
يعد الضابط "صالح بن صالح محمد الصَّنبحي"، من أحد أهم الضباط الذين لعبوا دوراً أساسياً في التشريفات واستقبال الملوك والأمراء والرؤساء الذين تستضيفهم جمهورية اليمن الديمقراطية في بلاط دولتها، وهو من مواليد 1952/1/1م قرية الدّمنة/محافظة الضَّالع، متزوج وأب لتسعة أولاد أربعة ذكور وخمس إناث أكبرهم أوسان، تلقى تعليمه الأساسي في معلامة قرية الدّمنة، ودخل الخدمة العسكرية في إبريل من العام 1968م، وتخرج من الكليّة العسكرية الدّفعة السَّابعة صلاح الدِّين، ومؤهله الأكاديمي، خريج في دورة قيادة وأركان من مدرسة القادة والأركان، ورتبته الحاليـة، عميـد ركـن (وهو يستحق رتبة لـواء، حسب القانون غير المنصف للضباط الجنوبيين).
الالتحاق بالسِّلك العسكري:
في شهر أبريل من العام 1968م التحق بالقوات المُسلحة في قاعدة العند بالمحافظة الثَّانية لحج، وفي 1969م تم توزيعه في الكتيبة السَّادسة مُشاة في معسكر الجلاء بالعاصمة عـدن، ثُمَّ في عام 1971م انتقل إلى لواء 14 كتيبة 6 سرية 16 في منطقة العبر في حضرموت، وفي 1974م تمَّ تحويله إلى بيحان/شبوة والتحق بمعسكر عسيلان واشترك في معركة البلق بين الشَّمال والجنوب، وفي 1975م أثناء نقل اللواء 14 إلى الضالع كان من ضمن أفراد الكتيبة السَّادسة مُشاة، أما 1976م تمَّ اختياره للعمل في كتيبة أمن الرئاسة في العاصمة عـدن، وفي 1977م صدر قرار بتعيينه مسؤول أمن السِّفارة الجنوبيِّة في أثيوبيا..
في 1978م التحق بالكليّة العسكريَّة صلاح الدِّين دورة ترشيح ضباط "قادة وأركان" لمدة عام وتخرج منها برتبة ضابط، وبعد تخرجه من الكليَّة العسكرية 1979م التحق بقوات الشَّرطة العسكريَّة وتدرج فيها بالعديد من المناصب، وفي1982م التحق بحرس الشَّرف الرّئاسي وتدرج فيه بالعديد من المناصب أهمها مسؤول النَّظام بكتيبة التَّشريفات، وفي 1988م تمّ تعيينه قائدا لكتيبة التشريفات الرئاسية، وفي الأعوام ما بين 82 م و 1988م، كان أبرز ضابط حرس شرف حمل الراية ومن ثُمَّ السِّيف في كتيبة التّشريفات الرّئاسية، وأما العام 1990م فصدر قرار بتعيينه قائدا لكتيبة الشُّرطة العسكريَّة في صنعاء.
أدوار مختلفــة فــي مسيرتــه:
وعشية الاستقلال الوطني في الــ30 من نوفمبر من العام 1967م كان من ضمن طلائع جيش التَّحرير، وتأثر العميد الركن/صالح بن صالح الصَّنبحي، بالشهيد القائد العميد ركن/محمود صالح أحمد البسيسي، الذي شغل منصب قائد الشُّرطة العسكرية في ثمانينيَّات القرن المنصرم وكان يعتبره قدوته العسكرية بالانضباط وتأدية الواجب العسكري والوطني.
كان يرى بالرائد الشاب/هادي أحمد العولقي (قائد الكتيبة الأوّلى صاعقة ومظلات) في اللواء الخامس مظليين في عـدن بأنَّهُ سيكون خليفته نظرا لإجادته الحركة النَّظامية بإتقان منقطع النَّظير، ولكونه كان من كبار معلمي الصَّاعقة والمظلات في لواء نُخبة الجيش الجنوبي.
وفي حرب صيف 1994م كُّلف من قبل وزير الدَّفاع اللواء ركن/ هيثم قاسم طاهر بدور المراسل بين جبهات القتال وربط القيادات الميدانية بغرفة عمليات وزارة الدَّفاع في العاصمة عـدن، وبعد حرب صيف 1994م تمَّ تسريحه من الخدمة العسكرية قسريا.
وعند ظهور حركة التَّحرر الجنوبيِّة "حَتم" في عام 1997م بقيادة القائد الثُّوري/عيدروس الزُبيدي ومن ثُمَّ "المقاومة الجنوبيِّة" كان قريبا من قادتها في مختلف المراحل والمنعطفات النَّضالية.
وفي عام 2007م كان من أبرز مؤسسيِّ "جمعية المتقاعدين العسكريين" في العاصمة عدن، وكان على اتصال بجمعية المتقاعدين في الضالع، والذي تمخض منها الحراك السِّلمي الجنُوبي.
وفي الحرب الأخيرة ضد ميليشيات الحوثي والجيش الموالي لها كان لَّهُ دور بارز في العاصمة عـدن من خلال التَّواصل مع قيادة "المقاومة الجنوبيِّة" في المنصورة وجعولة وبئر فضل والبساتين وبئر أحمد والبُريقة وتنشيط وتحفيز الشَّباب للقتال والصُّمود في جميع الجبهات.
وأخذ الصنبحي دورات عسكرية وأكاديميَّة مختلفة منها: دورة قائد حضيرة، دورة قائد سريــــة، دورة قائد كتيبــة، دورة قيادة وأركـان، دورة حرس شــرف، دورة مدربين.
المناصب القيادية والأوسمــة والميــداليات:
قائد حضيرة، قائد سريـــة، مسؤول النَّظام بكتيبة التَّشريفات الرئاسية، أركان كتيبة الأطقم، قائد كتيبة الأطقم العسكرية، قائد كتيبة التَّشريفات، قائد كتيبة الشُّرطة العسكرية.
وسام جرحى الحرب، وسام الشجاعة، وسام الإخلاص، وسام الواجب الوطنـي، وسام ثورة 14 أكتوبر، وسام الفاتح العظيم من الدرجة الأولـى ــ مـن الجماهيـرية الليبيـة، ميدالية حـرب التحريـر، ميدالية التفوق القتالي، ميدالية الخدمة العسكرية.
ونال عدداً من الشّهادات المُختلفة في الجانب العلمي والواجب الوطني والتَّفوق القتالي والإخلاص العملي، كما شارك في العديد من العروض العسكرية الخارجية كان أهمها في الجماهيريّة العربيَّة الليبية بمناسبة العيد الوطني لثورة الفاتح من سبتمبر ونال من خلالها أعلى وسام من الدرجة الأولى في الدُّولة وهو وسام الفاتح العظيم .
هيبة حرس الشَّرف الجنوبي:
أشرف العميد الركن/ صالح بن صالح الصَّنبحي شخصيا وبشكل مباشر على تدريبات كتيبة حرس الشَّرف الرئاسية الجنوبيِّة وظهورها بالمظهر اللائق من حيثُ الانضباط وتوحيد الخطوات العسكرية المتمثلة بحركة القدمين واليدين وطريقة حمل السِّلاح والاستعراض به ومن حيث ضبط الهندام العسكري وتناسق ألوانه واللياقة البدنية والجانب الصَّحي والتَّمارين الرياضيَّة الصَّباحيّة وحصص التَّثقيف والتُّوعية العسكرية والأخلاقية.
وأشرف بشكل مباشر على كتيبة حرس التَّشريفات من خلال التَّدريبات اليومية والتي تراوح أعمار شبابها المتدربين ما بين 20 إلى 25 سنة .
ونالوا الاهتمام الخاص والاحترام والتَّقدير وكانوا ذو مواصفات قياسية خاصة فيما يتعلق بالطول والبنية الجسمانيِّة.
لمحة عن حرس الشَّرف الجنوبي:
عُرفت طوابير حرس الشَّرف في العصر الحديث كنوع من الحفاوة وحُسن الاستقبال سواءً للرئيس أو الملك أو مسؤولي الدُّولة الوطنيين وكذلك الضُّيوف العرب والأجانب من هُم في مرتبة رئيس وملك.
ومهمة حرس الشَّرف الرئاسي هو مراسيم استقبال رُؤساء وملوك العالم وكذا كبار الضُّيوف المهمين بشكل رسمي وسط عزف النَّشيدين الوطنيين للدُّولة ولدولة الضَّيف.
ومثّل فُوج حرس التَّشريفات الرئاسية أو كتيبة التَّشريفات في العاصمة عـدن آنذاك وحدة عسكرية نادرة بين سلك وحدات القُوات العسكرية المُسلحة، وقد أُنيطت بهذه الكتيبة مهمات متعددة مثل استقبال وتوديع الوفود الرَّسميَّة العربيَّة والأجنبيَّة التي تزور جمهورية اليمن الدِّيمقراطية الشَّعبيّة أو وضع أكاليل الزُّهور عند قبر الجندي المجهول، وعرض رموز الدُّولة في الفعاليات المختلفة.
مسيرة أشهر من حمل السَّيف:
وشغل العميد الرُّكن/صالح بن صالح الصَّنبحي، قيادة كتيبة حرس التَّشريفات الرئاسية أيام عزّ الجيش الجنوبي وهُوَ أشهر ضابط جنوبي حرس شرف ، أشهر سيفه في وجه رُؤساء وملوك العالم آنذاك وسجل اسمه في سُفر التَّاريخ الجنوبي العسكري كأبرز قائد عسكري حمل السِّيف وقدم عُروضاً ولمحات فنيّة وعسكرية نادرة، وتزين اسمه في كُل الميادين والسَّاحات، وتجلت موهبة القائد صالح الصَّنبحي كقائد عسكري يجيد الخطوات النَّظامية وحركة السِّيف في ميادين الاستعراضات بحركات قُلمّا نُشاهدها في هذا الزّمن، وبرز كقائد عسكري وخطيب مفوّها وذا جاذبية وحضور شخصي قوّي، وكاريزما نادرة جعلته يوصف كأحد الشَّخصيات الأكثر تأثيرا وحماسة في الجيش الجنوبي، وهو من القادة العسكريين القلائل الذين تركوا بصماتهم في ميادين وساحات الشَّرف وفي تاريخ القوات المُسلحة الجنوبيِّة ونحت اسمه بأحرفٍ من نُور، وقد شدنّي الشُّوق مرارا للكتابة عن أدواره الوطنية وتسليط الضُّوء على جُزء من حياته في حرس الشَّرف الرئاسي، فقد كان قائدا مِقدَامَا وشجاعا مُهابا وآمرا لحرس الشَّرف الرئاسي وكان مثالا للضابط الجنُوبي الكفو الذي يمتلك شخصيّة ذات كاريزما قوية وثقافة عالية وثبات على قسمه ومبادئه التي آمن بها، رغم المحن والظروف القاهرة التي مرّت عليه فيما بعد.
ومن منّا لا يتذكر هذا الضَّابط الصّنديد عندما كان الجميع يشاهده على البثّ الهوائي لتلفزيون عـدن في ثمانينيَّات القرن العشرين وهو يؤدي السَّلام والتَّحية العسكرية للرّؤساء والملوك كقائد للتشريفات الرئاسية وحرس الشَّرف في ساحة مطار عـدن الدُّولي أثناء استقبال رُؤساء الجنوب سابقا للرُّؤساء والملوك الذين كانوا يزورن عـدن بين الفينة والأُخرى عرباً وأجانب ، وكان كُلُّ من يشاهده يشعر بالفخر والاعتزاز بأنَّ الجنوب لديها كوادر وقيادات مُؤهلة تظهر هيبة الدُّولة وهيبة الجيش العسكرية ومدى انضباطه وتأهيله في مختلف الجوانب ومنها جانب التَّشريفات العسكرية، وكان العميد الركن/صالح بن صالح الصَّنبحي يهز بقدميهِ ساحة الميدان سواءً في مطار عدن أو دار الرئاسة أو مقر التَّشريفات أو أمام النَّصب التذكاري للجندي المجهول وكان بصوته القوي والجهوري يشق الآفاق ويسمع من بهِ صممُ ويلهب حماس الجماهير ويبث فيهم روح الوطنية وهو شاهر سيفه وعند هذا المشهد المُهيب يتوقف القلم بين أمشاط الأصابع ويعود بنا شريط الذَّكريات إلى الوراء لنتذكر ما كان يُروى لنا وما طالعناه من قصص التَّاريخ عن أولئك الأبطال الصَّناديد الذين كانوا يشهرون سيوفهم في المعارك وترتعد منهم فرائص الأعداء كالملك الهُمام سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد وتأبط شرا والشَّنفرى والمقداد بن الأسود الگندي وضرار بن الأزور.
وتلك اللمحات الفنية العسكرية والحركات الاستعراضية التي كان يؤديها القائد/صالح الصَّنبحي نالت استحسان وإعجاب كُلُّ الرّؤساء والملوك العرب والأجانب الذين زاروا الجنوب في تلك الأيام .
وقد أظهر القائد الصَّنبحي مقدرته وإبداعاته الاستعراضية في العديد من المشاهد التي ظهر فيها وهو يقود استعراضات عسكرية احتفالية كبيرة في العديد من الاحتفالات والكرنفالات التي أُقيمت في المناسبات الوطنية أكتوبر ونوفمبر وعيد القوات المسلحة وعروض التَّخرج للدفعات العسكرية من الكليات ومدرسة القادة والأركان.
وكانت تلك الانجازات العسكرية والأداء القوي التي كان يقدمها الصَّنبحي هي ثمار للأدوار النَّضالية في الجيش الشعبي عشية الاستقلال الوطني ومن ثُمَّ الجيش الرَّسمي ونتيجة لما اكتسبه من خبرات ومهارات وصلابة عسكرية من خلال المعارك العسكرية التي شارك فيها والمناورات العسكرية والتدريبات التي برز فيها كواحد من صناديد أبطال القوات المسلحة ولتنقله بين مختلف الوحدات العسكرية والأمنية وخدماته التي قدمها للوطن في الجبال والرِّمال والمدن والأرياف والسُّواحل، فقد أكتسب خبرة ميدانية وقوة، وامتلك من خلال ذلك العزيمة والإصرار ومنحته الثَّقة بالنّفس على تقديم كل ما هو أفضل لديه في خدمة الوطن وإظهار الهيبة العسكرية التي أظهرت قوة ومقدرة وإخلاص وتفاني الجيش الجنوبي في الذُّود عن حياضِ الوطن ومكاسب الشَّعب، وامتلك القائد الصَّنبحي السِّمات العديدة التي أهلته لذلك مثل القامة العسكرية الفارعة والهندام العسكري المتناسق والبنية الجسمانيَّة العسكرية والصوت الجهوري الذي كان يصدح به في ساحات الميادين والكاريزما القوية وحزمه وشخصيته العسكرية النّظامية التي مكنته من إبراز واستعراض مواهبه وقدراته الفنية والعسكرية.
وكانت تظهر جليا أثر هيبته كقائد لحرس الشَّرف أثناء استقبال الرؤساء والملوك عندما ترافق تلك الحركات الموسيقى العسكرية التي كانت تؤديها الفرقة النَّحاسيّة للقوات المسلحة.
وعُرف عن الصَّنبحي لباسه العسكري المهندم الذي كان في قمة الرّوعة وكذا انضباطه العسكري، وهذا ما ظهر به أمام الجميع كأشهر ضابط عسكري حمل سيفه في وجه رُؤساء وملوك العالم أيام عزّ الجيش الجنوبي.
وإزاء ذلكـ حرص القائد/صالح الصَّنبحي على رفع مستوى الأداء في مجال استقبال الضّيوف في طابور حرس الشَّرف وكان يسعى دائما إلى الأداء القوي والمنظم المتزامن مع المُوسيقى العسكرية التَّابعة للفرقة النَّحاسية الجنوبيِّة الذي يظهر جمال حرس الشَّرف أمام الضُّيوف .
وبعد حرب صيف 94م تم تسريحه من ضمن القيادات الجنوبيِّة المسرحة قسريا من القوات المسلحة على الرغم من خبرته وقدراته العسكرية والتي كان من الممكن أن تستفيد منها القوات المسلحة جنوداً وضباطاً وكان بمقدوره أن يقدم خلاصة سنوات قضاها في الخدمة العسكرية في تعليم وتدريب الأجيال الملتحقة بالقوات المسلحة في السَّنوات القليلة الماضيّة، ولكن وبدلا من ذلك تمَّ تسريحه والتَّنكر لخدماته وتضحياتها مع الوطن في القوات المسلحة ودون أيّ اعتبار لمؤهلاته ومعارفه العسكرية التي تشبع بها طوال سنوات خدمته.
مع الأمل أن تأخذ القيادات الجنوبيِّة في الوقت الحالي بعين الاعتبار تاريخ ودور وقدرات هذا الرجل والعمل على الاستفادة منها لبناء قوات مسلحة جنوبيِّة على الطَّراز الحديث مع الاهتمام والرّعاية والتَّكريم لهذا البطل المغوار نظير ما قدمه للجيش والوطن خلال عقود زمنية خلت.

