
بقلم: عبدالكريم أحمد سعيد
في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي يشهدها الجنوب، تبرز وحدة الصف الوطني كعامل حاسم في صياغة المستقبل وضمان القدرة على مواجهة التحديات المتسارعة. فالاستقرار السياسي والاقتصادي لا يبنى على قرارات آنية، بل هو ثمرة توافق وطني ورؤية مشتركة تُترجم على أرض الواقع عبر سياسات واضحة وإدارة رشيدة. ومن هنا، تتأكد أهمية مناقشة الدور المحوري لوحدة الصف الجنوبي، ليس فقط كقيمة معنوية، بل كأداة استراتيجية لضمان نجاح المشروع الوطني وتحقيق أهدافه.
يمر الجنوب في هذه المرحلة بمفترق طرق دقيق وحاسم، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية مع السياسية والاجتماعية في بيئة إقليمية ودولية متغيرة، وسط محاولات مستمرة للنيل من تماسكه ووحدة قواه الوطنية. وفي ظل هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى ترسيخ وحدة الصف باعتبارها حجر الزاوية لأي مشروع وطني ناجح، وعلى رأسه مشروع استعادة الدولة الجنوبية وبناء مؤسساتها على أسس متينة.
لقد عاش شعب الجنوب خلال الأعوام الماضية ظروفاً بالغة القسوة، شملت ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الخدمات، إلى جانب ضغوط أمنية ومعيشية متواصلة، نتيجة سياسات ممنهجة لإضعاف قدرته على الصمود منذ عام 2015م. ومع ذلك، ظل هذا الشعب محافظاً على إرادته السياسية ومتمسكاً بحقوقه، ما يؤكد أن رأس المال الحقيقي لأي عملية سياسية أو اقتصادية هو الثقة الشعبية، وهي لا تستعاد إلا من خلال الأداء المسؤول والعمل المشترك بعيداً عن التجاذبات والمناكفات.
وفي هذا الإطار، تأتي مبادرة القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي لضبط سعر العملة ومكافحة الفساد، التي نفذتها الحكومة والبنك المركزي والجهات المعنية الأخرى، كخطوة نوعية تعكس إدراكاً متزايداً لأهمية ربط الاستقرار الاقتصادي بالقرار السياسي. فقد أظهرت هذه التجربة أن توحيد الإرادة السياسية مع الإدارة المؤسسية يشكل أداة فعّالة لوقف التدهور الاقتصادي، ويبعث برسالة داخلية وخارجية مفادها أن الجنوب يمتلك القدرة على حماية مصالحه بوجود قيادة موحدة وقرارات مسؤولة ومنضبطة تعكس الإرادة الشعبية الجنوبية.
وعليه، فإن الاستقرار الاقتصادي في هذا السياق لا ينفصل عن المشروع الوطني الجنوبي، بل يمثل أحد أعمدته الجوهرية. فحماية قيمة العملة وضبط الأسواق ليست إجراءات فنية فحسب، بل هي ركيزة للأمن القومي الجنوبي. وهنا تبرز أهمية أن تتكامل هذه الجهود مع سياسات فعّالة لضبط الأسعار ومحاسبة المخالفين، بما يضمن انعكاس هذه الإجراءات بصورة مباشرة على حياة المواطنين ويعزز ثقتهم في مؤسساتهم. إذ إن نجاح أي مشروع لبناء الدولة مرهون بقدرته على تحسين واقع الناس المعيشي، وليس بمجرد تحقيق الاستقرار في المؤشرات الاقتصادية.
إن وحدة الصف الجنوبي، في ظل هذه المعطيات، ليست شعاراً سياسياً للاستهلاك، بل ضرورة استراتيجية تحدد مسار المستقبل. فالانقسام يبدد الجهود ويطيل أمد الأزمات، بينما التكاتف والشراكة الوطنية تفتح الطريق أمام تحقيق الأهداف الكبرى. ومن هنا، فإن اللحظة الراهنة تضع أمام القيادة والشعب على حد سواء مسؤولية العمل بروح الفريق الواحد، وتغليب المصلحة العليا للوطن فوق كل الاعتبارات، بما يضمن تحويل المشروع الجنوبي من رؤية سياسية إلى واقع مؤسسي راسخ ومستدام، يحقق تطلعات شعب الجنوب في استعادة دولته وحريته وكرامته على كامل ترابه الوطني.