آخر تحديث :الخميس 27 فبراير 2025 - الساعة:01:16:27
قراءة في نتائج التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا:
(الأمناء / متابعات)

 

تحول في الموازين الدولية.

تكشف نتائج التصويت على قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا عن تغييرات جوهرية في المشهد السياسي العالمي. فقد اعتدنا على أن يكون التأييد لمثل هذه القرارات مدعومًا بتكتل غربي قوي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، إلا أن نتائج التصويت الأخيرة في 24 فبراير 2025 تعكس واقعًا أكثر تعقيدًا، حيث تباينت مواقف الدول وفقًا لمصالحها الاستراتيجية بدلاً من الالتزامات الأيديولوجية أو التحالفات التاريخية.
كان لافتًا أن بعض الدول التي كانت تُعد قريبة من الغرب اختارت الامتناع أو التصويت ضد القرار، بينما ساندته دول أخرى كانت سابقًا على مسافة من الأزمة الأوكرانية. هذا يوضح أن الحسابات السياسية لم تعد محكومة بثنائية "مع أو ضد"، بل أصبحت أكثر براغماتية، حيث تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والأمنية والتوازنات الجيوسياسية.
2. انعكاسات التصويت على العلاقات الدولية:
أدى هذا التصويت إلى تعميق الانقسام الدولي، مما قد يسفر عن تداعيات على عدة مستويات:

العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين: على الرغم من أن أوروبا لا تزال تتشارك مع واشنطن مواقفها الأساسية تجاه الأزمة الأوكرانية، إلا أن بعض الدول الأوروبية قد ترى في نتائج التصويت مؤشرًا على ضرورة إعادة تقييم مدى اعتمادها على الولايات المتحدة، خصوصًا في قضايا الأمن والدفاع. قد يؤدي ذلك إلى تعزيز الجهود الأوروبية لتطوير سياسات دفاعية مستقلة، بعيدًا عن المظلة الأمريكية، وهو ما قد يُسرّع مبادرات مثل تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية وتوسيع دور الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية.

إعادة التموضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: بعض الدول العربية التي دعمت القرار ربما تجد نفسها أمام تحديات دبلوماسية في علاقتها مع روسيا وحلفائها، بينما قد تستفيد من التقارب مع الولايات المتحدة عبر امتيازات اقتصادية أو عسكرية. في المقابل، الدول التي امتنعت أو عارضت القرار قد تستثمر مواقفها لتعزيز شراكاتها مع موسكو، سواء على مستوى التعاون الأمني أو الاقتصادي.

التحولات في مواقف الدول النامية: الامتناع الكبير عن التصويت من قبل العديد من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يعكس رغبتها في تجنب الاصطفاف مع أي من المعسكرين، ما يؤكد صعود سياسة الحياد الإيجابي كاستراتيجية لتأمين المصالح الوطنية بعيدًا عن الانجرار وراء المواجهة بين القوى الكبرى.

3. التصويت كأداة دبلوماسية ورمز للاستقطاب الدولي:
على الرغم من أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة قانونيًا، إلا أنها تحمل دلالات سياسية ودبلوماسية مهمة، إذ يتم توظيفها من قبل الأطراف المختلفة كأدوات ضغط وإثبات للمواقف. أوكرانيا وحلفاؤها سيعتبرون التصويت دعمًا لموقفهم، بينما ستسعى روسيا لاستغلال الانقسامات لإظهار تراجع النفوذ الغربي وعدم قدرته على فرض إرادته كما كان في الماضي.

4. دلالات التحولات في موازين القوى:
أظهرت نتائج التصويت أن الهيمنة الغربية على الساحة الدولية لم تعد كما كانت، فالدول النامية أصبحت أكثر استقلالية في قراراتها، والقرارات لم تعد تُحسم بتوجيهات القوى العظمى فقط، بل تخضع لمعادلات أكثر تعقيدًا تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والأمنية والتوازنات الإقليمية.

 خلاصة:
يثبت هذا التصويت أن السياسة الدولية متغيرة، ولا تحكمها الولاءات المطلقة أو العداوات الدائمة، بل تحكمها المصالح المتغيرة والتحالفات التي تتبدل وفقًا للظروف. في عالم يشهد تحولات كبرى، يبدو أن موازين القوى لم تعد خاضعة لمنطق القطب الواحد أو حتى القطبين، بل باتت تتجه نحو تعددية أقطاب، حيث تسعى كل دولة إلى تحقيق أقصى استفادة من موقعها في المشهد العالمي.




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل