- مقتل قيادي حوثي بارز في مواجهات مع قوات اللواء الأول بالضالع
- أسعار الذهب اليوم الأحد 29-12-2024 في اليمن
- درجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد في الجنوب واليمن
- عاجل: صاروخ حوثي يسقط في مديرية الوضيع
- المحمدي يشدد على ضرورة الحفاظ على النخبة الحضرمية ورفض التجنيد العشوائي
- تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء السبت بالعاصمة عدن
- الوزير عبد الناصر الوالي : الوحدة بين الشمال والجنوب انتهت وتجاوزها الواقع والزمن والتاريخ
- تقرير عبري يكشف أسماء قادة "الحوثي" المتواجدين ضمن قائمة الاستهداف الإسرائيلية
- ناشط موالي للحوثي يفجرها مدوية .. الوزارات في صنعاء تحولت الى مكاتب لنهب المواطنين وابتزازهم
- عاجل : تجدد القصف الجوي على مناطق بشمال اليمن
ناقش عدد من النقاد المميزين في نادي الشعر العدني تجربة الشاعرة العدنية المبدعة (عائشة المحرابي) وتطرقوا للحديث عن جوانب الإبداع في بعض النصوص المختارة للشاعرة.
وتحدث الشاعر "عباد الوطحي" عن نص (غربة) للشاعرة قائلاً :
(غربة ..
نص يتسم بالكثافة الشعرية والانزياح البلاغي ..
كثفت الصور وغورت في الحزن ..
بحضور وجداني لافت ..
وما أروعها من شاعرة تحفر للمدى أغوارا !..
وتشد للصمت أوتارا..
وتضع للصدى تراتيلا
وللسكون مخالبا تنهشها
وهي مكبلة بكبول الوحدة ..
وحتى العدم فقد جسدته وصورت منه سارقا يسرق عمرها ..بل أن هذا العدم يسرقها ليطعم لحمها لضواري السأم ..
وما أوجعها من صور ..وما أوحشها ! ..
وتستمر أحداث النص تحتدم حركة وصور وأحاسيس تنبض ..
لغة شعرية ونص شعري جعلني أعيشه وكأنني أشاهد فلماً من أفلام الأكشن .. فلم وجداني .. له حبكة ودراما متقنة ..)
ويتحدث الناقد بدر العرابي عن النص ذاته قائلا : (النص يضع ذات تتهاوى إلى العدم بفعل المحيط ،فالمحيط يحاول صد حضور هذه الذات ،بل ويحاول بترها من الجذور ، كلما حاولت توتيد جذرها في فضائه ...هذا الصدد وهذا الرفض يفضي بالذات إلى غربة روحية في الداخل،كما يفضي بها للتقوقع منهارة في دائرة من السؤال :"من أنا؟"ما عدت أعرفني من أنا؟".ويتواتر شعور الذات بالتلاشي ،حين يتناهى الصوت (دالة الحضور) "لا صدحت نغمتي.. ولا يرتلها الصدى" أي أن محاولة الذات في تأكيد حضورها للمحيط تفشل أيضا ، والصدى هنا يعني الاستيعاب والقبول ، فلا نغمة صدحت ولا صدى يسجل دويها وحضورها .ثم يتواتر ضغط الصد ،ليلقي الذات في دائرة من السكون مرعبة لها مخالب ..أي أن محاولة الذات في ترسيخ حضورها عبر الصوت /الحرف ، وإثبات هذا الحضور ، تحصد نتيجة عكسية ؛ إذ يرتطم الصوت بقوة في المحيط ،ويعود بقوة مضاعفة ليهوي في لجة من الغياب."تنهشني مخالب السكون .. تكبلني وحدتي..ثم يسرقني العدم"....مظهر آخر يرسمه النص ملمحه أن طاقة وقوة صد المحيط مضاعفة وتتميز بالقسوة "تنهشني ،مخالب،تكبلني،ضواري السأم،أريكة الأنين،تسحقني،تفتح شدقيها،إلتهام" كل تلك التراكيب تدل على قسوة المجتمع والمحيط في رفض تلك الذات التي تطلب الحياة المثلى التي يحف بها الحب والتي تنهمر من القلب /مركز الحب ،لكن المحيط يمقت أنموذج هذه الحياة ،ويطغى في صدها وتغييبها ،ويلتذ بالموت والعنف ...ثم تستيقظ الذات لتلم أشلاء بضاعتها القلب/الحب ،وترحل ،لكنه رحيل وغياب روحي ....نص راقٍ وسامٍ مكثف بالحياة والموت معا ) .
ويعلق الناقد الدكتور أمين العلياني عن نص غربة للمحرابي قائلا :
(يمثل العنوان في نص عائشة المحرابي ( غربة ) بؤرة مكتنزة يتقيأها خيط سيميائي يكشف عن انغلاق الداخل النفسي بفعل الخارج المتعدد بمظاهره القاسية بقوة الفعل لا بفعل القوة. فالتحول من النكرة (غربة) إلى كلمة (غريبة) هو تنازل شعوري من العام المجمل في العنوان (غربة) إلى التفاصيل المتعددة لذلك الخارج بهدف كشفه إظهار سطوته ..فغريبة في دنياي توضيح مسار قوة فعل الغربة باتجاه الأفق الدنيوي على اعتبار ذلك مظهرا ناتجا عن المعايشة ، ويأتي مظهر العمق في أغوار المدى على اعتبار كشفية التراكم التي جعلت الذات تتحول من ضيق التماس الدنيوي إلى أغوار المدى التائه الذي جعل دالة تعزفني على الاتجاه أو قُل التفكير الجاف على حواف اللاوعي الموصوف بالمفارقة العجيبة التي حاولت من خلالها (عائشة) أن تشف منطق الاحتواء الذي جعل كل شيء في غياب للمواجهة الإيجابية (تعزفني أوتار الصمت) ... من هنا كانت الغربة النكرة مظاهر انعدمت معه كل وسائل الاتصال بالخارج المغلق..وبفعل ذلك جاء المقطع الثاني من النص متصدرا أدوات النفي بهدف إيضاح قوة فعل الغربة (لا صدحت نغمتي) و(ولا رتلني الصدا ) وهذا ما يبرره أن الغربة عند الشاعرة بدأت تتجه من آفاق المظاهر الخارجية لقوة الغربة إلى اتجاه رأسي يكشف آثار مظاهر الخارج على الداخل (تنهشني مخالب السكون) حتي يأتي الاعتراف (تكبلني وحدتي) و(يسرقني العدم),(يطعمني لضوراي السأم) في (فيافي غربتي)...
وفي المقطع الثالث بدأت عائشة في اتجاه نفسي تحاول أن تشرح عن الحال المتحول من المظاهر إلى الآثار الداخلية ..من هنا جاءت (ملامحي تختفي) كحوافر تحاول أن تقنع بها متلقيها العام وهذه الحوافز جاءت الأسئلة ( تحاصرني أسئلة مريرة) لتكشف عن ضخامة قوة فعل الغربة وضعف الذات المواجهة لمظاهرها وآثارها ودوافعها النفسية ...فتجيب على (أريكة الأنين) الذي تضخم من الداخل إلى الخارج بهدف التجسيد ليصبح شيئا محسوسا ومقنعا (يتساقط بين يدي) من تراكمات التداعي لقوة فعل الغربة وآثارها التي صارت مع الحضور الشعري (أضغاث سنين)...من تأتي حتمية إنكار الذكرى بفعل الضعف من الذات من جهة وأنكرتني هي بفعل التراكم الذي تحول إلى أسطورة قاسية لا يقوى ولا يقدر معه التذكر . فالاعتراف بضعف الذات (فمن أكون أنا) يقابله قوة فعل مضاد لكن مع هذه التي بدأت الشاعرة تبددها وتسمح للذات تعبيرا أن يمنحها البوح والتبرير عن ضعفها (ما عدت أنا يا أنا )/(تسحقني سنابك الحيرة) (تقتفي ثرا في دمي)... من هنا بدأت التساؤلات مع الذاكرة على طريق التوسل أن تسترجعني ...ترتبني.. أتنفس...أقاوم برد الشتاء وشخوخة تفتح شدقيها لالتهام بقاياي...لأجل تحمل نبض الحياة المفقودة ، على سبيل الاستعارات القادرة على خلق أجواء مناسبة لخاتمة النص و(أرحل)... )
ويتحدث الناقد أبو فراس العلوي عن النص قائلا : ( لا جرم أن بين الغربة (الاغتراب) والإبداع صلات وعلاقات ...
ولدى الشاعر الحقّ فقط، يمكن لمجرد الشعور بالاغتراب أن تهمي غيمة الاغترابُ نصاً إبداعياً تكثّف شاعريته لذة الهطول العذب.
زخة الاستهلال:
هكذا يبدو أفقٙ الشاعرة لحظة إنتاج النص ملبداً بغيوم الوحدة والوحشة التي انهمرت ساعتئذٍ غربةً نفسيةً انتزعت عائشة تلك المرأة الإنسانة من محيطها الاجتماعي، إلى فضاءٍ آخر لم تجد فيه بداً من أن تتلفع بردة مخضلّة بسواد الغربة، فإذا هي أو على الأصح فإذا بمخلوق نصها امرأة (غريبة)، هكذا لأول وهلة تقدم الشاعرة امرأة بهذه الصفة( دفعة واحدة )، من غير أن نرى أي سوابق لفظية، كأن تبتدئ الجملة بالفعل (أبدو) مثلا لتكون الجملة أبدو غريبة، ولا ينبغي في منطق الشعر أن يكون طبعاً؛ لأن تعبيراً كهذا يسلب لفظة(غريبة) حمولتها الدلالية الشعرية، وسينكشف أسلوب الخداع الذي دائماً يلجأ إليه المبدع لمخاتلة المتلقي وخداعه، فالحقيقة أن المتحدث عنها بكونها غريبة (أكانت تلك الغريبة هي عائشة المحرابي أم هي كائنة أخرى، وفي الحالين فالذي يهمنا هو ذلك الكائن المخلوق في فضاء النص فحسب)؛ الحقيقة أنها في واقعها لم تكن غريبة حقاً، إنما قد تبدو كذلك من وجهة نظر معينة..
غريبة في دنياي ....
جمالية هذا التعبير يكمن في الحذف الذي وقع في الجملة ، إذ التقدير أنا غريبة في دنياي.. ..
قولها (في دنياي)، يشي بمنزعٍ صوفي ظاهر الدلالة ... فالصوفي ذو المعتقد الفلسفي الروحاني يعتقد أن له مقاما علْوياً آخر ، ذلك المقام لم يتجلَ للبشر فتدركه حواسهم ، لقصور إمكاناتهم البشرية عن بلوغه، وما يهمّه هو ذلك الشعور الروحاني بالفوقية، فالدنيوي السفلي سيظل ذلك الهالك الفاني ...
ليست سوى إلماحه إلى مدى المعنى الذي يستبطن النص...ذلك المعنى الصوفي فحسب...فالغائر لا يُمنح لمن يقرأ السطح ولا يسلم نفسه له بسهولة ، إنما يحتاج لمن يغور في أعماق النص(بنيته العميقة).
تعزفني أوتار الصمت ... لا يتحقق للصمت العزف إلا حينما يكون صمتاً تملأه المناجاة والحركة التي تجري في الخفاء على مستوى الروح / الأفكار... ما يمتنع إدراكه .. لا صدحت نغمتي ولا رتلني الصدى...
حينما لا يؤمن الجامح خياله بقدرة الحواس على إجراء فعلها بصفته المطلقة لا يمكن أن تتحقق ثقته بها، ففي حين أن وظيفة حاسة السمع التي يمكن (الأذن) فعله محدودٌ مقيدٌ ـ وكذلك هو الحال مع الحواس الأخرى ـ فكيف لنغمتك وهي نغمة لا تجري على أوتار عالمنا -كما يوحي نصك- كيف لها أن تصدح، وكيف للصدى أن يرتل ما لا يُسمع؟!....
كيف يقع ذلك والثقافة الفلسفية هي آلة الإنتاج التي مرّ بمعملها هذا النص؟!...
تنهشني
مخالب السكون
تكبلني وحدتي
يسرقني العدم..
ثنائية ( الوجود / العدم)
تتحقق في قالب من الصياغة وفق تداعي الأضداد..
السكون ذو المخالب .... اضطراب على مستوى القيمة النفسية للداخل المنهمك في إجراء علاقات على مستوى عالم الممكن ... إذن فربما مثّل ذلك حالة من الاضطراب الرؤيوي ، صراع دواخل النفس وتنازع لمعتقدات تتصادم ، بيد أن النص لم يبُح عن تلك الخواطر التي تخالج النفس عن الحقيقة بين الإدراك وعدم الإدراك، حضور الحقيقة وغيابها.. ...
الأمر الذي يكشف عن ضبابية وحيرة فكرية تعيشهما المبدعة...
حتى أن ملامحها التي كانت قد بدأت نحتها بمداد الصوفي لم ترتسم كما أرادت له إحدى تصوراتها التي لم تكن الوحيدة على مستوى الذهن ... وإلا لما وجد (ملامحي تختفي) طريقه إلى النص.... لكنه التيه ، ولعله تيهٌ لٙحٙظيٌّ يعمه مستوى الرؤية مؤقتاً..
دائماً يحضرنا السؤال حينما تغيب المعرفة/ العلم، إذ يحضر التيه وتغيب معالم الهدى ....
(السؤال يبحث عن استرداد الذات من الضياع...
فمن أكون؟!!)
سؤال قلِقٌ مضطربٌ استدعاه النص حينما حارت الكاتبة ، وحينما تكالبت على عالمها النفسي المرهق بفعل الحيرة
(وبرد الشتاﺀ.. والشيخوخة ذلك الغول الذي يفتح شدقيه لالتهام بقاياها ....)
وعندها يذهب بنا المنطق إلى المركز مرتكز الحياة وأسّها وعلامتها، بل وآخر علاماتها على الإطلاق
(نبض القلب)، فإعلان الطبيب توقف القلب عن النبض إعلان عن توقف الحياة..
(وأحمل نبضي على نعش قلبي.....
وأرحل....)
صورة: أحمل نبضي على نعش قلبي صورة شاعرية من الطراز الأول...ولكنها تحمل دلالة سلبية مفادها موت القلب وفقدانه ما به يحيا ويعيش من القيم المعنوية : الحب، الإيمان، سائر المعتقدات الدينية...
وليس هناك ما هو أجمل من تلك الاستعارة التخييلية الموغلة في التخييل إذ جعلت للشيخوخة شدقين ينفتحان فيهمّان بالتهام بقاياها ....
على العموم النص مفعمٌ بشعريّة مكثفة وباذخة....
(غربة)
(غريبة في دنياي
فى أغوار المدى
تعزفني أوتار الصمت
لا صدحت نغمتي،
ولا رتلني الصدى
تنهشني
مخالب السكون
تكبلني وحدتي
يسرقني العدم
يطعمني لضواري السأم
في فيافي غربتي
ملامحي تختفي
تحاصرني أسئلة مريرة !
فمن أكون ؟
على أريكة الأنين
تتساقط بين يدي
أضغاث سنين
أنكرت الذكرى
وأنكرتني هي الأخرى
فمن أكون ؟!
ما عدت أعرفني يا أنا !!
تسحقني سنابك الحيرة
تقتفي أثرا في دمي
أتوسل للذاكرة أن تسترجعني
ترتبني
أتنفس
أقاوم برد الشتاﺀ
وشيخوخة
تفتح شدقيها
لالتهام بقاياي
أحمل نبضي
على نعش قلبي
وأرحل ....
عائشة المحرابي
الشاعرة عائشة المحرابي في سطور :
الشاعرة عائشة المحرابي
حاصلة على بكالوريوس فلسفة من جامعة عدن
صدرت لها أربع مجموعات شعرية :
(سيد المساء )
(وتنفس الأقحوان )
(كيف يروض الحنين؟ )
(عالقة خلف جفون الوطن)
شاركت في عدد من المهرجانات الشعرية والنقدية في تونس ومصر والجزائر ومسقط والأردن.
كما قدمت محاضرات عن الشعر الوطني للشعراء الكبار والشعراء الشباب في تونس مثل : البردوني ، ويحيى الحمادي ، ولطفي جعفر أمان ، وأسامة المحوري ، ومحاضرات عن الأدب النسوي في الجزائر.