آخر تحديث :الاثنين 29 ابريل 2024 - الساعة:16:42:17
الضالع .. محافظ (كومبارس) ولجنة بلا صلاحيات وحراك مختزل !!
()

 

 

عام 1973 أقدمت حكومة الثورة في الجنوب(كما كان يطلق عليها) على حزمة من الإجراءات في إطار العملية التعليمية والتربوية منها استحداث الدائرة السياسية في ديوان الوزارة، والنواب السياسيين في إدارات التربية والتعليم وكافة المدارس الإعدادية والثانوية في الجمهورية، لغرض الإشراف وتوجيه التوعية والنشاط السياسي بين أوساط الطلاب جنباً إلى جنب مع المنظمات القاعدية الحزبية والشبابية والاتحاد الوطني للطلبة، لمواجهة تغلغل نشاط التيارات الحزبية المحظورة والمعادية للفكر التقدمي الذي انتهجه التنظيم الحاكم. كما اُدخلت مادة التربية العسكرية الإلزامية لطلاب المدارس الثانوية بمعدل حصتين كل أسبوع تُنفذ في ميادين المدارس على يد ضباط من الجيش وخريجين من الكليات العسكرية العربية.

عمداء الكليات من قضاة المحاكم

وأهم تلك الإجراءات كان تعيين عمداء الكليات (المدارس الثانوية) من قضاة المحاكم والقانونيين، وذلك لتثبيت قواعد الضبط والربط ومنع التسيب فيها. في اعتقادي أن هذه العملية كان لها رد فعل عكسي قوض العملية التعليمية برمتها، والدليل على ذلك هو فشل كل هذه الإجراءات بعد عدة سنوات وإعادة القضاة والقانونيين إلى أعمالهم، كما تم تغيير اسم كلية عدن إلى ثانوية عبود وكنتُ حينها طالباً في الثاني ثانوي، حيث تأثرتُ انا وزملائي كثيرأُ من جراء تغيير اسم كليتنا (كلية عدن) لما لهذا الاسم من شموخ ومكانة لا تضاهيها مكانة في عدن، حيث نتفاخر بأننا طلبة في كلية عدن.

تحسين مستوى التغذية للطلاب

وكان من نصيب (كُليتنا) ثانوية عبود أن يكون عميدها مستشار قانونياً لإحدى الوزارات المهمة، شاب عدني خريج حقوق من جامعة الصداقة في موسكو مفعم بالحيوية والنشاط كان يتعامل معنا بكل لطف ورقي ويدعم نشاطاتنا في اللجنة الطلابية، في الفصل الدراسي التالي لاحظ العميد تدني مستوى التغذية لطلاب القسم الداخلي للثانوية ونتيجة لانعدام توفر أي مورد لتحسين الغذاء فكر في زراعة بعض الخضار في حرم الكلية لرفد مطبخ القسم .. وقد اطلعنا العميد على فكرته الممتازة هذه، لكننا لم نؤيدهُ على اختياره لموقع المزرعة الصغيرة، فقد نوى قطع الأشجار الباسقة التي تقف في الفناء الأمامي للمبنى والتي يتجاوز عمرها العشرين عاما.. حيث قلنا له إن الارض التي فيها أشجار كبيرة يستحيل زراعة المحاصيل فيها، واقترحنا عليه مكاناً آخر أفضل.

فكرة التحسين تقود العميد الى السجن

في ذات خميس نفذ العميد الشاب المتحمس فكرته وقطع جزءا كبيرا من الأشجار، وفي المساء وبينما كانت (جواري الجمال) المحملة بالأشجار تخرج من بوابة مبنى كلية عدن، كان الرئيس (سالمين) عائداً من المحافظة الثانية (لحج)، فلمح القافلة واستوقفها وبعد سؤال العمال أمرهم بالتوجه إلى شرطة دارسعد وانزال الحمولة هناك، ودخل بسيارته إلى القسم الداخلي وسأل الطلبة: مَنْ قطع الاشجار؟ وعرف انهُ العميد واسمه فلان، توجه إلى قسم شرطة دارسعد وأمر قائد القسم بإحضاره وإيداعه الحجز على ان لا يطلق سراحه إلا بأمره شخصياً. نفذ الرقيب (فريد) امر الرئيس (سالمين) دون تردد. صباح السبت تجمع الطلاب في فناء الكلية العاري وكثر الحديث عن الواقعة واختلفت آراؤهم بين مصدّق ومكذّب وساخر.

علي ناصر: جيبه على مسؤوليتي وبتفاهم مع سالمين

وأقيم الطابور بحضور نائب العميد وهئية التدريس وتوجهنا إلى الصفوف، خلال الاستراحة الاولى وصلت إلى الكلية سيارة مرسيدس 200 سوداء اللون خرج منها رئيس الوزراء (علي ناصر محمد) مع اثنين من الحرس فقط وكان ايضاً وزيراً للتربية والتعليم وتوجه إلى مكتب العميد بحضور النائب السياسي وسكرتير المنظمة القاعدية ونحن في اللجنة الطلابية، وبعد حديث قصير اتصل بقائد شرطة دارسعد، عرفنا من خلال حديثه ان (فريد) ابلغه انه لا يستطيع اطلاق سراحه إلا بأمر من الرئيس، فاختتم (علي ناصر) حديثه بالجملة التالية: "جيبه على مسؤوليتي أنا بتفاهم مع الأخ الرئيس".. دقائق وحضر (فريد) مع عميدنا تعيس الحظ وكان في حالة لا يحسد عليها ولكنه كان قوياً ومتماسكاً وقال انه استفاد من الحجز، فمنذ الصباح وهو يراقب الطلبة من نافذة الشرطة ورأى ما لا يراه يومياً من مكتبه وبالذات السور الذي بالقرب من قسم الشرطة، واراد بذكاء ان يضع نفسه في وضع المهاجم لا المدافع. عاد العميد إلى منزله وباشر عمله في اليوم التالي وفشل مشروع تحسين التغذية وذهبت الاشجار ضحية ولكنها انقذت وفدت اشجار المدن بموتها! فبعد اقل من اسبوعين اصدر الرئيس (سالمين) قانوناً يمنع ويجرم قطع الاشجار العامة في المدن. وبينما كان نصيب عميدنا الحجز كان نصيب القاضي الشاب عميد احدى ثانويات البنات في المحافظة الاولى (عدن) ان تزوجَ واحدة من طالباته.. كما حذا حذوه الشاب (ع) مُدرس التربية العسكرية في المدرسة نفسها.

 

 

 



شارك برأيك