آخر تحديث :السبت 08 فبراير 2025 - الساعة:09:48:13
المجلس الوطني لقوى الثورة بصنعاء : لو تم تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق لما وصلت أوضاع البلاد إلى هذا الوضع
()

قدم المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية بصنعاء رؤيته لجذور "القضية الجنوبية" الى فريق عمل ( القضية الجنوبية ) في مؤتمر الحوار .. وفيما يلي نص الرؤية :

مدخل

(1) بداية، ودونما إسهاب في سرد عاطفي لقيمة ومكانة الوحدة اليمنية في نفوس أبناء الشعب اليمني، وبحسب مقتضيات المنطق، فإن المقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة. ونحن نرى أن إعلان الوحدة اليمنية وقيام "الجمهورية اليمنية" في 22 مايو 1990، إنما تم على أنقاض الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وعندما نقول "إنقاض" فإننا نعني ما نقصده تحديداً. ذلك أن الجمهورية الوليدة جاء وهي مثخنة بموروث قاتم ومؤلم من المآسي والمظالم، ومثقلة بإخفقات متوالية لمسار تاريخ اليمنيين في بناء الدولة الحلم، في شمال الوطن وجنوبه على حد سواء، في "الجمهورية العربية اليمنية" و "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية". 

(2) وثانياً، لسنا بحاجة إلى استعراض تاريخ اليمن القديم والحديث، للبحث في "القضية الجنوبية"، لأننا نرى أننا محكومون بمعالجة القضية في إطار التفويض الممنوح لمؤتمر الحوار الوطني، كما جاء في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وقراراي مجلس الأمن 2014 (2011) و2051 (2012).

(3) وأخيراً، فإننا نؤمن بأن "القضية الجنوبية"، بكل أسبابها ومظاهرها وأعراضها والتي سيتم تناولها لدى استعراض "محتوى القضية الجنوبية"، وأن الحراك الجنوبي السلمي، منذ بداياته الأولى في العام 2007، كانا المقدمة الأولى لثورة الشباب السلمية التي اندلعت في فبراير 2011، وأن هذه القضية الجنوبية ستشكل المحور الأساسي لكل تفرعات بناء الدولة اليمنية المدنية العادلة، وفق الدستور المرتقب أن يؤسس لليمن الجديد، ويضع اليمن واليمنيين، لأول مرة في التاريخ على المسار الصحيح لبناء الوطن الذي قدم شهداء الحراك السلمي وشهداء ثورة الشباب السلمية أرواحهم ودمائهم من أجل ضمان المستقبل الآمن للأجيال القادمة.

مقدمات الوحدة ضرورة لازمة لفهم جذور "القضية الجنوبية"

(4) في 30 نوفمبر 1989، وقع رئيس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح مع علي سالم البيض رئيس الشطر الجنوبي "اتفاق لقاء قمة عدن"، لتحقيق "الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً ووصولا إلى تحقيق كامل استقرار وأمن وتطور ونماء الوطن اليمني" من أجل "وضع اللمسات الأخيرة لإعلان قيام دولة الوحدة، وبناء على الاتفاقيات والبيانات الموقع عليها من قيادتي ومسئولي الشطرين، واستمرارا في تهيئة المناخ السلمي والديمقراطي اللازمين لإنجاز الخطوات الوحدوية وصولا لدولة الوحدة"، وتم، حسب ماجاء في الاتفاق، "المصادقة وإقرار مشروع الدستور الدائم لدولة الوحدة، الذي أنجزته اللجنة الدستورية المشتركة بتاريخ 30/12/1981"، "تنفيذاً لما ورد في ثانياً من اتفاقية الكويت، وعلى أن تستكمل الإجراءات المتفق عليها في الاتفاقيات السابقة وعلى وجه الخصوص المواد التاسعةـ والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة من اتفاقية القاهرة." 

(5) إن اتفاق 30 نوفمبر 1989، إنما كان تتويجاً لاتفاقات "وحدوية" سابقة، لم تكن في الأساس إلاّ نتائج لذلك الموروث القاتم والإخفاقات المتوالية لكل من شارك في حكم وإدارة النظامين الشطريين السابقين والسيطرة على الشعب اليمني ومقدراته، في الجمهورية العربية اليمنية منذ 26 سبتمبر 1962، وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ 30 نوفمبر 1967، والموروث القاتم والإخفاقات المتوالية السابقة على الثورة في الشمال قبل 26 سبتمبر 1962 والثورة في الجنوب في 14 أكتوبر 1963، لكل أطراف الحركة السياسية اليمنية دون استثناء. 

(6) وسبق اتفاق 30 نوفمبر 1989 ذلك، إتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، ولقاء الجزائر، ولقاء تعز- الحديدة، ولقاء قعطبة ، وقرار الجلسة الطارئة لمجلس الجامعة العربية في الكويت ثم بيان قمة الكويت، وبيان لقاء صنعاء، واتفاق عدن، واتفاق صنعاء، واتفاق تعز، واتفاق عدن، واتفاق تعز، ثم قمة تعز، واتفاق تسهيل تنقل المواطنين بين الشطرين. 

(7) لقد لعبت الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي دورها في تسليم الشطر الجنوبي من الوطن للجبهة القوميةالتي كان لها الدور الأكبر في حركة النضال والتحرر الوطني

 ، وتسلمت الجبهة حكم الجنوب، بعد أن تخلصت من كل خصومها السياسيين "جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل" و"التنظيم الشعبي الثوري"، بفضل اصطفاف الجيش،كالإتحادي والشرطة المسلحة إلى جانبها.

(8) وفي المحصلة النهائية فإن بريطانيا خرجت  من جنوب اليمن وتم إعلان قيام "جمهوربةالبمن الجنوبية الشعبية" بطريقة تخالف مبدأ حق تقربر المصير، وأختارت التفاوض على أعلان الكيان الجديد في جنييف مع الجيهة القومية وممثلين عن الجيش الاتحادي الذي اختار الانحياز للجبهة ضد جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل في حربهما الأهلية، وممثل عن جيش البادية الحضرمي، بعد إقصاء سلاطين ومشائخ "إتحاد الجنوب العربي"، وسلاطين القعيطي والكثيري والمهري، ولم يكن أقليم الكيان الجديد معروفاً إلى ما قبل أشهر معدودة الاستقلال، حيث لم تكن تلك المحميات، "محميات عدن الشرقية"، جزء من "إتحاد الجنوب العربي" أو "محميات عدن الغربية" ومستعمرة عدن، فضلاً عن اسم الكيان الجديد "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" لم يكن قد تقرر قبل أ من 29 نوفمبر 1967.

(9) وبدأت بدأت مسلسلات الإقصاء والتهميش والمطاردة والإقصاء، ودخل جنوب الوطن دورات العنف منذ الأشهر الأولى للاستقلال، انتهاءاًباحداث 13 يناير 1986 السيئة الصيت الذي ذهب ضحيتها ما زاد عشرة ألف مواطن، وخروج  الرئيس علي ناصر محمد، وجماعت وسيطرة  علي سالم البيض وحيدر العطاس. وأنصارهم 

(10) وكانت الحرب الباردة قد لعبت نفس الدور في نجاح "تنظيم الضباط الأحرار" في الشمال في ثورة 26 سبتمبر 1962، بدعم من مصر عبدالناصر، وهي الثورة التي دخلت في حرب أهلية مع الملكيين، وكان الوجود المصري مهما لإسنادها، وبعد خروجهم في 30 نوفمبر 1967 بالتزامن مع خروج آخر حندي بريطاني، وقد ذهب آلاف اليمنين في الشمال ضحايا لتلك الحرب من الملكيين والجمهوريين، وتمت المصالحة بين الجانبين.  

(11) وباستقرار النظام الجمهوري، بدأت القيادات العسكرية بالصراع من داخلها للهيمنة على السلطة، ، ودخل الشمال دورات عنف متواصلة بدأت بأحداث غسطس1968، وانتهاءاً باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس أحمد الغشمي، وتولي علي عبدالله صالح سدة الرئاسة حتى قيام "الجمهورية اليمنية"، جرى خلال الصراعات هيمنة شمال الشمال على الجيش ومفاصل الحكم.

(12) ومن مفارقات القدر أن نهاية الحرب الباردة كان لها دوراً جوهريا في دفع النظامان في شطري الوطن الهروب إلى نحو الوحدة، حيث أعلن، في نفس الشهر الذي سقط فيها سور برلين العتيد، الذي مثل سقوط الإنظمة الاشتراكية في أوربا، وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي السابق، وانهيار حلف وارسو، أعلن رئيسا الشطرين من عدن أن الدستور الذي أنجز عام 1981 سيتزل  للاستفتاء عليه في نوفمبر 1990.

(13) وفي 22 ‏مايو 1990 ‏تم إعلان قيام "الجمهورية اليمنية"، بدلاً من 26 مايو حسب اتفاق 22 أبريل 1990، بعد أن تمت مصادقة برلماني الشطرين السابقين على تلك الاتفاقية في 21 ‏مايو‌ 1990، وعلى مشروع دستور البلاد بموجب ما تتطلبته المادة 8 ‏من "اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفقرة الانتقالية" المذكور أعلاه.رغم مخالفة ذلك لاتفاق القاهرة وكل الترتيبات المتفق عليها في الاتفاقات كلها بما في ذلك اتفاق ?? نوفمبر ????. وقد اعترف المجتمع ‏الدولي بالكيان الجديد للجمهورية اليمنية دون استثناء.

(14) وهكذا، قامت الجمهورية اليمنية، في ظل حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تولى الحكم في ????، بعد الإطاحة بأول وثاني رئيسين وأغتيال ثالث ورابع رئيسين في الشمال في غضون ?? عاماً، وفي ظل رئاسة علي سالم البيض الذي تولى في ????، بعد الإطاحة بأول رئيس في الجنوب وسجنه حتى وفاته،واغتيال ثاني وثالث رئيسين وهروب رابع رئيس، في غضون ?? عاماً.

البحث عن الجذور

(15) إن البحث عن جذور القضية الجنوبية، التي وصلت تجلياتها في الحراك السلمي الجنوبي، في العام 2007، . يقتضي تقييم تجربة الحكم في شطري الوطن، ووضع النظامين قبل 30 نوفمبر 1989، وارتجال قيادتي الشطرين، كلها دون استثناء، في إعلان الوحدة اليمنية وإعلان قيام "الجمهورية اليمنية" في 22 مايو 1990.

(16) إن أسس وجذور القضية الجنوبية تكمن في إفتقاد النظامين الشطريين السابقين لحلول سياسية وأقتصادية واجتماعية للاخفاقات البنيوية في النظامين الاسبقين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ذلك أنه على الرغم مما يبدو من تباين في المكونات الفكرية والنظرية للنظامين الشطريين السابقين، فإن السمة المشتركة التي اتصفا بها هي أنهما نظامان شموليان ديكتاتوريان، فشلا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومارسا انتهاكات حقوق الإنسان وقمع للحريات الأساسية للمواطن وإهدار للموارد والإمكانيات المتواضعة التي توفرت. وحرمان في الجنوب للجميع والدولة هي المشغل الأول لكل القوة العاملة في كل القطاعات، وفي الشمال كانت الدولة أيضاً هي المشغل للقوة العاملة ، ومارست فساد وإفساد، وفقر وافقار، واسئثار بكل الموارد، وتوزيع عصبوي للمال والمناصب العسكرية والمدنية وتركيزها وإقصاء لأبناء البلاد من المناطق الأخرى، ونهب لأراضي وعقارات الدولة والأوقاف !!!

(17) إن أكبر الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها جميعاً هي أن نعزي "القضية الجنوبية" إلى الوحدة، ذلك أن ما نعيشة هو نتانج موروثات الماضي الذي سبق ??‏مايو . ???، والتي سحبت نفسها على الفترة الانتقالية برمتها التي تلتها، وقادت الى حرب ????، وما تلاها من تطورات سياسية، نقضت في مجملها الأسس التي قامت عليها "الجمهورية اليمنية"، من خلال تعديلات دستورية أجراها الرئيس السابق علي عبدالله صالح مكنته من المزيد من إحكام قبضته على مقدرات البلاد، وأعادت البلاد إلى نمط وأسلوب الحكم في "الجمهورية العربية اليمنية". ولايجوز لأي عاقل أن يصوره على أنه صراع بين "الشماليين" و"الجنوبيين" لأن أبناء الشعب من أي مكان جاءوا هم ضحايا لسياسيات وممارسات الأنظمة والحكام التي فرضتها ظروف التاريخ القاسي والمرير على هذا الشعب.

الجوانب السياسية للوحدة

(18) ‏إن إنجاز الوحدة اليمنية في ?? مايو 1990 ‏جاء تلبية لطموحات الشعب اليمني في إعادة تحقيق وحدة الأرض والإنسان اليمني ونتيجة لنضالات الرعيل الأول من الآباء والأجداد، ولا يحق لأي كان الإدعاء بامتلاك صنع ذلك الحدث التاريخي مهما عظم الدور الذي قام به، لأن ذلك الدور ليس إلاّ عطاء اللحظة التاريخية التي تصادف فيها وجود هذا الفرد. إن التاريخ ملك اليمنيين ومن صنعهم.

(19) وكان أن اتفق النظامان على العمل على دمج كل مكونات السلطتين السابقتين في جهاز الدولة الجديدة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة، وتم ترتيب الفترة الانتقالية بما يخدم استمرار حكم الحكام السابقين ورموزهما وبما يحسن مصالحهما. وتعاطى الوضع الجديد مع الأوضاع الجديدة المتمثلة في الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية والتحولات الاقتصادية وبناء الدولة الحديثة وتفعيل المشاركة الشعبية والكثير من مدخلات المجتمع الليبرالي، تعاطٍ خاطئ بموجب مشروع دستور تمت صياغته في ظروف توفيقية في حدودها الدنيا عام ???? ‏كجزء من صراع النظامين السابقين.

(20) إن تحقيق الوحدة لم يكن ليحدث لولا مباركة دولية، جاءت نتيجة طبيعية للتحولات التي طرأت على الساحة الدولية جراء انتهاء الحرب الباردة. وتزامنت تلك التحولات الديمقراطية والليبرالية في الكثير مناطق العالم، أي التحول إلى الديمقراطية الدستورية والانتقال إلى اقتصاد السوق، بكل أبعاد العمليتين، وهي التحولات التي ترتكز على حقوق الإنسان في كافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وجاءت الوحدة والنظامان مشارفان على الانهيار الاقتصادي كلية، وتؤكد ذلك كافة التقارير الدولية حول الوضع الاقتصادي في الشطرين.

(21) وكان، في نظرنا، أول تعثر أن دستور دولة الوحدة دستور يخدم في مجملة نظام شمولي ذو اقتصاد موجّه، ولم يستوعب التحولات الديمقراطية وأبعادها ومعانيها ومقتضايتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لسبب جوهري هو أنه لم تكن في صلب اهتمام واضعي مشروع الدستور، لأنهم كانوا يتصورون أن دولة الوحدة سيحكمها "تنظيم سياسي موحد"، بموجب ماجاء في اتفاقيات الوحدة (القاهرة وطرابلس والكويت وغيرها) أي أن ما كان في الأذهان هو أن الدولة الموحدة ستكون ذات نظام شمولي يحكمها حزب واحد !!

(22) فقد اتفق النظامان على دمج كل مكونات الطاقة البشرية العاملة في أجهزة النظامين السابقين في جهاز الدولة الجديدة مناصفة، وتم ترتيب الفترة الانتقالية بما يخدم استمرار حكم الحكام السابقين ورموزهما وبما يحسن مصالحهما. وتعاطى الوضع الجديد مع مستلزمات التحول إلى الوضع الجديد المتمثلة في الديمقراطية والتعددية والتنوع السياسي والفكري والتحولات الاقتصادية، وبناء الدولة الحديثة، وتفعيل المشاركة الشعبية والكثير من مستلزمات التحول نحو يمن جديد.

(23) ودخل الحزبان الحاكمان، المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، الفترة الانتقالية وتمديدها، وأمامهما همّان رئيسيان: الأول، ترتيب أوضاعهما بتقاسم للسلطة فيما بينهما وبين من يرتبط بهما من أحزاب وتيارات، وعلى الخصوص التجمع اليمني للاصلاح. والثاني، الترتيب للبقاء في السلطة في الفترة التي ستعقب الانتخابات البرلمانية الحرة. ولم يكترث الحزب الاشتراكي اليمني بقانون الانتخابات المتفق عليه، متجاهلاً أن مخرجاته سوف لن تؤمن له استمرار المناصفة التي دخل بموجبها إلى الوحدة، ركوناُ منه أنه سيتمكن من الإطاحة بالطرف الآخر، باعتبار أن الاشتراكي يحمل مشروعاً حضارياً!! وكان ذلك التعثر الثاني.

(24) والتعثر الثالث، أن النظامين لم يكترثا، قبل الولوج في الوحدة، بوضع تصورات بشأن الحلول التي تستوجبها متغيرات الوحدة من حيث وضع خطط لمعالجة وضع الجيش، الذي لم يدمج من الأساس، بمعنى الكلفة المالية لإعادة هيكلة الجيش والأمن، وكلفة وكيفية برمجة التخلص من العمالة والتوظيف المبالغ فيه، وكل ما يرتبط بالتحول نحو اقتصاد السوق من أطلاق إمكانيات القطاع الخاص في أداء دوره الطبيعي في تحفيز الاقتصاد لاستيعاب آثار الإصلاحات الادارية والمالية والاقتصادية من جهة، ودراسة توقعات آثار الكلفة المالية المرتفعة لدمج جهاز الدولتين على الاسعار ونسب التضخم وسعر الصرف وغيره.

(25) وبضغوط من المؤسسات المالية الدولية والمانحين، وضعت الحكومة الجديدة، التي خلت من أي تركيب تكنوقراطي، وغلب عليها الطابع الحزبي، برنامجا للاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والاداري في اليمن لحل المشاكل الموروثة من الماضي، السابق الإشارة إليها.

(26) وبالرغم من ذلك، تم تأجيل إتخاذ إيه إجراءات حقيقية نحو تحويل الاقتصاد الى اقتصاد السوق في الفترة الانتقالية لكي لاتتفاقم أوضاع المواطنين سواءً، لاسيما في المحافظات الجنوبية، وكي لايخسر الحزبان في الانتخابات. ولم تكن معاناة المواطنين طوال الفترة الانتقالية إلاّ نتيجة حتمية وطبيعية لسوء إدارة الحكومة للسياسات الاقتصادية والنقدية في ظل الاجراءات البسيطة التي قامت بها الحكومة في التوجه نحو اقتصاد السوق. وساعد على تفاقم تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن ممارسات الحكومة في الأنفاق الترفي المبالغ فيه خلال عملية دمج جهاز  الدولتين وموظفيهما السابقين في جهاز واحد.

الظروف الاقتصادية

(27) سبقت الاشارة إلى أنه على الرغم من "اشتراكية" النظام السابق في الجنوب، و"ليبرالية" النظام السابق في الشمال، إلاّ أن القاسم المشترك فيما بينهما هما أنهما نهجا اقتصاديات موجهة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل شطر، مع بعض الحرية الاقتصادية النسبية في الشمال مقارنة بوضع الاقتصاد الشمولي في الجنوب. واعتمدت اقتصاديات الشطرين بشكل أساسي على تحويلات المغتربين، التي ساعدت كثيراً في تحقيق فائض من الاحتياطيات النقد الأجنبي لدى النظامين لاسيما في أثناء الطفرة في أسعار النفط العالمية المرة الأولى عام ???? ‏والثانية عام ????، وعلى المعونات الخارجية الثنائية ومن الصناديق الإنمائية الإقليمية والدولية. وقد استنفدت كافة الفوائض من قبل نظامي الشطرين في توفير مستلزماتهما الأمنية والدفاعية بشكل أساسي، وقد أدى ذلك إلى دخول شطري البلاد في ديون خارجية.

(28) ‏ونظرا لانحسار العون الأجنبي بشكل ملحوظ منذ حرب الخليج، إضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى الاستدانة من الجهاز المصرفي المحلي وبالذات من البنك المركزي اليمني إضافة إلى زيادة الاصدار النقدي لتلبية النفقات الجارية وبالذات أجور الجهاز الوظيفي الحكومي المتضخم ونفقات دمج أجهزة الدولتين السابقتين.

(29) ‏وأدت كل تلك العوامل إلى دخول البلاد في أزمة اقتصادية تمثلت في إنخفاض معدلات النمو الاقتصادي وزيادة البطالة جراء عودة المغتربين اليمنيين نتيجة موقف اليمن من غزو الكويت وارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة الوطنيةخخ نتيجة للعجز في الموازنة العامة والعجز في ميزان المدفوعات بسبب سيادة النمط الاستهلأكي لدى الدولة والمجتمع وضعف البنية الانتاجية الوطنية

(30) وعلى الرغم من كل ذلك، حظيت البدايات الأولى للتجربة الديمقراطية في اليمن بتأييد ودعم دوليين ساعدا اليمن كثيرا في إنجاز أول انتخابات تقوم على التعددية الحزبية في اليمن، وتمت تلك الانتخابات في ?? ‏أبريل ????، وحازت الأحزاب الثلاثة، المؤتمر والإصلاح والاشتراكي، على مايزيد على ثلثي مقاعد مجلس النواب الجديد، غير أن جاءت التركيبة السياسية في البرلمان والحكومة على نحو لم برق للحزب الاشتراكي اليمني، وأدرك أن استمراره في المشاركة في حكم اليمن الواحد على النحو الذي سارت عليه الأمور قبل الانتخابات لابد وأن يضر به كلاعب أساسي في اللعبة السياسية اليمنية لاسيما في ظل استمرار الفساد والعبث بالمال العام، والذي ساد في الفترة الانتقالية، وشعوره بالبدء بفقدان مركز نفوذه السياسي في جنوب اليمن في حال استمرار الأمر. فما كان منه إلأ أن قرر أن يستفيد من موجة غضب الشعب من تفاقم سوء أوضاعة المعيشية والحياتية وتفشي الفساد في كل نواحي المحياة وتقدم بنقاط الإصلاح الثمانية عشرة لإصلاح الاختلالات التي شابت مسيرة الوحدة، في ظل أزمة سياسية  حادة.

(31) وتحولت تلك النقاط لتكون "وثيقة العهد والاتفاق" التي وقع عليها حوار أطراف القوى السياسية في عمّان في 18/1/1994‏، والتي لو تم تنفيذها لما وصلت أوضاع البلاد إلى ما نحن بصدد إصلاحه في الحوار الوطني الذي نعيشه، لأنها كانت تهدف إلى "تفادي تكرار ماحدث حماية للوحدة وتوسيعا للمشاركة الشعبية في صنع القرار وانجازه، وتاسيسا لديمقراطية حقة تبدا من القرية الى قمة الدولة بغية وضع اللبنات المتينة لدولة يمنية قوية.." وعالجت الوثيقة جملة كبيرة من القضايا التي نعالجها اليوم.

(32) وللأسف أن كل الأطراف التي وقعت على تلك الوثيقة، تنصلت منها، واتجهت البلاد نحو حرب طاحنة

بين الجيش الذي كان لايزال جيشين شطريين، وخلال تلك الحرب أعلن الامين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض وبعض القوى السياسية الانفصال واستعادة الدولة السابقة. غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بذلك، وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارين بشأن اليمن، وانتهت الحرب على النحو الذي نعرفه جميعاً.

(33) وعلى الرغم من فشل الانفصال، إلا أن أسلوب تعاطي المنتصرين مع أسباب الحرب وآثارها كان تعاطٍ غير مسئول على الإطلاق، وتمت ممارسات تتناقض مع مدخلات وأسس قيام الوحدة، وتنصل كامل من "وثيقة العهد والاتفاق"، والحلول التي تضمنتها لإعادة تصحيح مسار الوحدة وبناء الدولة المدنية على أسس ديمقراطية وسياسية واقتصادية سليمة 

(34) وأمعن الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حكم البلاد بشكل ديكتاتوري، من خلال تعديلات دستورية للإنفراد بالحكم وتركيز السلطة في كل مفاصل الدولة في أسرته وقبيلته وأعوانه من الموالين، ومن خلال الإمعان إيضاًفي التحلل من كل أسس الوحدة، والتعامل مع إبناء المحافظات الجنوبية، وفق عمليات ممنهجة في الإقصاء والإبعاد من الجيش والأمن والإدارة وكل مكونات الحكم، والتعامل مع المحافظات الجنوبية بالنهب الممنهج وأخذ أشكالاً متعددة من توزيع لأراضي الدولة  ومنح الامتيازات النفطية  ولسنا بحاجة إلى تكرار استعراض تلك الممارسات التي تطرقت لها العديد من الرؤى.

(35) لقد كان المجتمع الدولي متنبهاً لكل تلك الممارسات، وقدم العديد من التوصيات والنصائح للرئيس السابق للإصلاح السياسي لمعالجة أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وفي المقدمة المطالب الحقوقية المشروعة للمسرحين من أبناء المحافظات الجنوبية من كل أجهزة الدولة، والتعامل الجدي مع المطالب التي رفعها الحراك الجنوبي السلمي باعتبارها قضايا تستوجب المعالجة السياسية والاقتصادية الحقيقية اعتماداً على إصلاح سياسي فعلي

.(36) بدأت تلك النصائح تتوالى منذ عام 2004 عبر عدد من مراكز البحث الغربية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المانحة والمنظمات الحقوقية الدولية المتعددة. وفي العام 2006 عبر مؤتمر المانحين الذي قيد المعونات والمنح بالتخلي عن أسلوب الحكم والإدارة القائمة والشروع في إصلاحات سياسية في الأساس، لاحتواء كل السلبيات ومعالجة القضية الجنوبية، إلى جانب الصراع في صعدة. ونصح المجتمع الدولي الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونظامه باعتماد الحوار مع كل الإطراف أساساً للإصلاحات المطلوبة كلها. واستمرت تلك المطالبات في مؤتمرات المانحين في 2007 و 2008 و 2009 ،2010

جذور القضية الجنوبية في الاساس يمكن ان يتم ايجازها في الاتي:

?- لعب الموروث السياسي للحزبين الحاكمين في الشطرين والذي كان مثخناًباالممارسات الشمولية وسياسة الاقصاء للاخر والمتنكر لقيم الديمقراطية ومنظومة الحقوق والحريات دوراً كبيراً في الاخفاق في ادارة دولة الوحدة وترجمتها الى مشروع وطني جامع يلبي طموحات كل اليمنيين 

?-كان لدورات العنف السياسي التي شهدها الشطر الجنوبي منذ عام ???? ومارافقها من صراعات مسلحة ادت الى تشريد مئات الالف وتسريح الكثير من ابناء القوات المسلحة والامن 

وتاميم الممتلكات الاراضي الزراعية وغيرها من الممارسات اثر كبير في اضعاف الشريك الجنوبي في دولة الوحدة ففي ظل غياب اي جهود حقيقة لمصالحة جنوبية -جنوبيةقبل الوحدة ظل الاستجرار لصراعات الماضي هو الحاضر في المشهد السياسي بعد الوحدة  وقد تم توظيف هذه الحالة في تقويض مبداء الشراكة ليس مع الحزب الاشتراكي فحسب ولكن مع ابناء الجنوب كافة

?-لقد كان لتداعيات حرب ?? اثرها البالغ اذ ظن نظام صالح انه تخلص من شريك دولة الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني وانه لم يعد هنالك من حاجة لخلق اي نوع من الشراكة في صناعة القرارمع ابناء الجنوب ،،،،ومالبثت ان

عادت كواليس ادارة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية بطابعها الفردي وشكلها العصبوي وعقليتها الاستحواذية الاستبدادية،،،،،،،التي لم تعد ترى الجنوب الا ارضاً تستباح وثروة تنهب وجيش ينبغي ان يقصى ويسرح ودستور ونصوص ينبغي الخلاص منها الى غير رجعة

 




شارك برأيك