آخر تحديث :الجمعة 24 مايو 2024 - الساعة:23:54:19
زياد وأحمد .. جمعهما هدف (الحارة) وفرقهما هدف (رأس عباس)(تقرير وصور)
(تقرير / دفاع صالح )

في تلك الحواري البسيطة ارتفعت أصواتهم : هدف .. هدف ، حين كانت كرة القدم تتدحرج بالقرب من المرمى .. ( المرمى والهدف ) بمعناهما البسيط صارا عند ( زياد ) قتل أرواح شاركها ذات يوم كرسي الدراسة وساعات اللعب في الأزقة وتقاسم معها ثمن ( الأيسكريم ) في عطش الصيف.. وحين اشتد ساعده وتقوقعت أفكاره ، نسي (الحارة) والصحبة وكرة القدم ، وأشبع جسده المثقل بذخيرة الموت ليقتل ( أحمد ) ورفاقه وهم يلملمون أحلامهم في معسكر (رأس عباس) وينشدون واقعا أفضل ..

فاجعة منتصف فبراير

كانت أم الشهيد أحمد غالب - أحد ضحايا مجزرة معسكر رأس عباس- على موعد مع فاجعة جديدة تستدعي جرعات صبر إضافية ، فما زالت تعيش وقائع فاجعتها بموت ابنتها التي أصيبت بـ(حمى الضنك) ، وتعيش وجع انتظار عودة ولدها المصاب من أحد مستشفيات الأردن ..

الأم المكلومة كانت تُمني نفسها بوعود ولدها الشهيد .. " كان يقول لي خلاص يا أمي قريبا سأحقق لك رغبتك بزيارة بيت الله " .

لكن تلك الوعود لم تصمد أمام موعد الانتحاري (زياد) في منتصف فبراير ، فقد تناثرت الأجساد وتطايرت الأشلاء في معسكر رأس عباس الذي تم تجهيزه من قبل القوات المسلحة الإماراتية وشهد العديد من دورات التأهيل لأفراد المقاومة .. دفعة تلو أخرى تخرجت من المعسكر ، كإنجاز يضاف لشباب الجنوب الذين حين سمعوا نداء الواجب تركوا أهاليهم ومنازلهم ورابطوا في جبهات القتال .. لكن ذلك لم يرق لأعداء الدين والإنسانية والضمير الحي.

أم ( زياد ) ووجع الباب

المصادر الطبية والأمنية حينها أعلنت عن استشهاد (13) جنديا وإصابة أكثر من (15) آخرين ، كانت إصابات بعضهم خطيرة .. ظلت جثة الانتحاري بجانب جثث الضحايا في ثلاجة واحدة ( ثلاجة مستشفى المصافي ) .. لا فرق بين ثلاجة كان فيها وثلاجة وصل إليها جثة هامدة .. ففي حياته تثلجت كل النعم التي أودعها الله في النفس البشرية وميزها عما حولها ، لكن تلك النفس آثرت الحرمان على النعمة فأودعت نفسها في سرداب ليس له باب ..

باب السرداب ليس الباب الذي تعنيه أم ( زياد ) في قولها : " لو كنت أعلم أنه سيذهب إلى جهنم ما كنت فتحت له الباب " .

هي تعني باب المنزل .. فقد تحدثت بذلك أمام نسوة قدمن لأداء واجب العزاء .. وما زال للباب شكوى أخرى في مأساة الأم الموجوعة " سأغلق الباب لا أريد عزاء من أحد ، ذلك العدواني ليس ابني إنه من أبناء إبليس " أدارت للباب ظهرها ومضت ، نسيت من فاجعتها أنها قالت لن تتركه مفتوحا ..

استنفار القلوب الغضة

تقول د/ هالة عبد الله – اختصاصية اجتماعية : " شباب في عمر الزهور يتم التغرير بهم واستقطابهم عبر العديد من الوسائل التي جعلت من الدين عباءة لاستنفار تلك العقول والقلوب الغضة لتنساق وراء تلك الدعوات الجهادية الكاذبة، والتي صوبت بنادقها ومفخخاتها نحو قتل الأبرياء بدعوى الانتقام تارة، وتحت دعوى تصفية الحسابات مع خصوم المذهب والعقيدة تارة أخرى، بينما هي في الواقع تتحرك في هذا الاتجاه تقودها أطراف سياسية خارجية ليس لها أي علاقة بالدين أو المذهب لا من قريب ولا من بعيد، سوى أن الدين في تلك اللعبة السياسية كان مطية للقتل والتخريب وتمزيق تلك البلاد وإضعافها وحشد الجماعات والتنظيمات التي تم بناؤها وتكوينها من أجل تنفيذ تلك المهمة والأهداف القذرة " .

منحدر وهاوية

بكثير من الأسى يتحدث سالم المرفدي – ضابط متقاعد، قائلا : "  شباب مغرر بهم طاقتهم تبذل في ساحات الصراع والتناحر بين التنظيمات والجماعات المسلحة ويذهبون ضحية لتلك المحارق الجائرة على أفرادها وخصومها "

ويتساءل : من ينقذ شبابنا من هذا المنحدر الذي يقودهم للهاوية ؟!

وتُحمّل المحامية أنمار منصور المجتمع بأكمله ذنب ما يحدث للشباب المغرر بهم ، وتقول : " الكل يتحمل الذنب والكل يجب أن يقوم بدوره ، الأسرة والمدرسة والجيران وسكان الحي والجامعة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمساجد والدولة بكل أجهزتها "

من المسئول ؟

حراسة معسكر رأس عباس غادرت المكان لأن أفراد الحراسة لم يستلموا (رواتبهم ) حسب مصدر مسئول، متى إذاً يستلم المدافعون عنا مستحقاتهم دون أن يُهانوا بالمماطلة والتسويف ؟!

متى يتم استيعاب وضعهم المعيشي وتضحياتهم وإيثارهم ؟! ومن المسئول عن حمايتهم ، لماذا يتركون في العراء ؟!

هل يتم تدارك كل ذلك للتقليل من حجم الكوارث !

تساؤلات لا تبحث عن إجابة بل تبحث عن حل ..

ذاتٌ رخيصة

ربما من أسباب التدمير الذهني الحاصل لشبابنا هو انخفاض تقدير الذات لديهم ، فكلما انخفض تقدير الذات لدى الشاب كلما انزلق في أعمال غلو وتطرف ومحاولة لإظهار الذات بأي وسيلة .. لكن مع ذلك لا معنى للذات حين تصبح لدى من استقطبوه بوسائلهم مجرد جزءا من ذخيرة رخيصة غير مأسوف عليها ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

 



شارك برأيك