آخر تحديث :الثلاثاء 07 مايو 2024 - الساعة:17:48:01
إدراج الإخوان المسلمين في قائمة التنظيمات الإرهابية (تقرير)
(الامناء نت/ واشنطن:)

خلال السنوات القليلة الماضية، شكّكت حكوماتٌ متعددة، في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا والغرب، في وضع جماعة الإخوان المسلمين، التي تدّعي أنها منظمة دينية سلميّة، في حين أنها تقدّم العونَ الأيديولوجي لأولئك الذين يستخدمون العنفَ في حالاتٍ عدّة، ما أدّى إلى تصنيفِ الجماعة كمنظمةٍ إرهابية في عددٍ من دول العالم. وحاليًا، وصل هذا النقاشُ إلى البيت الأبيض، مع ورود تقارير في نهاية شهر أبريل تتحدثُ عن أنّ الرئيس دونالد ترامب يُمارس ضغوطًا تهدفُ إلى إضافة جماعة الإخوان إلى قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. طبيعة جماعة الإخوان عندما تأسستِ الجماعةُ في مصر عام 1928، كانت ملتزمةً بفكرة “أسلمة المجتمع” بدءًا من القاعدة إلى القمة، واعتبرتِ استخدامَ العنف في خدمة هذا الهدف، والوصول إليه، أمرًا مشروعًا. لذلك دعّم الإخوان الثورةَ التي قادها الضباطُ الأحرار في عام 1952، بقيادة جمال عبد الناصر، الذي ألغى النظام الملكي في مصر. لكن في وقتٍ لاحق، وقع خلاف بين الإخوان وعبد الناصر، وبدأت ضدهم حملة في عام 1954 دفعت عددًا كبيرًا من كوادرها إلى الخروج إلى المنفى. لقد استقر عددٌ من القيادات والكوادر الإخوانية، الذين فرّوا من مصر، في دولٍ مختلفة، وتمركز وجودهم بدايةً في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ثم تمكنوا من الاستقرار، في فتراتٍ لاحقة، في دول غربية. وفي أعقابِ وفاة عبد الناصر عام 1970، سلك خَلَفه أنور السادات مسارًا سياسيًا مختلفًا، وأعاد اصطفاف مصر بعيدًا عن الاتحاد السوفييتي، واتجه بها نحو الغرب. في هذا السياق، رأى السادات أن الشيوعيين والتيارات اليسارية في مصر هم التهديد الرئيس. ومن ثم، سمح لجماعة الإخوان المسلمين بإعادة بناء نفسها في مصر، بعد أن تعلن عن تخليها علنًا عن استخدام العنف، لكي تتجنبَ المزيدَ من القمع من قبل الدولة. وفي الخارجِ، أصبحت مختلفُ فروع الجماعة التي تشكلّت في الخمسينيات والستينيات، من القرن العشرين، أكثر استقلالًا ونفوذًا، من أي وقتٍ مضى. وكما أوضح الدكتور لورنزو فيدينو، فعلَى الرغمِ من أن “كيانات الإخوان” تعمل وفق “رؤية مشتركة” ويحتفظ النشطاء في الغرب بـ “صلاتٍ قوية” بالشرق الأوسط، فإن النشطاء في كل دولة يتمتعون “باستقلال عملياتي كامل”. ويضيف فيدينو أن هذا الأمر قد سمح جزئيًا “بإعادةِ تشكيل أيديولوجيا الإخوان وتكتيكاتها لتناسب المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة”. ولأسبابٍ معقدة -تاريخيةً وتنظيميةً واقتصادية- أصبحت جماعةُ الإخوان، والتنظيماتُ والأفرادُ المتفرعة منها، تتمتع بقوةٍ ونفوذٍ لا يتناسب عدديًّا معها، من حيث مشاركتها في النقاشات التي تجرى في المجتمعات التي توجد فيها، خاصة في دول الغرب. وفي هذا الصدد، يشير فيدينو إلى أن بعضَ الحكومات الغربية تتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين ولا تحظرها، وهي على دراية كاملة بما تؤمن به جماعة الإخوان، وأحيانًا يكون مرّدُ ذلك الأملَ في اعتدالها، وأحيانًا أخرى الرغبة في استخدام براعتها التنظيمية للتعامل مع السكان المسلمين. لكن الإخوان المسلمون يُمارسون قدرًا كبيرًا من الخداع أيضًا، ويخبرون الغربيين بلغاتهم بما يريدون سماعَه، بينما يقوم خطابهم، في جوهره العميق، على التحريض ضد الغرب، ويعتبرونهم فاسدين وفاسقين عندما يتحدثون بالعربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. سيكونُ من قبيل “الخطأ التحليلي الخطير الجمع بين أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات السلفية، والسلفية الجهادية؛ مثل تنظيمي القاعدة وداعش”، حسب رأي فيدينو. لكن ينبغي في الوقت نفسه، عدم إغفال دور الإخوان كعرّاب للحركات الإسلامية المتشددة. ذلك أن شخصياتٍ من الإخوان هي التي ساعدت في دمج الجوانبِ العقائدية للسلفية مع الأساليب الثورية للإخوان، لتشكيل السلفية الجهادية في السبعينيات من القرن العشرين. الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان مع تولي الرئيس الأمريكي، ترامب، مقاليد الحكم، تعامل عددٌ من أفراد فريقه مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم متساوين مع الجماعات الجهادية السلفية، فيما يمثلونه جميعُهم من تهديدٍ، سواء بشكلٍ مباشر أو باعتبارهم أرضيّة خصبة تحتضن “المتطرفين ممن لا يتبنون العنفَ”، لكنهم يمكن أن يُقْدِموا -في وقتٍ لاحقٍ- على حملِ السلاح. ومن أجل تفعيل وجهة النظر هذه، في شكل سياسة، يصبح تصنيفُ جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية خطوةً واضحة في هذا الاتجاه. لدى الحكومة الأمريكية مجموعةٌ واسعة من الأدوات التي يمكن استخدامها في حال تصنيف منظمة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، هذه الأدوات من شأنها خنق هذه المنظمة، وهي أدواتٌ غير مستخدمة، على سبيل المثال، ضد الجماعات المصنفة إرهابية؛ وفقًا لقائمة وزارة الخزانة الأمريكية. وإذا ما تم إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، فسوف تفرض الولايات الأمريكية عقوباتٍ اقتصادية واسعة النطاق، وحظر سفر على الشركات والأفراد الذين يتعاملون معها. ومن المفيدِ ملاحظة أن هذا القرار الأمريكي إذا تم اتخاذه فلن يكونَ الأولَ، فالولايات المتحدة الأمريكية في حال صنفتِ الإخوانَ المسلمون جماعةً إرهابيةً فقد سبقها في هذا دولٌ أخرى. لقد حظرت سوريا جماعة الإخوان في عام 1963، بعد وقتٍ قصير من استيلاء حزب البعث على السلطة. وصنفت روسيا جماعةَ الإخوان أيضًا كجماعةٍ إرهابية في عام 2003، وفعلت مصرُ الأمرَ ذاته في عام 2013، فيما اتخذت السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة الخطوةَ ذاتها في عام 2014. وفي نهايةِ المطاف، أرجأت إدارةُ ترامب، في عام 2017، إدراجَ الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. لكن النقاش تجدّد في البيت الأبيض، بعد الزيارةِ التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 9 أبريل الماضي للولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجديرِ بالذكر، أن المعارضة الأساسية المُنظمة لحكم السيسي منذ وصوله إلى السلطة في عام 2013 تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك عناصر من الجماعة تبنت العنف مجددًا بشكلٍ علني. مشكلات محتملة من ناحيةٍ أخرى، يُعارض بعضُ المحللين تصنيفَ جماعة الإخوان المسلمين كمنظمةٍ إرهابية أجنبية، ويستندون في ذلك إلى عددٍ قليلٍ من الحجج. تستند إحدى الاعتراضات على تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية إلى حقائق سياسية، مفادها أن الجماعة متنوعة جدًا في الدول المختلفة، ومن ثمّ فليس هناك جماعة إخوان متجانسة يمكن تصنيفها. الاعتراض الآخر قانونيٌّ وهو أنه من غير الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين تتجاوز العتبة القانونية الخاصة بتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية. وليام ماكانتس، باحثٌ في الحركات الإسلامي المتشددة في مؤسسة بروكينجز، هو من بينِ الذين يقولون إن جماعة الإخوان المسلمين لا تستوفي معايير التصنيف بموجب القانون، وتتبنى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) وجهةَ نظرٍ مماثلة. علاوةً على ذلك، واتصالًا بالنقطة الأولى، يرى البعض أنّ فروعَ الجماعة، مثل حركة “حماس” في غزة، التي تفي بوضوح بتعريفِ المنظمات الإرهابية الأجنبية، يمكن أن يتم التعامل معها، بصورة منفصلة، بل ويتم التعامل معها كذلك بالفعل. ثم هناك الاعتراضُ الجيوسياسي، ففي تركيا، فإن الحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان هو فرع من جماعة الإخوان المسلمين، وفي الأردن والمغرب، والعديد من الدول الإقليمية الأخرى، تُشكِّل جماعةُ الإخوان المسلمين عنصرًا مهمًا من عناصر النظام السياسي، وتصنيفها، بمراعاة هذا الاعتبار، كمنظمةٍ إرهابية، يمكنُ أن يخلقَ مشكلاتٍ قانونية وسياسية، مع هذه الحكومات الصديقة. الاعتراضُ الأخير؛ هو أن التصنيفَ قد يوفِّر ذريعةً لانتهاكاتِ حقوقِ الإنسان، في ظلّ قدرة حكومات المنطقة على قمع المعارضين الشرعيين والمسالمين، على اعتبار أنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. ومن شأنِ مثل هذه الحملات القمعية على المعارضة السلمية أن تفتح الطريق أمام المتطرفين العنيفين. لماذا ينبغي أخذ هذه الخطوة؟ رغم الصعوبات المحتملة في تصنيف الإخوان المسلمين، ضمن التنظيمات الإرهابية الأجنبية، فإنها خطوة ينبغي اتخاذها لكبحِ جماح تنظيمٍ، يعدّ بمنزلة الطليعة الأيديولوجية للجماعات الإسلامية العنيفة المعاصرة. ورغم تنوعِ كيانات جماعة الإخوان، فإن مخاطر أيديولوجيا الجماعة لا تزال قائمةً حيث تمثل تحديًّا أساسيًّا للديمقراطية، والقيم الليبرالية، وحقوق الإنسان. لقد عبّر عن عدم التوافق بين الإخوان والقيم الليبرالية مؤسس الجماعة حسن البنا، في محاضرة ألقاها في أكتوبر 1958 حيث قال: “الإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا الفوارق في العرق والدم، ويعتبر المسلمين جميعًا أمةً واحدة، … [و] كل شبر من الأرض التي يسكنها المسلمون هي وطن أجدادهم… الإخوان المسلمون… يسعون للوحدة الإسلامية… يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر ارتباط بين أمم الإسلام… والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم”. علاوةً على ذلك، تناصرُ جماعةُ الإخوان المسلمين قيمًا غير ديمقراطية؛ بشأن حقوق المرأة، وتنشر خطاباتٍ تُحرّض فيها على الكراهية ضد الأقليات الدينية، لا سيّما المسيحيين، وقبل كل شيء، اليهود. ففي الدورةِ السابعة والخمسين للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، التي عُقدت في مارس 2013، تم عرض وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين بشأن أدوار الجنسين. وردًا على إعلان اللجنة الذي يدين العنف ضد المرأة، أصدرتِ الجماعةُ بيانًا من عشر نقاط يرفض الإعلان. وقالتِ الجماعةُ إنه إذا كانت للجنة أن تفعلَ ما تريد، فإن ذلك من شأنه أن يغير علاقة الرجل بزوجته، حيث “تحلّ الشراكة محلَّ الوصاية” وتلغي الحاجةَ إلى موافقة الزوج على أشياء مثل سفر زوجته. وأوضحت جماعةُ الإخوان أن هذه “المساواة الكاملة في الزواج” غير مقبولة. ومضى بيان الإخوان إلى رفض الفكرة القائلة إن للمرأة الحقَّ في رفع دعاوى قضائية بالاغتصاب ضد زوجها، واعترض بشدة على فكرة اللجنة القائلة بأن “سلطة الطلاق [ينبغي أن تُسحب] من الأزواج وتوضع في أيدي القضاة”. ولم يكتفِ بيانُ الإخوان بهذا، بل أدان إعلان اللجنة المعنية بوضع المرأة؛ لأنه سينطوي على قيام الدولة بتوفير وسائل منع الحمل والإجهاض، وإلغاء تعدد الزوجات، ومنح الحقوق للمثليين جنسيًّا. وقال إن إعلان اللجنة “يتناقض والمبادئ الراسخة للإسلام، ويُقوِّض الأخلاق الإسلامية، ويدمر الأسرة”. وأضاف أن اللجنة “سوف تُعيد ]المجتمع[ لجاهليةِ ما قبل الإسلام”. وتتجلى معاداة الإخوان للسامية، في أوضحِ صورها، في آراء رجل الدين الذي ينتمي للجماعة، يوسف القرضاويالذي يعيش في قطر، الذي أعلن ذاتَ مرة ما يلي: على مدارِ التاريخ، يسلّط الله عليهم [أي اليهود] من يعاقبهم على فسادهم. العقوبة الأخيرة نفذها هتلر. من خلال كل الأشياء التي فعلها لهم -رغم أنهم بالغوا في هذه القضية- وتمكن من وضعهم في مكانهم. … إن شاء الله، المرة القادمة ستكون على أيدي المؤمنين. كان القرضاوي صريحًا تمامًا في القولِ بجوازِ الإرهاب الانتحاري ضد الإسرائيليين اليهود: العملياتُ الاستشهادية التي تقومُ بها الفصائلُ الفلسطينية لمقاومةِ الاحتلال الصهيوني لا تندرجُ بأيّ حالٍ من الأحوالِ ضمن الإرهاب المُحرّم، حتى لو كان هناك بعض المدنيين بين الضحايا. وعندما تراجع القرضاوي عن فتواه التي تُجيز “العمليات الاستشهادية” في عام 2015، لم يكن هذا من قبيل الاعتدال. ذلك أن المحددات التي أبطل بها القرضاوي فتواه تركت المبرر الأيديولوجي لمثل هذه الهجمات الإرهابية، خاصة ضد اليهود. علاوةً على ذلك، فإن وجهةَ نظر القرضاوي في الجهاد بالسيف هي أنه “فرض عين”. وهذا الرأي يتسق مع الجهاديين. وعلى النقيضِ من ذلك، فإن الإسلام التقليدي يعتبر الجهادَ بالسيف “فرض كفاية”، لا يمكن فرضُه إلا عبر سلطةٍ شرعية ضدّ عدوٍ. وعلى هذا الأساس؛ أي أنّ الجهاد “فرض عين”، أصدر القرضاوي فتوى تنصح المسلمين بتجاهل حكوماتهم الوطنية ومهاجمة المنشآت الغربية في دولهم؛ لأن هذه المنشآت تمثل غزوًا: مقاومة الغزاة فرضُ عينٍ على جميع المسلمين. إذا غزا الأعداء دولةً مسلمة، ينبغي على شعبِ تلك الدولة مقاومتهم وطردهم من أراضيهم. … إنه فرضُ عين على جميع المسلمين، رجالًا ونساءً. الخلاصة رغم أنّ تصنيفَ جماعةِ الإخوان المسلمين، كمنظمةٍ إرهابية، ستكونُ عمليةً معقدة، تشملُ، على الأرجحِ، إعادةَ النظر في المعايير المستخدمة لتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، فإنه أمرٌ لا بدّ منه في ظلّ دور الجماعة في إنشاء الحركة الجهادية، ودورها المستمر في تعزيز التطرف.



شارك برأيك