- وضع حجر الأساس لمشاريع تطوير مستشفى الجمهورية في عدن
- "الحوثي" منظمة إرهابية بنيوزيلندا.. ما تأثير القرار على المليشيات؟
- خطوات عملية لمحاسبة الفاسدين في الحكومة اليمنية.. وقف العقود المشبوهة
- مياه السيول تجرف سيارة مواطن بمضاربة لحج
- أمريكا تعرب عن قلقها من ظروف احتجاز الحوثيين لموظفي سفارتها وموظفي المنظمات
- محافظ حضرموت يبحث مع منظمة نداء جنيف تعزيز بناء القدرات حول القانون الدولي الانساني
- أسعار الذهب اليوم السبت 23-11-2024 في اليمن
- درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت في الجنوب واليمن
- تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الجمعة بالعاصمة عدن
- د . عبدالجليل شايف: مشروع الوحدة اليمنية انتهى والجنوب ليس قضيته استعادة الدولة الجنوبية فقط
من نهب أرشيف أقدم قناة متلفزة في الجزيرة العربية والمنطقة؟
ماذا قال سائق المركبة التي نقلت سبعة آلاف شريط ووثائق أخرى من عدن إلى صنعاء؟
الكثيري: نُهِبَ أرشيف قناة عدن الثري غداة اجتياح الشماليين لعدن عام 1994
سلام: نهبت أفلام حول نشاطات البريطانيين وحكومة اتحاد الجنوب العربي والمجتمع العدني
في 21 أغسطس 2022، بثت قناة الجزيرة القطرية حلقة جديدة من برنامج "المتحري"، حول وقائع تاريخية حدثت قبل عقود من الزمن في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا، أو ما كان يُعرف بـ "اليمن الجنوبي"، تحت عنوان "الإخوة الأعداء".
تضمنَّت الحلقة، التي تقسمت على جزأين وأعدَّها الصحفي الشمالي جمال المليكي، مشاهد مصورة من أرشيف تلفزيون عدن الرسمي، وأعادت مقاطع الفيديو قضية "نهب" أرشيف قناة عدن إلى الواجهة مجدداً.
على إثر ذلك، أطلق نشطاء جنوبيون حملة تنديد على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمحاسبة المسؤولين والمتورطين بنهب الأرشيف التاريخي لإحدى أقدم القنوات المتلفزة في الجزيرة العربية والمنطقة. ويتهم الجنوبيون النظام اليمني السابق [نظام الوحدة] بنهب أرشيف قناة عدن عقب اجتياح الجنوب في صيف 1994.
في هذا التحقيق، نكشف خبايا وقصة مصادرة ونقل أكثر من 7 آلاف شريط من مكتبة تلفزيون عدن الرسمي والجهات والأشخاص المسؤولة بصورة مباشرة عن ذلك، مستنداً على روايات أشخاص ذوي صلة مباشرة بالواقعة، من بينهم قائد المركبة التي نقلت الأرشيف من عدن إلى صنعاء بتوجيهات رسمية.
ونستعرض آراء مسؤولين وموظفين حاليين في قطاع إذاعة وتلفزيون عدن، وتواصلنا مع الجهات الإعلامية المسؤولة في الدولة مثل وزارة الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي للاستفسار عن دورها المفترض إزاء ما تعرض له الأرشيف.
مكتبة القناة:
بدأ تكوين مكتبة قناة عدن قبل البث التلفزيوني في عام 1968، وفقا للكاتب أحمد محمود السلامي، أحد الموظفين الأوائل في القناة.
وقال السلامي، في كتابه "تلفزيون عدن من التأسيس إلى القناة الثانية" أنّ "تكوين المكتبة بدأ قبل البث التلفزيوني وكانت تحتوي على أشرطة سينمائية مقاس 35مم. احتوت هذه الأشرطة على الأفلام العربية الروائية والأفلام والمسلسلات الأجنبية والأغاني وغيرها".
وأضاف: "كما حوت المكتبة كمية كبيرة من الأشرطة السينمائية المتوسطة مقاس 16مم التي كانت تضم الأفلام العلمية والتوعوية الاجتماعية القصيرة والأغاني الأجنبية بالإضافة إلى الإنتاج اليومي لقسم التصوير السينمائي التابع للتلفزيون من أفلام التغطيات الخبرية الصامتة".
ووفقاً لأحد المتقاعدين في قناة عدن، ممن تولوا إدارة البرامج في فترات سابقة، فإنَّ قناة عدن أسهمت في إثراء قناة صنعاء التي تشكّلت فيما بعد بكثير من الأشرطة والتسجيلات الفنية.
وقال المتقاعد، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه : "كان هناك تعاون سابق بين قناة عدن، وقناة صنعاء. لقد تم رفد قناة صنعاء حديث النشأة في عام 1975 بكثير من المواد والأغاني المحلية التي سجلت في تلفزيون عدن، مثل أغاني الفنان أحمد السنيدار، علي عبد الله السمة، ومحمد حمود الحارثي، وأيوب طارش وغيرهم".
نهب الأرشيف:
بجانب منزله، التقينا العم عبد القادر الوحيشي، موظف سابق في قناة عدن وسائق المركبة التي نقلت أرشيف القناة إلى صنعاء بعد حرب 1994 إثر دخول القوات الشمالية المدينة.
يستذكر الوحيشي في حديثه تفاصيل تلك الواقعة: "لقد حملت بيدي آلاف الأشرطة من مكتبة قناة عدن إلى مكتبة قناة صنعاء. تم نقل هذه الأشرطة بمركبة [دينا] بيضاء كبيرة قدتها بنفسي. أغلب عمليات النقل كانت تتم ليلاً من عدن إلى صنعاء".
وأضاف: "يُقدر عدد الأشرطة بحوالي أكثر من سبعة آلاف شريط تم نقلها بتوجيهات رسمية من مدير تلفزيون وإذاعة عدن آنذاك عبد الغني الشميري. لقد كنتُ برفقة علي عبد الرحمن الزيادي مدير مكتبة وأرشيف قناة عدن وكان لدينا ورقة رسمية تحوي توجيهات للنقاط الأمنية تمنع اعتراض المركبة التي أقودها".
ونفى الوحيشي ما أشيع آنذاك من تعرض مركبة نقل أرشيف قناة عدن للتقطع في منطقة "بلاد الروس" في صنعاء. ويعتقد سائق المركبة إنَّ تلك كانت محاولة من وجهوا وأشرفوا على نقل الأرشيف لتغطية عملهم والتحجج بالحادثة عند مطالبتهم بإعادة الأرشيف".
وطبقا لمدير إذاعة وتلفزيون عدن ، محمد غانم، فإنَّ نقل أرشيف قناة عدن تم في عام 1996. وقال غانم: "أكثر من 7 آلاف شريط تم نقله في تلك الفترة".
من المسؤول:
تطابقت شهادات وإفادات عدد من المصادر التي التقيناها ، في إنَّ نهب أرشيف عدن تم بإرادة سياسية من نظام الوحدة في صنعاء عبر مدير تلفزيون وإذاعة عدن آنذاك، عبد الغني الشميري.
وبشأن ذلك، قال محمد غانم: "المدير السابق للقطاع عبد الغني الشميري قام بالسطو على أرشيف القناة ووزعه على قنوات محلية ودولية." وأضاف: "والذي ساعده في ذلك، بكل أسف، بعض الزملاء في إدارة القناة والبرامج".
وأردف "الأرشيف الذي تم نهبه نشاهده اليوم بنسخته الأصلية على شاشة قناة السعيدة التي يملكها حامد الشميري، شقيق، عبد الغني الشميري."
نوعية الأرشيف المنهوب:
بشكل أساسي، يشتمل الجزء الأكبر من أرشيف قناة عدن الذي نُقل إلى صنعاء على المواد السياسية والفنية الثقافية الخاصة بالجنوب، وفقاً لمصادر متعددة تحدثت إلينا.
وعن هذا، قال النقابي والموظف في قناة عدن عامر سلَّام: "كان الأرشيف المنهوب يتمحور حول الأفلام الخاصة بنشاطات البريطانيين وحكومة اتحاد الجنوب العربي، الضواحي والمحميات، والمجتمع العدني".
وأضاف: " كما اشتمل الأرشيف المنقول على مواد تخص عدد من رؤساء وقادة جنوب اليمن سابقا مثل: الرئيس قحطان الشعبي، الرئيس سالمين ربيع علي، الرئيس عبد الفتاح إسماعيل، الرئيس علي ناصر محمد، رئيس الوزراء محمد علي هيثم."
وأردف: "كما احتوى الأرشيف المنهوب أيضا بعض المحاكمات التي قام بها النظام الحاكم في الجنوب آنذاك ضد السلاطين، ووقائع محاكمة مجموعة [دهمس] في 1982".
ويُقدر محمد غانم، مدير قطاع إذاعة وتلفزيون عدن الحالي، أنَّ ما "نسبته 15% من أرشيف قناة عدن هو ما تم نقله إلى تلفزيون صنعاء". وأضاف: "لقد مثلَّت هذه النسبة الأرشيف النوعي والتاريخي لمكتبة القناة".
تدمير:
لم يقتصر ما تعرض له أرشيف قناة عدن على النقل والنهب فقط، فوفقا لموظفين سابقين وحاليين، تعرض الأرشيف للتدمير والإهمال المتعمد والتلف.
وقال صابر الطيب، موظف في مكتبة قناة عدن : "لقد تولى إدارة المكتبة أناسُ كثر غير أنها كانت عرضة للإهمال ."
وأضاف: "لم يكن هناك كادر متخصص في الأرشفة والمكتبات لاسيما مكتبة التلفزيون، وهنا يكمن سر الضياع الذي أدَّى إلى تخلفنا سنوات طويلة عن التلفزيونات الأخرى بعد أن كنا في المقدمة".
يؤكد شهادة الموظف صابر الطيب النقابي والموظف عامر سلاَّم.
وقال سلَّام: "شاهدت بنفسي بعد حرب 1994 أحد الأشرطة مقاس 2 بوصة مرميا على سلم القناة. كان مكتوبا عليه [مفاوضات الشعب الجنوبي للاستقلال في جنيف]." وأضاف: "عندما سألت عمَّا أتى بهذا الشرط إلى هنا قيل لي إنَّه تم أخذ بعض الأشرطة وحجزت في مبنى أمن الدولة السياسي ثم تم إرجاعها ورميها دون الاهتمام بها."
وكشفت مصادر خاصة إنَّ كثيرا من أشرطة مكتبة قناة عدن نُقلت إلى غرفة شيدت الحرارة والرطوبة خلف مبنى "ألبينو" المجاور لمبنى قناة عدن. وأشارت المصادر إلى أنَّ هذه الأشرطة لا تزال هناك إلى اليوم.
محاسبة:
تواصلنا مع جهات إعلامية مسؤولة في العاصمة عدن للسؤال حول ما إذا كانت هناك خطط واعتزام لمحاسبة ومقاضاة المتورطين بنهب أرشيف عدن اليوم.
وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أحالنا إلى نائبه حسين عمر باسليم للرد على الاستفسارات التي قدّمناها ، ونفى باسليم علمه بوجود مثل هذه القضية. إذ بدى الرجل ليس متأكدا من ذلك، على الرغم من أنّ قنوات عربية باتت تعرض هذا الأرشيف أمام الملايين.
فقد أخبرنا باسليم أنَّ "وزارة الإعلام ليس لديها ما يؤكد أو ينفي ما طُرح مؤخراً حول تسريب أرشيف قناة عدن."
مقابل ذلك، قال رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي علي الكثيري سابقا : "بكل تأكيد ما حصل لأرشيف تلفزيون عدن هو جريمة مدانة ومرفوضة."
وأضاف: "لقد تم نهب هذا الأرشيف الثري غداة اجتياح عدن عام 1994. هذا الأرشيف يمثَّل ذاكرة حية لجزء من تاريخ الجنوب واعتقد أن ما حصل تجرمه كل الشرائع والقوانين".
وأردف: "نحن ندرس حاليا مع قانونيين ما يمكن عمله لملاحقة الجهات والأفراد الذين ثبت تورطهم بنهب الأرشيف والتصرف به على نحو يستوجب المحاكمة فضلا عن بحث السياق القانوني الذي يمكن من خلاله استرداد قناة عدن لعدن وللجنوب أولا واسترجاع الأرشيف المنهوب الذي للأسف الشديد أصبح يباع لوسائل إعلام خارجية".
إنقاذ ما تبقى:
ودعا موظفو قناة عدن إلى إنقاذ ما تبقى من أرشيف قناة عدن من التلف.
وقال عامر سلام: "هناك أرشيف ثقافي وفني مهم جداً لازال مهملا بشكل كبير في المكتبة الوثائقية القديمة. تعرضت بعض الأشرطة للتلف والذوبان نتيجة الحرارة الشديدة وغياب التكييف."
وأردف: "ومن ذلك الأرشيف، أرشيف مكتبة الإذاعة بما فيها أشرطة يعود بعضها لعام 1954 ومنه شريط ذكرى التأسيس الذي سمعته بنفسي أيام المخرج أكرم محسن في الذكرى الأولى لإذاعة عدن عام 1954."
ويعتبر أرشيف تلفزيون عدن الرسمي قصة من بين عشرات القصص لما تعرضت له المؤسسات الحكومية في مدينة عدن عقب انتصار نظام الوحدة وهزيمة القادة الجنوبيين وخروجهم إلى خارج البلاد. وعلى مدار السنوات اللاحقة للحرب، ظهر الأرشيف في شاشة قنوات محلية شمالية وبعضها تتبع حركة الحوثيين، وقنوات دولية، خصوصا الجزء السياسي منه، الذي تم توظيفه بصورة ممنهجة لمحاولة إثارة الخلافات بين أبناء الجنوب والشمال وإذكاء جروح مضى عليها عشرات السنين.