من قلب أبٍ مكلوم إلى روح شهيد خالد
من ردفان إلى الساحل الغربي: سيرة مقاتل لا يموت
عرمان القطيبي.. شهيد الوطن الذي سبق عمره
حلت علينا في الرابع والعشرين من ديسمبر 2025م الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد الفدائي المقاوم، البطل الشهيد عرمان محمد منصر محمد المسعودي القطيبي، ذكرى موجعة تتجدد فيها الأحزان، وتفيض معها العبرات، وتستيقظ في القلوب سيرة رجلٍ سبق عمره، وارتقى بروحه إلى مصاف الخالدين.
وفي هذه السطور، لا نرثي فقيدنا فحسب، بل نستحضر سيرة حياة قصيرة في زمنها، عظيمة في معناها، حافلة بالتضحية والفداء. فقد كان الشهيد، رغم حداثة سنه، عاشقًا للشهادة منذ نعومة أظفاره، وكأن روح الفداء سكنت فيه وهو في مهده، وتلك سنّة الرجال الأحرار.
وُلد الشهيد عرمان يوم الجمعة الموافق 17/5/1999م، في مديرية ردفان – حيد ردفان – أرض الأسود الضارية وموطن ذئاب ردفان الحمر. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة العقلة، ثم التعليم الأساسي في مدرسة الشهيد الفدائي نصر بن سيف مهتم المسعودي، وواصل تعليمه الثانوي في ثانوية الصمود بمنطقة الملاح.
ابتُلي الشهيد باليُتم مبكرًا، إذ فقد والدته وهو لم يتجاوز أربعة أشهر، فرحم الله أمه وجدته التي تولّت تربيته، فكانت له أمًا حنونًا ومربية فاضلة، غرست فيه القيم والمبادئ، حتى بلغ الرابعة عشرة من عمره.
وفي عام 2015م، حين بلغ السادسة عشرة، اجتاحت مليشيات الحوثي أرض الجنوب الطاهرة. وفي الوقت الذي كان يفترض أن يعيش طفولته كغيره من أطفال العالم، حمل عرمان بندقيته الثقيلة على كتفٍ غضّ، واتجه إلى جبهة بلة مدافعًا عن الدين والوطن، مقاتلًا ضمن مجموعة والده العقيد محمد منصر محمد، وتحت قيادة الشهيد القائد اللواء ثابت مثنى جواس.
وبعد دحر المليشيات من عدن والمناطق المجاورة، التحق بدورة تدريبية لمدة أربعين يومًا في معهد الشهيد القائد ثابت مثنى جواس بردفان، ثم سارع للحاق بوالده إلى جبهة عسيلان بمحافظة شبوة، لمواصلة معركة التحرير.
ومن عسيلان انتقل الشهيد إلى جبهة الساحل الغربي ضمن لواء 22 مشاة، حيث خاض معارك شرسة، وأثبت فيها شجاعة نادرة وبسالة منقطعة النظير. عاش مرفوع الرأس، صلب الإرادة، عالي الهمة، حتى ارتقى شهيدًا مدافعًا عن وطنٍ أحبّه وضحّى من أجله، شأنه شأن آلاف الشهداء الذين قدّموا أرواحهم لكسر شوكة الفئة الضالة التي أفسدت في الأرض.
كان الشهيد، رحمه الله، رافضًا للظلم، مشبعًا بعقيدة قتالية راسخة، آمن بها وعاش لأجلها، وكان يردد :"لا بد من كسر شوكة الحوثيين في عقر دارهم، حتى لا تقوم لهم قائمة ولا يفكروا في غزو أرضنا مرة أخرى".. وهي عقيدة الرجال الأحرار الذين وهبوا أرواحهم لله وللوطن.
واصل جهاده في الساحل الغربي حتى نال شرف الشهادة يوم الجمعة الموافق 24/12/2021م.
أربع سنوات مضت يا ولدي، ولم يغب وجع الفراق، أربع سنوات لم نرَ فيها نور وجهك الذي كان يضيء حياتنا، ولم نسمع صوتك العذب ولا كلماتك الصادقة. باستشهادك فقدنا الأنس والجليس، وخسرنا حبيبًا لا يعوّضه الزمن. غير أن عزاءنا أنك ارتقيت شهيدًا مقبلًا غير مدبر، مدافعًا عن الدين والعقيدة والوطن.
اللهم تقبله في الشهداء، ونوّر قبره كما نوّر حياتنا، وأسعد روحه بجنتك كما أسعد قلوبنا بوجوده، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
وفي هذه الذكرى الأليمة، أبكيك يا فلذة كبدي، ولا أصدق أنك رحلت بلا عودة، لكني أراك كل يوم فارسًا مغوارًا، ترجل قليلًا ليعود إلى ساحات النزال. كنت أمنيتي وحلمي وأملي، فكيف بحال من فقد أمانيه، وكيف بحال من تلاشى حلمه، وكيف بمن انطفأ أمله في هذه الحياة.
وتتجدد أحزاننا هذا العام بذكرى استشهاد ابن أخي، البطل الشهيد *بكيل أحمد منصر محمد*، الذي ارتقى في جبهة كرش بتاريخ 29/11/2023م. فبفقده تعمقت جراحنا، لكن عزاءنا أن أبناءنا استشهدوا وهم يدافعون عن دينهم وأرضهم، مقبلين غير مدبرين، كما عهدنا رجال ردفان عبر التاريخ.
وأخيرًا، مهما كتبنا عن الشهيدين عرمان وبكيل، فلن نوفيهما حقهما، ولن تحصي الكلمات بطولاتهما ومآثرهما. خسرناكما، وخسارتكما فادحة لا يعوضها الزمن مهما جاد. نسأل الله أن يرحمكما، ويغفر لكما، ويسكنكما الفردوس الأعلى من الجنة..إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.









