آخر تحديث :الاحد 17 اغسطس 2025 - الساعة:22:41:39
الشرق الأوسط: انتشار غير مسبوق للمرضى النفسيين في مناطق سيطرة #الحـوثي
(الأمناء نت / الشرق الاوسط :)

منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية في اليمن واجتياحها صنعاء ومدنا أخرى وبسط نفوذها على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تعرض العامل النفسي لكثير من اليمنيين لانتكاسة كبيرة، وأصيب جراء ذلك معظم السكان بأمراض نفسية تكاد تكون مستعصية.

وتحدث سكان محليون بصنعاء لـالشرق الأوسط عن انتشار غير مسبوق في الوقت الحالي لعدد من المرضى النفسيين في شوارع وأزقة وأحياء العاصمة ومدن أخرى خاضعة لسيطرة الانقلابيين.

وأكدوا تنامي هذه الظاهرة على نحو لافت خلال الأربعة أعوام الأخيرة ( أي فترة الانقلاب الحوثية)، مع استمرار وتيرة الحرب التي شنتها وتشنها الميليشيات على مختلف المدن اليمنية، والتي أنتجت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيفات أممية سابقة.

ويتوزع معظم المرضى النفسيين، وفق معلومات رسمية، في المدن الأكثر كثافة سكانية والأشد فقراً، كالعاصمة صنعاء ومحافظات تعز والحديدة وإب وذمار الخاضعة جميعها لسيطرة الحوثيين.

ويفترش مئات الآلاف من اليمنيين إن لم يكونوا ملايين المصابين باضطرابات نفسية بينهم أطفال ونساء، أرصفة الشوارع في صنعاء ومدن يمنية أخرى، في حين يلجأ بعضهم للتسول، ويقتات البعض الآخر من القمامات.

وفاقمت الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر وانعدام الرواتب وفرص العمل من تدهور كبير في الصحة النفسية لدى غالبية اليمنيين، في وقت تؤكد فيه إحصائيات محلية عن وجود أكثر من 5 ملايين يمني مصاب حاليا باضطرابات نفسية.

ويروي "ع.خ.م"، أحد سكان صنعاء، قصة شقيقه الأكبر، الذي فقد عقله منتصف عام 2015 بعد أن أقصته الميليشيات الحوثية منعمله وصادرت كل حقوقه لمجرد اختلافه البسيط معهم ومعارضته لسياساتهم التدميرية داخل مؤسسة حكومية يعمل فيها منذ 30 عاما.

ويشير إلى طرد الميليشيات لشقيقه من عمله بالمؤسسة بصنعاء وقطع راتبه واستبداله به شخصاً آخر مؤهله العلمي الوحيد "الانتماء للميليشيات".

ويضيف: " منذ طرده لم يعد أخي ذلك الرجلالمرح والبشوش الذي أعرفه وتعرفه بقية أفراد أسرته، خصوصاً زوجته وأبناءه الستة، بلتحول إلى شخص آخر غريب الأطوار كثير التفكير مليء بالهموم والأحزان والأوجاع، وكأنه يتحسر على سنوات عمره التي أفناها مخلصاً بعمله الإداري في المؤسسة التي ذهبت أدراج الرياح بسبب تصرفات أولئك الحمقى الذين لا يعرفون ذمة ولا رحمة ولا مبادئ ولا أخلاق ولا حتى ديناً أو عُرفاً " .

ويؤكد "ع.خ.م" لـ "الشرق الأوسط" أن هذه الجماعة وبمجرد اختلافك البسيط معها أو انتقادك لسياساتها الخاطئة تمحوك بجبروتها الأعمى من الوجود، إما بقتلك أو بمصادرة رزقك وقوت أولادك. ويتساءل : "أي قلوب يحملها هؤلاء؟ وما التربة الخبيثة التي أنبتتهم"؟

ويختتم حديثة قائلاً : "نحن حزينون لأننا نشاهده يتألم ويتشرد بعيدا عن المنزل لأسابيع وشهور ونعجز عن مساعدته، حتى بعض الأدوية نعجز اليوم أيضاً عن شرائها له".

وبدوره، يتحدث مواطن آخر من صنعاء لـالشرق الأوسط، قائلاً : "في السابق كان هناك مثل شعبي يقول : ( لا تبكِ على من مات وابكِ على من طار عقله)".

اليوم تغير الحال، ولم يعد هذا المثل قائماً، فقد ارتاح من المآسي والهموم والقهر التي خلفتها الميليشيات الحوثية، كل يمني فقد عقله.

ووفق تقارير أممية، فقد احتل اليمن مراتب خطيرة من حيث ارتفاع نسبة الفقر والمجاعة، حيث أصبح نصف سكان اليمن تحت خط الفقر والعوز والمرض وعلى بُعد خطوات من المجاعة.

وشهد الوضع اليمني منذ 4 سنوات من الانقلاب بشكل عام تردياً كبيراً وصل إلى ذروته، وجلبت تلك السنوات العجاف بآثارها السلبية البالغة مختلف أنواع المآسي والآلام والدمار والأمراض النفسية لليمنيين على حد سواء.

ويقول أحد المتابعين إنه لم يكن ضحايا الانقلاب والحرب من المدنيين قتلى أو جرحى فقط، بل كان للحرب ضحايا آخرون لم يعرفهم المجتمع على حقيقتهم، كما لم تتطرق لهم ولمعاناتهم مختلف وسائل الإعلام.

ويضيف أن المرضى النفسيين في اليمن ضحايا الانقلاب الحوثي والحرب وتبعاتها السلبية.

من جانبه، يرى طبيب نفسي بصنعاء هو الآخر أن الأوضاع الحاصلة في البلاد بالوقت الحالي تُعد سبباً رئيساً في ازدياد مرضى الحالات النفسية في اليمن.

ويفصح الطبيب ( الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه ) لـ الشرق الأوسط ، عن أسباب عدة تقف وراء إصابة كثير من اليمنيين بأمراض واضطرابات نفسية.

ويقول إن أكثر الأسباب التي أثرت على المرضى نفسياً الذين يتوافدون يومياً إلى عيادته بصنعاء، تتمثل بعدم قدرتهم على توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية لأسرهم، يتلوه فقدانهم لرواتبهم وأعمالهم، وعدم الحصول على فرص عمل أخرى بديلة، ثم في المرتبة الثالثة عدم قدرة البعض من الشباب على الزواج وتحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى أسباب أخرى، كما يضيف الطبيب، كالخوف وعدم الأمن والاستقرار ومشكلات وخلافات أسرية.

ويوجد في اليمن بحسب معلومات رسمية 3 مصحات نفسية، إلى جانب مستشفى واحد متخصص بالطب والعلاج النفسي في صنعاء، بينما يوجد أقل من 50 طبيباً فقط موزعين على عموم مناطق اليمن، ناهيك بغياب أقسام متخصصة بالطب النفسي بالمنشآت الصحية اليمنية، ولم يرُق للميليشيات الإرهابية ( رغم قلة عددها ) أن تبقي عليها ، بل سعت إلى القضاء بسياساتها التدميرية على البعض منها، واقتحمت البعض الآخر، كما حصل في اقتحامها منتصف عام 2017 للمصحات النفسية في كل من إب وتعز وحولتهما إلى سجون خاصةبها.

ويعاني القطاع الصحي في اليمن بشكل عام من وضع متدهور وخطير، نتيجة الانقلاب الحوثي، وأدى ذلك إلى غياب شبه كامل للخدمات الصحيةبما فيها خدمات الصحة النفسية، ويقول آخر مسح نفذته منظمة الصحة العالمية إن من بين3507 منشآت صحية في اليمن تغيب فيها الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية ولا تتوافر إلا بنسب ضئيلة.

وفي الوقت الذي تقدر فيه معلومات وأرقام محلية وجود تزايد كبير بأعداد المرضى النفسيين، يعزي مسؤولون وأطباء ذلك إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي عصفت باليمنيين جراء الانقلاب.

ويعد المسؤولون والأطباء في أحاديثهم المتفرقة لـ الشرق الأوسط ، أن البيئة الصعبة التي يعيشون فيها ووجود كثير منهم في أقسام سجون مركزية وفي مصحات تفتقر ، بسبب الانقلاب الحوثي ، إلى أبسط التجهيزات والأدوية اللازمة في صنعاء والمدن، تُعدّ من بين الأسباب الرئيسية التي عملت على تزايد أعداد المرضى النفسيين في اليمن.

وأضافوا أن عدم وجود أماكن متخصصة لعلاجهم والظروف المادية الصعبة التي تعيشها أسر المرضى وعدم قدرتهم دفع تكاليف العلاج شكلت أيضاً أسباباً أخرى في تنامي هذا الظاهرة في أوساط المجتمع .

وبينما يؤكد "مركز صنعاء للدراساتالاستراتيجية" أن أعداداً كبيرة لا يُستهان بها من اليمنيين تعاني اليوم من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية التي خلّفتها الحرب على مدى 4 سنوات.. يكشف مسؤول هو الآخر بمنشأة للطب النفسي بصنعاء عن ارتفاع كبير في أعداد المرضى النفسيين بالمقارنة مع فترة ما قبل الانقلاب الحوثي على السلطة في اليمن.

ويقول المسؤول ( فضل عدم ذكر اسمه) لـ الشرق الأوسط : يومياً نسجل ما بين 20 إلى 40 حالة جديدة من غير المرضى الموجودين لدينا بالمنشأة، الذين يتلقون العلاج النفسي بشكل مستمر .

ويشير إلى أن المنشأة ورغم إمكانياتها البسيطة تواجه بشكل يومي ازدحاماً شديداً في أعداد المرضى النفسيين، الأمر الذي اضطرهم لتأجيل علاج بعض الحالات.

ويضيف : رغم ما نعانيه من ضغوط وإهمال ولامبالاة، لكننا نقوم ولو بالحد الأدنى من دورنا بعلاج المرضى الذين قد يتحولون في يومما، وإذا لم تقدم لهم الرعاية الطبية والنفسية الكاملة، إما لمجرمين أوضحايا إجرامأ ويقدموا على عملية الانتحار .

وكانت إحصائية رسمية سابقة أفادت عام2011م ( وقبل اقتحام الحوثيين صنعاء في 2014 ) بوجود نحو 1.5 مليون مريض نفسي في اليمن، بينهم 500 ألف مريض ذهني .

في حين كشفت دراسة محلية حديثة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري عن أن عدد المتضررين نفسياً بسبب الحرب التي أشعلتها الجماعة الانقلابية يقدربـ 5 ملايين و455 ألفاً و347 شخصاً من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية.

وتؤكد الدراسة ( التي حصلت الشرق الأوسط على نسخة منها ) أن 195 شخصاً من كل ألف يمني يعانون من ضغوط واضطرابات نفسية حادة.

وقالت إن المرضى بحاجة ماسّة إلى رعاية صحية ونفسية متخصصة وعاجلة. وحذرت في الوقت ذاته من أن هذه النسبة تفوق المعدلات الطبيعية بأضعاف، وتنذر بكارثة مجتمعية.

وتقول المؤسسة في دراستها إن كثيراً من السكان يعانون على الأرجح من التبعات النفسية والاجتماعية.

وتضيف أن السبب الرئيسي في ازدياد أعداد المرضى النفسيين يعود إلى دخول اليمن بدوامة الحرب باعتبارها المتغير الوحيد الذي طرأ على البلاد، مما أدى إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص من منازلهم، أي ما يقارب 11 في المائة، من مجموع السكان، إضافة إلى تدهور الحالة المعيشية للسكان بعدانقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر إلى 80 في المائة.

 وأثر الانقلاب الحوثي بتداعياته المختلفة على السكان المحليين بشكل عام، وظهر بعض من اليمنيين غير قادر على تحمل تبعات الانقلاب وويلاته، الأمر الذي أدى، وفق مراقبين، إلى إصابة كثير منهم بأمراض نفسية تكاد تكون مزمنة.

 وحذر المراقبون من استمرار ارتفاع نسب المرضى النفسيين في اليمن ومن مغبة تجاهل المرضى الحاليين الذين تزداد أعدادهم بشكل يومي.

وأكدوا أن عدم الوقوف بجدية تجاه هذه الظاهر الخطيرة قد يُحدث انتكاسة كبيرة لكيان المجتمع اليمني مايزيد من ارتفاع نسبة الجريمة وحالات الانتحار وغيرها من التصرفات السلبية والخاطئة في اليمن.

 وتصاعدت حالات الانتحار في اليمن على نحولافت خلال الفترة الأخيرة، نتيجة ضغوط نفسية وظروف معيشية قاسية يعيشها السكان، وأفرزتها الجماعة الحوثية منذ عملية انقلابها.

وبينما يفتقر اليمن لإحصائيات حديثة حول هذه الظاهرة، فإن مسؤولاً سابقاً بوزارة الداخلية ( الخاضعة لسيطرة الانقلابيين ) أكد لـ الشرق الأوسط أنهم كانوا يستقبلون قبل انقلاب الميليشيات، تقريباً من 20 إلى 40 حالة انتحار سنويّاً.

وتوقع المسؤول الأمني ( تتحفظ الشرق الأوسط على هويته ) ، ارتفاع الأرقام أضعافاً مضاعفة في ظل الحرب الدائرة، اليوم، التي تسببت بواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.

وبدورهم، يؤكد خبراء آخرون في الصحة النفسيةبصنعاء ارتفاع معدلات الانتحار بالعاصمة صنعاء فقط بنسبة 40.5 في المائة بين 2014 و2015م، في حين أكدت تقارير إعلامية أخرى تسجيل نحو 48 حالة انتحار خلال عام 2018م، وكان أغلب ضحاياها أناساً فقدوا رواتبهم ومصادر رزقهم وأعمالهم.

 


#
#
#

شارك برأيك