
في خضم الضجيج الاعلامي حول هجمات مليشيا الحوثي على اسرائيل، تحت ذريعة "دعم فلسطين"، تختطف القضية الفلسطينية لتصبح ستارا لاخفاء فساد داخلي طال كل مفاصل الحياة في اليمن، فبينما تطلق المليشيا صواريخها نحو البحر الاحمر، تتسع رقعة المعاناة اليمنية: موظفون لم يتقاضوا رواتبهم منذ سنوات، اطفال يجندون في حروب عبثية، واقتصاد منهار تحت وطأة السرقة المنظمة من قبل اللصوص السلاليين الذين يصفون انفسهم بانهم من "آل البيت"، هذه ليست مقاومة للاحتلال، بل لعبة قذرة لتحويل الانظار عن جريمة نهش موارد الشعب اليمني.
ومنذ انقلابها على السلطة في 2014، حولت المليشيا اليمن الى ساحة لصراعات اقليمية، مستخدمة شعارات طائفية وسياسية لاخفاء فشلها الذريع في الادارة، فبعد ان ربطت الازمات الداخلية بـ"العدوان السعودي"، ها هي اليوم تضيف عدوا جديدا الى سرديتها: اسرائيل، لكن البيانات الحمراء تكشف تناقضا صارخا، فبينما تنفق المليشيا الملايين على تسليح ميليشياتها، يعيش 80% من اليمنيين تحت خط الفقر، وتتفشى الاوبئة بسبب تدمير القطاع الصحي والخدمي.
الفساد هنا ليس شبَحا، بل نظاما ممنهجا، فوفق تقارير دولية، حول قادة الحوثي مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز الى حساباتهم الشخصية، بينما تسرق رواتب الموظفين علنا، وفي صنعاء، تدار شبكة من الشركات الوهمية لاحتكار واردات الغذاء والدواء، وبيعها باسعار خيالية، بينما تلقي المليشيا باللوم على "الحصار"، محملة "العدو الخارجي" مسؤولية الازمة.
لا تنفك المليشيا عن توظيف الالة الاعلامية لتضخيم هجماتها على اسرائيل، كانها تعلن "انتصارات" وهمية، بينما تغرق اليمن في الظلام، فالهجمات على السفن التجارية، التي تقدم كـ"ضربات للمحتل"، لم تحرر فلسطينيا واحدا، لكنها رفعت اسعار التأمين البحري، وعمقت عزلة اليمن اقتصاديا، وفي المقابل، يمنع الاعلام المستقل من كشف انتهاكات المليشيا، بينما تحول قنواتها الرسمية الى منابر للخطاب العاطفي، الذي يستثمر معاناة الفلسطينيين لتبرير الجرائم المحلية.
الغريب ان بعض الاصوات العربية تصدق هذه السردية، متناسية ان من يسرق لقمة شعبه لا يمكن ان يكون "منقذا" لامة، فبينما يجبر الاف اليمنيين على اكل اوراق الاشجار، تعلن المليشيا تبرعات رمزية لـ"اغاثة غزة"، في مشهد يسخر من عقول الناس، الحقيقة التي يخفيها قادة الحوثي هي انهم حولوا اليمن الى رهينة في الصراع الايراني، ودمروا مستقبل جيل كامل لاجل بقائهم في السلطة.
ومن خلال هذا الواقع المزري، يغوص الشعب اليمني في بحر أكاذيب المليشيا المصممة لصرف أنظاره عن نهب حقوقه، حيث تروج شعارات "المقاومة" بينما تُسرق أرزاق الناس، ويحول الفقر إلى سياسة دولة، والقمع إلى أداة "شرعية" لسلطة ترفع راية "الجهاد" لفرض وهم "الانتصارات"، بينما هي تستفرد بالشعب وتنهب ثرواته، يحتاج الوعي الجمعي إلى ثورة تكسر هذا الكابوس، فشعب يحاصر بالجوع والمرض لا يفترض أن تلهيه معارك وهمية عن استعادة وطنه من عصابات حولت الدولة إلى مزرعة سلالية، "الحوثي"، "شرف الدين"، "المتوكل"، "المؤيد"... أسر خصخصت كل شيء: النفط، التعليم، القضاء، الكهرباء، الضرائب، حتى الهواء لم يسلم من نهبهم.
اليوم، يحتاج اليمنيون الى وعي يكسر قيود الخداع، فمحاربة اسرائيل لن تطعم جائعا، او تعيد طفلا مجندا الى مدرسته، او تصلح مستشفى مدمرا، وما ادعاء محاربة اسرائيل الا درعا وهميا تحتمي خلفه مليشيا الحوثي من غضب الشعب اليمني الذي يدفع ثمن لعبة مصالح ايرانية، ان انقاذ اليمن يبدأ بكشف هذه الالاعيب، واستعادة السلطة من عصابات الفساد التي تبيع احلام الشعب باوهام "النصر القادم"، فالقضية الفلسطينية قضية عادلة، لكن استغلالها كذريعة لاضطهاد الشعب جريمة لا تغتفر، فالشعب الذي يحارب ظلامه الداخلي اولى بالدعم من شعارات تطلق في الفراغ.