عدن تابعة لوزارة المستعمرات؛ بدأت مرحلة جديدة من السياسة البريطانية ـ على الأقل بالنسبة لمحميات عدن ـ والسياسة الجديدة هذه هي التي أصبحت تعرف بـ "سياسة إلى الأمام"، والقاضية بالتدخل المكثف والمباشر في شؤون المحميات، فإلى ذلك التاريخ يعود تقسيم المحميات "شرقية وغربية"، وقد وضح شخص مسؤول عن كل منهما، وإلي "المستعمرة" تم تعيين عدد من الضباط السياسيين تحت كل منهما، كما أن السلامة بين الإنجليز والأمراء والسلاطين لم تعد تنظمها اتفاقيات الحماية التي كانت سارية المفعول منذ الثمانينيات من القرن السابع عشر، وإنما اتفاقيات "الاستشارة" الجديدة، التي تقضي بوجوب قبول الأمير أو السلطان نصيحة مستشاره الإنجليزي في أية أمور يراها.

ويؤكد د. محمد عمر الحبشي، في كتابه عن التشريعي الخاص بعدن قائلاً: "لم يخل تطور الوضع السياسي في جنوب شرق آسيا في الهند، وفي الشرق الأوسط بين الحربين العالميتين، من تأثير على الوضع الحقوقي لعدن، فقد تحولت عدن إلى مستعمرة للتاج بموجب الأمر الصادر في 28 سبتمبر 1936 الذي بدأ تطبيقه في أول أبريل عام 1937، ومنحت ـ عندئذ ـ النظام العادي والتشريعي المعمول به في المستعمرات البريطانية.. ومنذ ذلك الحين؛ أصبحت حكومتها من النمط الاستعماري المباشر المقصور على الموظفين من أصل إنجليزي، وقد أنشأت السلطات الاستعمارية خلال الفترة الواقعة بين عامي 1937 و1947 من أجل تطبيق الشكل التشريعي الجديد، مجلسين (تنفيذي وتشريعي)".

بالنسبة للمجلس التنفيذي، الذي يعتبر بمثابة أول حكومة في ظل الوضع التشريعي الجديد، وكان يتألف من الآتي:

-  من حاكم يسميه التاج البريطاني بناء على اقتراح وزير المستعمرات، يتولى الرئاسة ومدته خمس سنوات.

-  من ثلاثة موظفين كبار تسميهم دائر المستعمرات، ويشتملون على أمين عام الحكومة، مدعي عام، سكرتير للكمالية.

-  ومن موظفين أو خبراء يعينهم الحاكم ـ حسب توجيهات لندن ـ يتراوح عددهم بين اثنين أو ثلاثة، ومع إنشاء المجلس التشريعي بدأت الخطوة الأولى في التقدم الدستوري في عدن.

تأسيس المجلس التشريعي:

كان تاريخ افتتاح المجلس التشريعي بعدن ـ لأول مرة ـ في السادس من يناير 1947، فهي بمثابة بداية الحقبة البرلمانية، وقد أكدت الوثائق والسجلات التاريخية لمدينة عدن أن التدشين الأول لمجلس عدن التشريعي يعطي لنا صورة عن المهاد الذي سارت عليه هذه التجربة في هذا المجال، الذي جعل لعدن خطوة متميزة في ذلك الزمان وعلى مستوى الجزيرة العربية والخليج من خلال إدخال هذا الجانب الأوروبي في العمل السياسي، الذي ساعد على تواصل العمل البرلماني في عدن وانتقاله من مرحلة إلى مرحلة حسب تقدم المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي عند كل من شارك في عمل هذا المجلس، الذي لم يدخل إليه إلا من كان عند مستوى المسؤولية.

أما ما يتعلق بتكوين المجلس التشريعي الأول؛ فهو في الأصل لا يشتمل إلا على أعضاء يسميهم الحاكم، حيث اجتمع أعضاء المجلس التشريعي المكون من ثمانية من رجال الدولة، وهم:

         1) مارشال الجو      2) السكرتير العام   3) المدعي العمومي

4) مدير المالية   5) رئيس الأطباء

6) مدير الأشغال العمومية

7) ضابط التنفيذ لسلطة الضواحي

8) مدير المعارف

وأيضاً ثمانية من رجال الطوائف في عدن هم:

1) المستر تايلر

2) خان بهادر محمد عبد القادر مكاوي

3) خان بهاد محمد سالم علي

4) السيد عبده غانم

5) المستر دتشا خورجي

6) الشيخ محمد عبد الله المحامي

7) جودا مناحم يهودا

8) المستر كرتن

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كما حضر اجتماع المجلس عدد كبير من الأعيان، وقناصل الدول وكبار الموظفين والسيدات وحملة الألقاب.

 

مهام المجلس التشريعي:

إن مهمة المجلس التشريعي بعدن، من حيث المبدأ، هي إعداد التشريع المطبق في عدن، وأعضاؤه يملكون الحق في المبادهة في اقتراح القوانين، ما خلا الأمور المتعلقة بالضرائب وإلغاء القرارات الواردة من التاج، بيد أن جميع ما يصدر عن المجلس يمكن أن يعطله (فيتو) الحاكم، وهكذا؛ فإن إمكانية اللجوء إلى استعمال حق (الفيتو) يقلص دور المجلس ويجعل مهمته استشارية مجردة، فالحاكم هو الذي يملك السلطات الفعلية جميعها,

وبموجب القرار الصادر في 3 مارس 1937 لم يعد الحاكم مسؤولاً أمام المجلس التشريعي، وبقي الأمر على هذه الحال حتى عام 1956 حيث أصبح قسم من الأعضاء يصلون إلى المجلس عن طريق الانتخابات.

كما شملت مهام المجلس التشريعي مشاريع القوانين والاستجوابات والأسئلة، فيما عدا الجلسات الاعتيادية وأعمالها، وكانت أعمال المجلس تسير حسب القواعد التالية ـ كما ذكرت ـ في المراجع المتصلة بتاريخ المجلس التشريعي، فهي:

- دخول رئيس المجلس

- قراءة خطاب الافتتاح

- ابتهالات

- ملف اليمين لأي عضو جديد

- رسائل من سعادة الحاكم بواسطة رئيس المجلس

- تقديم الطلبات

- أسئلة إلى أعضاء الحكومة

- إيضاحات من أعضاء الحكومة

-  طلبات بالسماح لتأجيل المجلس لأمور تتعلق بمسائل شعبية ذات أهمية قصوى، إيضاحات شخصية، الاستجوابات المعلن عنها إلى الرئيس، مشاريع القوانين.

كان أي عضو من حقه أن يطلب السماح له بتقديم مشروع قانون يكون قد أعلن عنه، ولكن مشاريع القوانين يمكن تقديمها بالنيابة عن الحكومة بدون طلب السماح من المجلس، أما التلاوة الأولى؛ فكانت مسألة تقليدية.

ويشير صالح عيسى في كتابه إلى أن السلطات البريطانية في عام 1955 اتفقت على إجراء الترتيبات لإجراء أول انتخاب جزئية في عدن بشروط، وباعتبار أبناء الجاليات الأجنبية المقيمين في عدن من أبناء دول (الكومنولث) والمستعمرات مشمولين بقانون الجنسية، ويحق لهم الترشيح والانتخاب، ما داموا مقيمين في عدن لأكثر من عامين، في الوقت الذي يحرم أبناء المحميات وأبناء اليمن من الاشتراك في هذه الانتخابات كلياً.

أما المجلس التشريعي الثاني فقد دشن في 17 يناير عام 1956، وكان ذلك عندما أدخل نظام الانتخابات، حيث تم انتخاب أربعة أعضاء شعبياً، وهذه خطوة رائدة نحو العمل البرلماني الذي شهدته عدن في تلك الحقبة، حيث أجريت الانتخابات في نهاية عام 1955 في مرحلة شهدت فيها مدينة عدن حركة سياسية متطورة تمثلت في تشكيل بعض الأحزاب والمنظمات السياسية، التي طالبت بالنظام الانتخابي وبتوسيع نطاق المشاركة في الشؤون العامة، حيث عرضت السلطات البريطانية تعديل دستور المجلس التشريعي في العام 1955 الذي يقضي بانتخاب أربعة أعضاء من أصل ثمانية عشر عضواً إلى المجلس التشريعي، وحدد حق الانتخاب والترشيح للمولدين في عدن والمقيمين من رعايا الحكومة البريطانية، ورفض هذا العرض من قبل الهيئات الوطنية وحددت مطالبها بالآتي:

-        أن يكون الحصول على نصف مقاعد المجلس التشريعي.

-        إلغاء التشريح للأجانب.

-        إعطاء حق الانتخاب لأبناء شمال الوطن.

وبعد اتصالات واسعة في نوفمبر 1955 اجتمع ممثلو مختلف الأندية والجمعيات السياسية، وتم الاتفاق على مقاطعة الانتخابات، بينما وافقت رابطة أبناء الجنوب والجمعية العدنية على المشاركة في الانتخابات، وعلى ضوء ذلك؛ تم تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة بزعامة محمد سالم علي، رئيس الجمعية، محمد عبده نعمان، الأمين العام، وحسين باوزير، مساعداً، ووضعت الجبهة برنامجها الذي تحدد في النقاط التالية:

-        مقاطعة وإفشال انتخابات المجلس التشريعي.

-        رفض التطور الدستوري لعدن.

-        رفض (مشروع اتحاد الجنوب العربي).

-        تبني المطالبة العمالية والعمل على تحقيقها.

-  رفعت شعارات وطنية مطالبة باستقلال الاتحاد مع شمال الوطن، مع رفض الانفصالية([1] أما المجلس التشريعي الثالث فقد افتتح في 26 يناير 1959، ما بعد تعديل الدستور، وفي العام 1958 ارتأت حكومة صاحبة الجلالة أن تدخل إصلاحاً مجدداً على المجلس التشريعي بجعله منتخباً ـ في غالبيته، كما قبلت بأن تسير بالمستعمرة على مراحل نحو الاستقلال الذاتي الداخلي دون أن تمس سيادتها، وأعطت للعدنيين مراكز أكثر أهمية من ذي قبل في المراكز الإدارية.

وفي العام نفسه؛ أصدر قرار بسن دستور جديد، وبموجب هذا الدستور الجديد ارتفع عدد أعضاء المجلس التشريعي إلى 23 عضواً (بعد أن كان المجلس من 16 عضواً في عام 1947، و18 عضواً في عامي 1955 - 1956)، وأصبح التمثيل قائماً على الانتخاب للرجال.

وفي نوفمبر 1959 طرأ أول تعديل على نص الدستور، رفع بموجبه عدد الأعضاء المنتخبين من 4 إلى 12 من أصل 23 عضواً يشكلون مجموع المجلس التشريعي، وانسحب الحاكم من المجلس، تاركاً الرئاسة لرئيس حيادي ـ الأصوات له ـ واحتفظ هو بحق تعيينه لمدة أربع سنوات، أي طيلة الدورة التشريعية.

في إطار التعديلات المقترحة؛ أصدر الحاكم العام قراراً يقضي بتقسيم المستعمرة إلى خمس دوائر انتخابية، ولكل دائرة عدد من المقاعد ـ بحسب حجمها، مع التأكيد على أن عدد الأعضاء المنتخبين 12 عضواً، وتم تقسم المستعمرة إلى الدوائر التالية:

1)             دائرة شمال كريتر              3 أعضاء.

2)             دائرة جنوب كريتر                   3 أعضاء.

3)             دائرة التواهي                          عضوان

4)             دائرة المعلا / خور مكسر      عضوان

5)             دائرة الشيخ عثمان وعدن الصغرى عضوان

                 الإجمالي:                           12 عضواً

وننوه بأن انتخابات المجالس البلدية في مستعمرة عدن كانت تضم ثلاثة مجالس بلدية مستقلة: مجلس منطقة كريتر، مجلس منطقة الشيخ عثمان، مجلس منطقة البريقة ـ عدن الصغرى.

وأجريت الانتخابات العامة الأولى في 4 ديسمبر 1959، في جو يسوده التوتر الشديد، فقد انتخب الأعضاء الاثنا عشر (12 عضواً) في خمس مناطق، منطقتان انتخبت كل منهما ثلاثة أعضاء، المناطق الثلاث الباقية انتخبت كل واحدة منها عضوية([2] وعارضت القوى الوطنية والمؤتمر العمالي التعديلات المقترحة ـ باعتبارها لا تزال جزئية، وأنها تتم في إطار قانون الانتخابات الذي رفضوه، ولم يتجاوز عد  المشاركين سواء ممن يحق لهم الانتخاب، البالغ عددهم  21.554 من مجموعة السكان البالغ عددهم 180.000 نسمة، أدت هذه المقاطعة إلى دخول رموز عربية وأخرى أجنبية، واكتسبت حول الترشيح بموجب قانون الانتخابات.

 



 

 




شارك برأيك