
تمرُّ البلد بفترةٍ عصيبة للغاية، لم تشهدها من قبل، طيلة مراحل عصورها السابقة، من ناحية الضغط النفسي الرهيب الذي طال كل فئات المجتمع، هذا غير الرعب المباشر الذي أحدثته تلك المناظر التي شاهدتها ولمستها عن قرب تلك الفئات في الحرب الأخيرة، ومن تلك الفئات كانت هنالك فئة خاصة استحكمتها مشاعر وتهيئات وتصورات ذهنية حسب عقليتها البسيطة جداً، وتلك الفئة هي فئة "الأطفال"، الذين يحتاجون إلى علاج ودعم نفسي، خاصة أنهم في مقدمة المتضرِّرين من هذه الأحداث وما يجري على الأرض من حالة الاحتراب، إلى جانب القصف المستمر من قبلهم باعتبارهم الفئة الاجتماعية الأضعف والأكثر عرضة للانتهاكات بحيث تظل فئة الأطفال هي الفئة الأكثر تأثراً بأجواء الحرب ومشاهدها المأساوية وصورها الدامية التي يكون لها آثار نفسية كبيرة في حاضر الأطفال ومستقبلهم فكيف يمكن الحد من هذه الآثار ومخاطرها على الأطفال؟
"الأمناء" أجرت لقاءً خاصاً بالدكتورة "عبير يحي الصنعاني" رئيسة قسم الخدمة النفسية والاجتماعية بمجمع (48) الطبي النموذجي، فكانت لها هذه الحصيلة:
طريقة دعم الأطفال من آثار الحرب
حيث عبّرت الدكتورة عبير في بداية لقائنا عن الطريقة التي يتم بها دعم الأطفال في مرحلة الحروب أو بعدها وكيفية التعامل مع المصابين من الأطفال في هذه الحرب الظالمة التي تعرضوا لها دون أن يعرفوا أسبابها، وكذا من تضرّرت منازلهم أو مات أحد أفراد أسرتهم كالأب أو الأم أو الأسرة بكاملها كما يحدث الآن نتيجة القصف العشوائي من قبل مليشيات الحوثي وصالح، فهؤلاء لا بد من تأهيلهم نفسيا أو سيشكلون خطراً قادماً على مجتمعهم، لأن العنف سيبقى محبوسا بداخلهم، وكذلك الأطفال الذين ينقصهم الدعم والمساندة الاجتماعية، والذين يتعذر عمل برامج علاجية لهم وأيضاً مع الأفراد الذين يعيشون حالة التكيف الجسمي والاجتماعي والمصابين بأمراض مزمنة، وكذلك المعرضين لضغوط نفسية شديدة وفي حالة الأزمات ومع بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق ومع جميع أنواع الاضطرابات الشخصية.
اتخاذ القرارات الصحيحة
وحول الدعم النفسي والتحفيز الذي يتطلبه الطفل تقول بأنه يجب رفع مستوى الدعم لمساعدة الطفل أو الفرد بحيث يعود إلى التوازن في حياته الطبيعية، والتي كان عليها قبل المرض وهو كل ما يعتمد على الطمأنينة والتوعية له وتدعيم روحه المعنوية، وذلك للتخفيف من الآثار النفسية المصاحبة للطفل في مرحلة من حياته يكون قد تأثر فيها بسبب الحرب أو أي مسببات أخرى قد أدخلته إلى حالة أخرى غير الحالة الصحية الطبيعية التي كان عليها مسبقا وأهداف الدعم النفسي للطفل تكمن في مساعدته على التغلب على كل أنواع المشاكل التي يواجهها في حياته اليومية ومساعدته على اتخاذ القرارات الصحيحة ومن ضمنها اللجوء للعلاج والتقليل من الصراع والتعرف على نقاط القوة والضعف لديه ومساعدته على التعرف على موارد الدعم الأخرى مثل الأسرة والأصدقاء والتكيف مع الوضع الحالي الذي يعيشه هذا الطفل وتحسين سلوكه، والتقليل من الأفكار الخاطئة، ورفع الروح المعنوية له، والتخفيف أيضاً من الضغوط النفسية لديه.
عرض الطفل لأخصائي نفسي
وبشأن علاج هؤلاء الأطفال تقول إنه يمكن علاج المتضررين منهم بسبب هذه الاعتداءات في الحروب وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية باتباع العلاج السلوكي الذي يخرجهم من الاضطرابات النفسية، التي يصابون منها جراء الحروب والأزمات والكوارث، التي تكون قد سببت لهم الحزن والاكتئاب والصدمات النفسية وإضرابات النوم والتبول الإرادي مما يعيق تواصلهم الاجتماعي مع أسرهم ومع الآخرين من حولهم وللحروب العديد من الآثار على الطفل ينبغي معرفتها قبل علاجه والتي قد تسبب له إضرابات نفسية شديدة من حيث تدني مستوى ذكائه وعدم التركيز ووجود أفكار مشوشة ويجب على الأسرة إذا لاحظت هذه التغيرات على طفلها أن تعرضه لأخصائي نفسي لإخراجه من الدائرة النفسية التي ستسببها له مخالب الحروب والكوارث.
ومن هذه العلاجات علاج سلوكي لإخراج الطفل من دائرة مرضه وإعادة ثقته بنفسه وعمل الدعم النفسي له وأخذه إلى المساحات الصديقة والألعاب التي تقام بين الفترة والأخرى في الحدائق فهي تمثل دعماً نفسياً كبيراً له فتكيفهم مع البيئة وعمل جولة من الترفيه يذكره بما كان عليه مسبقا قبل الحرب وإشراك مجموعة من الأطفال معه أثناء اللعب، وذلك لتحفيزهم للمشاركة وإخراجهم من الضغوط النفسية التي يعانون منها ويكبتها الطفل فالأطفال هم البذور من الأرض إن صلحت وأزهرت باتت الحياة جميلة ورائعة مليئة بالسعادة والفرح وإن تم إهمالها باتت بذوراً وأتربة تأخذها الرياح ولا تعرف مستقراً لها فابتسامة العالم تكمن في ابتسامة طفل.
خطوات يتم إجراؤها عند العلاج النفسي للأطفال
وعن أبرز الخطوات التي يتم أجراؤها عند العلاج النفسي للأطفال المتضررين من الحرب أشارت الدكتورة عبير بأنه يجب معالجة كل طفل مريض على حدة من حيث نوعية مرضه وحالته فمنهم من يحتاج إلى علاج طويل ومنهم من يتم معالجته خلال جلسات قليلة ويتم معالجة الطفل أو المريض بعدة خطوات تبدأ من خلال طمأنة الطفل وإزالة شكوكه التي تساوره وسؤاله عن الشعور الذي ينتابه ثم من خلال التفسير، وذلك بالتركيز على الفعلية التي تواجهه يوما بيوم وتفسير الحدث بصورة واضحة ومفهومة للأطفال كل على حسب مستواه العمري والتعليمي وشرح مبسط ومفهوم للأحداث والحروب والأزمات حتى يستوعب ما يجري حوله وهذا يكون بمساعدة من قبل كل المحيطين بالطفل بداية من الأسرة الأب أو الأم ومن قبل المدرسة والمعلم, ثم تأتي مرحلة توجيه الطفل وتعليمه بحيث يقوم الأخصائي بتعليمه كيفية الاستفادة من حالته كمشكلة معينة وفي مواقف أخرى متشابهة من خلال التجربة السابقة التي حدثت له بحيث يستطيع حل مشكلاته والمساعدة في حل مشكلات الآخرين وبعدها ينتقل المريض إلى مرحلة الإيحاء وتقديم إطراء ومدح له من خلال تصرف جيد قام به ثم التشجيع ويشمل على إعطاءه مكافأة مادية أو معنوية للعمل الجيد الذي قام به الفرد والتنفيس عن النفس وفتح المجال للطفل للتعبير عن مشاكله وعواطفه ثم نصل بالطفل إلى مرحلة التعاطف وتشمل تقبله والتعاطف معه في جميع مشاكله التي يعاني منها والصعوبات التي يواجهها وتمثل في ملامح الوجه لكي يشعر الطفل انك تسانده في مشكلاته وان الاستخفاف منها يعيق الفرد في حياته ثم يتم أخيراً تنمية مهارات الطفل وتحسين مهاراته واكتشاف نقاط القوة والإيجابية والمحاولة على اكتشافها وتنميتها بصورة إيجابية.