آخر تحديث :الاحد 19 مايو 2024 - الساعة:15:26:06
المرأة المسلمة عنوان النقاء.. المطلقات والأرامل في الإسلام من ينصفهم !!
(الامناء نت / كتب / القاضي أنيس جمعان:)

المتأمل في الدين الإسلامي وأحكامه نجد أن الإسلام يسهل طريق العفة والطهارة للمرأة، وكان الحرص على أن لا تبقى دون زواج، عندما كانت المرأة المسلمة يتوفى عنها زوجها أو تطلق، كان الصحابة يتسابقون للزواج بها من أجل رعايتها من باب الإحترام والإكرام والتشريف لها، وذلك لقوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[النور:32]، ولم نسمع يومَاً أن واحدة من الأرامل عندما تزوجت أتهمها البعض بخيانة ذكرى زوجها !!

 

إن الزّواج سنة كونية، وشريعة ربانية، وهو سنة الأنبياء، وطريق الأنقياء الأتقياء، يحفظ اللَّه به الدين ويصون المؤمنين، ويقرب من رب العالمين، يغض المرء به بصره، ويحفظ فرجه، ويحمي دينه ويصون مروءته وخلقه، ويقيم به أسرة تكون لبنة صالحة في بناء المجتمع، ويرزق به نسلاً يباهي بهم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمم يوم القيامة، لهذا إن الإسلام في عهد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرسخ طريق العفة والطهارة، وذلك بتيسير المهور وكان يزوج أصحابه بما يحفظون من القرآن، ويزوج المرأة بعد انتهاء عدتها، ويسمح للرجل بالزواج من إمرأة وأثنتين وثلاثة وأربعة، حتى أن المرأة غير المتزوجة كان يصل بها الحال أن يعرضها وليها على أهل الصلاح كما عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان بن عفان حين تأيمت من خنيس بن حذافة السهمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أو تعرض المرأة نفسها على أهل الصلاح كالمرأة التي جاءت تعرض نفسها على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان ذلك دأب السلف الصالح، فقد أخرج البخاري من حديث ثَابِت الْبُنَانِيَّ قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ. فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ وَا سَوْأَتَاهْ، قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا)، وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).[القصص: 27].

 

إن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه لم يتزوج امرأة بكرَاً إلا أمنا عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا فقط، فإن الزواج بالمطلقات والأرامل ليس في عيب أو نقص، فالإسلام يراعي الفطْرة البشريَّة، ومن ثَمَّ أحلَّ زواج الأرملة، وأكثرُ اللاتي تزوَّجهن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنَّ ثيِّبات، فقد تزوَّج من أراملَ، ومنهنَّ أمُّ سلمة، وما كان اللَّه تعالى ليختار لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأدنى؛ وكان أكثر زوجاته مطلقات وأرامل، وقال سبحانه تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).[الأحزاب:21]، فنجد إذا تصفحنا سيرة الصحابيات الجليلات نجد منهم من تزوجت من أربعة أو خمسة أو أكثر من الصحابة، صحابي تلو الآخر، ومنهن من كانت تشترط صحبة أبنائها، ومنهن من تزوجت بالأصغر منها سناً بسنوات، ومنهن من تزوجت من كبار الشخصيات كأبي بكر وعمر وعثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وغيرهم، فهذه عاتكة بنت زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما تزوجها إبن أبي بكر الصديق وكانت تحبه، ويحبها حبَاً لا يوصف، ثم مات عنها شهيدَاً، فبادر من الزواج بها الفاروق عمر، ثم مات عنها شهيداً، فبادر بإكرامها والزواج منها حواري النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام فقتل شهيداً فلم يقولوا عليها جلابة مصائب على أزواجها، إنما قالوا: من أراد الشهادة فعليه بعاتكة، وكذلك تصفحوا أيضاً قصة أسماء بنت عميس وزوجها الصحابي الجليل علي ابن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وهو يلاعب أبناءها من أزواجها السابقين ويسمع كلامها العذب فيهم لأولادها، فيبتسم ولا يغار، ويقول لوتكلمت فيهم بغير هذا لزجرتك فهم أصحابي !!

 

لقد جرت العادة إن الزواج من المرأة المطلقة والأرملة، خاصة المطلقة تزداد عنايتها بالزوج التالي لسابق تجربتها مع الأول وفشلها، فالحياة دروس؛ ولا تُلدغ المرأة المطلقة الحكيمة في الحياة الزوجية مرتان، والمرأة المسلمة التي لم تنجح في حياتها الزوجية أو ترملت ليس بالضرورة أن تكون إمرأة فاشلة كما يدعي البعض، وإلا سميت سورة الطلاق في القرآن الكريم بسورة الفشل أو الفاشلات، بل سميت عند بعض المفسرين بسورة الفرج، وذلك لقوله تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا).[الطلاق:1]، لَعَلَّ بعد الفراق والبؤس سعادة وهناء، لَعَلَّ بعد الزوج زوج آخر أصلح منه، وأحسن منه، ولَعَلَّ الأيام الآتية تحمل في طياتها أفراحاً وآمالَاً وآمال مفرحة !!

 

ختاماً .. نقول إن المرأة التي نزلت بها مصيبة الطلاق وأصابها الخوف من المستقبل وما فيه من آلام، والأرامل من النساء إن الإسلام يعتبِر الزَّواج حقًّا أساسيًّا للأرملة، أجازه لها الشَّرع بعد انتهاء العدَّة، وهي أربعة أشهُر وعشَرة أيَّام، أو وضْع الحمل لو كانت حاملاً، خاصَّة إذا كانت في مقتبل العمر، ولديْها أطفال بحاجة إلى رعاية، فلها أن تتزوَّج لكي تعفَّ نفسها، وتكمل حياتها في ظلِّ أُسرة طبيعيَّة، فإن رعايتهم ومساعدتهم له فضل عظيم وأجر كبير، وسبب من أسباب دخول الجنة، هم بحاجة للأستقرار العاطفي والنفسي، كونوا عوناً لهم لا عليهم، ‏لا تتركونهم إلى مجتمع ينتقصهم، ويسروا لهم الحلال بعيداً عن الحرام !! 

 

قاضي أنيس صالح جمعان 

عدن - 2 مايو 2024م



شارك برأيك