آخر تحديث :الاحد 12 مايو 2024 - الساعة:20:50:14
ما سبب تأكيد الروس إنّهم لن يكونوا بعيدًا عن الجنوب ؟!
("الأمناء" كتب/ أديب السّيــّد)

سأبدأ من البعيد ثمّ القريب ؛ لعلّ هناك من يفهم ويعي  حقيقة ما يجري.

فمن المعروف أنّ بريطانيا باتت تمسك ملف اليمن ، إنّ لك تكن الدّولة الأكثر فعاليّة وتأثير فيه...وهي صاحبة المبادرة في الحديدة وصاحبة مشاريع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن وآخرها القرارين ( 2451 - 2452).

ومن هذا المنطلق استطاعت بريطانيا تغيير نظرة المجتمع الدولي تجاه الحالة في اليمن بحسب كلّ الخطوات والإجراءات الدولية التي تمت. وإن كانت خطوات مرتبكة إلاّ أنّها تؤكد إنّ المرحلة تغيرت فعلياً، وإن الواقع في اليمن لم يعد ينظر إليه دولياً مثلما كان في السّابق .

لا يركز المجتمع الدولي على التفاصيل المحلية التي تجري هنا وهناك، بل يمسك خطوط عريضة هي المسؤولة عن التحكم بالتفاصيل المحلية، وهذا ما يجب على الجنوبيين والمجلس الانتقالي الجنوبي التركيز عليه أيضاً.

اطّلعت على تفاصيل وتطورات الموقف الدولي تجاه ما يجري باليمن، وبصراحة لا أقول : إنها تغيرات لصالح الجنوب، لكنني أجزم إنها ليست لصالح الأطراف اليمنيّة لا شرعية ولا إخونج ولا حوثة .

 

مسار الحالة في اليمن التي يصرّ مجلس الأمن إبقاءها قيد النظر منذ زمن له صلة بحالة اليمن في العام 1994 وقراريّ " 924 و931".. هي نفسها التي باقية قيد النظر في آخر قرارين تمّ إصدارها خلال أقلّ من شهر وهما قراري " 2451 -و2452 ". وهو مسار الحالة الذي كان بالأمس داعم للشرعية وأصبح اليوم يقلل من شانها وينظر لها بأنها ليست إلاّ طرفًا وطرفًا ضعيفًا.

لا نريد أن نخوض في أمور لها متعلقات وعوامل ومقتضيات خاصّة بها تؤخذ عادة وفقاً للتطورات؛ لكن ما يهمنا هو أنّ نظرة المجتمع الدولي للأطراف اليمنية الشمالية "تجاه خصوم الجنوب" باتت نظرة مشمئزة لا تتصل ضمن حلقات الثقة والرهان المستقبلي الدولي عليها".

ويهمنا أيضاً معرفة أنّ الحالة في اليمن التي كان ينظر إليها سابقاً تغيرت تماماً وهذا وإن كان خطراً على اليمن الشمالي لكونه يمكن المليشيات الحوثية من شمال اليمن، إلاّ انّ الأمر نسبياً لصالح الجنوب. وإن كان ذلك خطر على الجنوب إلاّ أنّه خطر محدود لتداخل الأهداف والمصالح في موضوع الجنوب وتهديده من قبل مليشيات إيران الإجراميّة الحوثيّة .

هكذا تريد بريطانيا ومعها يتوافق المجتمع الدوليّ وهذا واضحٌ من خلال الأفعال قبل الأقوال التي تصدر عن المجتمع الدّوليّ .

بصراحة... يقولها الكثير من أطراف المجتمع الدولي...إن الرهان على الشرعية في الانتصار بالشمال على الحوثيّ أو الرهان على التّحالف ، بات شيئاً مستحيلاً...مع أنّ المجتمع الدولي يؤكد على تأكيده لدعم ما تسمّى (الوحدة اليمنية) إلاّ أنّها وحدة تكون مع بقاء الحوثيّ في الشمال ، مستحيلة بالنسبة للخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ستضطر مجبرة على تأييد إبعاد الجنوب عن الشمال المسيطر عليه من الحوثي وعجز قوى الشمال الأخونج والعفافيش في تحقيق أيّ انتصار يهمّ السعوديّة .

سمعت قبل أيّام مقابلة تلفزيونية بقناة "سكاي نيوز" مع المندوبة الدائمة لبريطانيا في مجلس الأمن " كارين بيرس" وتحدثت بصريح العبارة : إنّ المجتمع الدولي انتظر أن يتغيّر الحال في شمال اليمن ويتمّ هزيمة الحوثيين ؛ ولكن لم تتمّ الهزيمة ، ولهذا اضطرت بريطانيا لتبني مشروع التهدئة , أو ما يطلق عليه " السلام في اليمن "بسبب ما أسمته المندوبة البريطانية " الوضع الإنسانيّ في اليمن " .

الرّوس يؤكّدون : إنهم لن يكونوا بعدين عن الجنوب ، ويشكون أن الجنوبيين يبعدون عنهم ولا يريدون التقارب معهم، ولو أنهم فعلوا هذا التقارب لتمكنت روسيا من دعمهم سياسيًا في كثير من الأمور.

أمريكا ذاتها تلعب على ورقة الإرهاب، وهي تراهن أنّ القيادات الجنوبية هي الحليف القوي في مكافحة الإرهاب الذي يعتبر بحسب القوانين الأمريكية مهدداً للأمن القوميّ الأمريكية...

 

وأمريكا هي تدير عمليات مكافحة الإرهاب ، وباتت تعرف جيداً من يكافح الإرهاب ومن يدعمه في اليمن ،  فكيف تمكنت القوات الجنوبية من سحق الإرهاب ومطاردته إلى داخل معاقله الجبلية؟!

وهنا يمكن السر في عدم قدرة الشرعية على تغيير مدير أمن العاصمة عدن، هذا الأمر هو الذي يؤكد بقاء اللواء الركن شلال علي شائع مديراً للأمن في العاصمة عدن وترفض تغييره من  قبل الشرعية وأخونجيتها .

 الشرعية في نظرة المجتمع الدولي باتت ضعيفة هشة تضمّ أعضاء وقيادات إرهابية وأخرى داعمة للإرهاب بل إنها -  أيّ الشرعية - على المستوى السياسي والإداري لا تستطيع إدارة بنك مركزي، ومن الأكيد إنه يجري بحث انتزاع البنك المركزي من يد الشرعية على غرار ما حدث بالحديدة.

عوامل كثيرة أدّت إلى تغيّر النظرة الدولية للحالة في اليمن، من الحالة السابقة إلى الحالة "المجزّأة" - أي تجزئة الحالة في اليمن وتفكيكها ــ عبر الاتي:

- الدخول في صميم الحالة باليمن من باب الوضع الإنساني قبل السياسي - أي فكفكة الوضع السياسي المعقد من باب الوضع الإنساني - للوصول إلى هدف يتوافق عليه المجتمع الدولي.

- تحويل مسار الحل فيها من عسكري وانقلابي وسلطة شرعية إلى إنساني يظهر فشل الشرعية وفشل التحالف وقبلهم فشل حوثي كامل ويتعامل مع الحالة اليمنية بحسب المصالح الدولية وهذا ما تريده بريطانيا التي اختارت الخروج من الاتحاد الأوروبي لإعادة نفوذها في المنطقة العربية ومنها منطقة الجنوب وعدن وباب المندب.

من يلاحظ المتابع جيداً...سيجد شيئاً جديداً طرأ على السياسة الدولية وخاصّة مجلس الأمن، وربّما يتمّ ذلك بطلب , أو اشتراط شخصيّ من المبعوث الأممي مارتن غريفيث ؛ وهو:

- إصدار قرار من مجلس الأمن بعد كلّ خطوة تتمّ , أو اتّفاق يتمّ التّوافق عليه بشان اليمن ، ولك لمعرفة المجتمع الدولي أن الأطراف اليمنية الشمالية لم تكن يوماً عند مستوى الثقة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

- هناك عملية تغيير جرت داخل مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، حتى صار التمثيل داخل مكتب المبعوث ( تمثيل بريطاني - أمريكي - روسي ) عبر ممثلي يديرون حاليًا مكتب المبعوث وفق التغيرات الأخيرة .

باختصار : من يغوص في تفاصيل ما يجري دولياً تجاه اليمن، يجد أنّ بريطانيا تسعى لتمكين الحوثيين في اليمن الشماليّ وإن كان بنسبة معينة ( وما جرى في الحديدة دليل واضح ).

من هذا التّمكين للحوثيّ في اليمن الشّماليّ ، ستستطيع بريطانيا إعادة نفوذه في اليمن الجنوبيّ ، ضمن صراع وتقاسم النفوذ في اليمن مثله مثل غيره من الدول خاصة سوريا التي باتت روسيا وايران مسيطرة عليها .

تطوّرات هذه الاستراتيجية البريطانيّة ؛ أنتجت إلى الآن...توافق سعوديّ تركيّ لنفوذ الدّولتين في اليمن خاصّة في الجنوب، لمواجهة النّفوذ الإماراتيّ البريطانيّ ؛ حيث من المعروف أن الإمارات حليفة بريطانيا بدرجة رئيسية .

لكنّ التحالف السعودي التركي " الجديد" عاجز.. لأسباب كثيرة، منها أنّ دور السعودية وتركيا في الجنوب يأتي عبر الإخوان المسلمين الذين لا يمكن أن يحققوا أيّ نفوذ سعودي تركي لشدة العداء بينهم وبين الشعب الجنوبي الذي يعتبر الأخوان المسلمين عدواً لدوداً مثله من تيار عفاش ومليشيات الحوثيّ.

منذ فترة تحاول السعودية السيطرة على أهمّ ما يمكن أن يخضع الناس في الجنوب، وهي (الخدمات) خاصّة منذ بدء عمل ما تسمى (اللجنة السعودية ضمن البرنامج السعودية لتنمية وإعمار اليمن)...لكن اصطدام البرنامج الذي يسعى تماماً لتمكين الشرعية أو بالأخصّ حزب الإصلاح، بالفساد المريع والمذهل للشرعية، وهذا ما لن يحقق لهم أي نفوذ...مقارنة بالنفوذ الإماراتي التي حدد موقفه من فساد الشرعية وأدرك الأمر مبكراً وراهن على إرادة الشعب الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي باعتبارهم أصحاب الأرض والحقّ المشروع .

وما يعتمل في الجنوب لا يثبت أنّ الجنوب يفضل طرفـًا من التحالف على آخر، ولكنّ التعامل مع الواقع من قبل تلك الأطراف هو من يحدّد هذا الأمر، واعتماد طرف على عدو للجنوب وشعبه لتحقيق تطلعاته هو الخطأ بعينه ولا يمكن أن يتحقق في ظل حواضن شعبية ترفض أن يتمّ فرض عليها التعامل مع طرف يعتبرعدوًا لها ومجرم بحق شعبها ومرتكب جرائم حرب وجرائم انسانية وارهابية بحق الشعب الجنوب. وهو الأمر الذي هو بحاجة لمراجعة من تلك الأطراف داخل التحالف العربيّ .

بالنسبة للجنوب...فهو مستفيد في كلّ الحالات... وهناك عوامل تجعله مستفيد أكثر مما يجري، وهي نفسها العوامل التي لعبت عليها قوى الشمال لسلبها من الجنوب وجعله بيدها...ولكنها فشلت وخذلتها تغيرات المرحلة.

 

لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف طويلاً حجرة عثرة أمام إرادة شعب الجنوب، وليس ذلك لقوة الإرادة الجنوبية فقط ؛ بل أيضاَ لموضوعية التّطوّرات التي جرت وتجري اليوم في الجنوب والشمال والمنطقة عامة، والأهمّ من ذلك هي العوامل الجيواستراتيجية والمصالح الدولية التي ترتبط بالجنوب وجغرافيته ارتباطاً وثيقاً.

يقع الجنوب على أهمّ ممرٍ مائيّ في العالم ، تتداخل فيه مصالح العالم ، والتي لن يجازف أحد في الإضرار بها، والذي لو حدث لربما نشهد حرباً إقليمية , أو عالمية مباشرة بدلاً من الحرب الغير مباشرة الجارية حاليّــاً.

كلّ الصراعات والحروب اليوم ، هي حروب (المصالح) ولن يفرّط المجتمع الدوليّ بمصالحه في الجنوب، ولن يذهب لمعاداة شعب الجنوب لأجل ما تسمى (وحدة يمنية) فشلت في مهدها بشكل ذريع، وبقيت شكلياً عندما كانت مصالح العالم تقتضي ذلك، واليوم لم تعد عوامل بقاء تلك الوحدة موجودة نتيجة لتغيرات جوهرية في الخارطة السياسية وخارطة المصالح لا مجال لذكرها هنا.

ما أريد قوله هنا : إن موقف المجتمع الدولي تغير تجاه الجنوب، وان هناك مخاطر حقيقية بات يشعر بها الجميع تتمثل فيما يمكن لنا تسميته هنا (السلم والأمن الدوليين) اللذين تقع نقطة ارتكازهما في الجنوب (عدن وباب المندب والشريط الساحلي الجنوبي الطويل).

وهذا ما جعل عمليات التحالف العربي، تمتد على طول الشريط الساحلي التي تلتقي في نقاط كثيرة مع التوجهات الدولية الحالية والتي سيتم اتخاذها لاحقاً...تاركة الخيار في المناطق الجافة وسط وشمال اليمن، للشماليين أنفسهم في تحريرها وتخليصها من خطر مليشيات الحوثيين الممولة من إيران ، أو عدم قيامهم بذلك  فهم أحرار وهذا شانهم سيكون نتيجته تمكين الحوثي رسمياً، وذلك بعد أن ضمن التحالف العربي تحرير الجنوب وقطع يد إيران من الامتداد إليه.

المجلس الانتقالي الجنوبي يسير في الطريق الصحيح من حيث العديد من الأمور وقبل ذكرها أؤكّد أنّ الانتقاليّ بحاجة للتحرك أكثر في تنظيم أعمق لمؤسسته السياسية وتوسيع قاعدتها التنظيمية والعملية، أما الأمور الإيجابية التي يحققها الانتقالي ؛ فمنها كلاً يستحب قوله الآن وأخرى يحق قولها ومنها:

- العمل بتوزان واضح وحنكة سياسية تجاه المتطلبات الدولية المرحلية والاستراتيجية.

- المحافظة على الحليف الدولي والعمل معه على اختراق الحواجز السياسية والدبلوماسية وإثبات أنّ الجنوبيين يمتكلون سياسة استراتيجية تتواءم ومتطلبات التوجهات الدولية وليسوا هوشلية تتصرف باستعجال وهوشلية.

- إثبات أنّ المؤسسة السياسية هي الأهمّ وبنائها يجب أن يتواصل لزيادة الثقة الدولية بوجود حليف جنوبي قوي سياسي ولديه قوة عسكرية قادرة على العمل والتغيير وتحقيق التطلعات الدولية وحماية  مصالحها.

ختاماُ... كثير من التطورات تجري لن يكون الجنوب خاسراً منها أبداً، وهذا ما يجعل قوى وأحزاب الشمال يجن جنونهم ويصابون بهستيريا تجاه التعامل مع الجنوب دولياً أو من قبل التحالف أو أطراف فيه.. وهناك أمور لا تقال بشكل كامل، ولكن يستطيع المتابع النبيه فمهما وفكفكة شفراتها.

وهناك الكثير من  التفاصيل لا متّسع لذكرها.

وموضوع ما ذكر وإن كان طويلاً نسبياً...إلا انّه رأي يحمل حقائق سياسية لا يدركها إلا المتابع الجيّد لما يجري، بعيدًا عن هرطقات البعض ومناكفاتهم وتوجهاتهم التي تدور مع التيار والقرش أينما دار.



شارك برأيك