آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:01:26:46
دور نضالي مجيد لأبناء ردفان ضد الاحتلال البريطاني (تقرير)
(إعداد/حمزة عبدالقادر العطار)

 

مقدمة

اتسم النضال ضد القوات المسلحة البريطانية قبل تدنيسه أقدامها لرمال صيرة في الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم 19 يناير 1839م، ورفعها للعلم البريطاني على سطح قرص سلطان لحج، وحتى خروج المقدم "داي مورجان" الذي شاء حظه السيء ان يكون آخر عسكري بريطاني يغادر قاعدة خورمكسر الجوية في الساعة الثالثة من عصر يوم 29 نوفمبر 1967م، بالكفاح المستميت والشرس وببسالة منقطعة النظير، بدءً بنضالات صيادي كريتر وجنود سلطاني العبادل والفضلي في ذلك اليوم المشؤوم، والذي سقط منهم أكثر من 139 شهيد و25 جريح وما تلاه من هجوم القبائل العبادل وآل فضل وذلك بعد شهرين من الاحتلال، مرورا بانتفاضات قبائل لحج وردفان والصبيحة والحواشب والضالع والشعيب ويافع وأبين وبيحان والعوالق وحضرموت والمهرة، وذلك في فترة النصف الثاني من العقد الخامس للقرن العشرين قدم فيها الجنوبيون أروع الأمثلة في التضحية بأرواحهم وأموالهم تتقدمهم قوافل الشهداء، الذين رووا بدمائهم أرض الجنوب العربي، حتى أيقظ الله شباب وشابات الجنوب الذين واصلوا حمل مشعل الكفاح بقيادة المناضل الفذ والقائد الجنوبي الجسور ابن الأرض المعطاءة – ردفان – الشهيد "راجح بن غالب لبوزة" – رحمة الله تغشاه – وتغشى جميع شهداء الجنوب في كل الأزمنة وذلك في 14 اكتوبر 1963م، حيث واصل فدائيو الجبهة القومية والتحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية كفاحهم ولمدة 4 اعوام 1963-1967م، حتى انصاع البريطانيون لإرادة الجنوبيين ورحلوا مدحورين في الـ 30 من نوفمبر 1967م، أسوة بمن سبقهم من الأتراك والبرتغاليين والمصريين المماليك، ليسمح لي القارئ أن استعرض نضالات أبناء ردفان كما سطرها التاريخ، إنصافا لهؤلاء الأشاوس وإبراز لدورهم في مقاومة المحتل.

قلق من تحركات أبناء قبيلة "قطيب"

يقول أ.المؤرخ "محمد عباس ناجي الضالعي في كتابة المرجع "حقائق جديدة عن انطلاقة ثورة 14 اكتوبر"، والذي أفرد في كتابه المذكور تفاصيل مثيرة عن نضالات أبناء ردفان ضد القوات البريطانية  - الحقائق التالية:

أرسلت السلطات البريطانية في مستعمرة عدن خمسين جنديا وبعض المدافع في شهر يوليو 1884م، لضرب قبيلة "قطيب" فهاجمت "الثمير" ودكتها لنجدة أمير الضالع المرحوم "علي مقبل" الذي أقلقه تحركات أبناء قبيلة "قطيب" ضد خطوط المواصلات البريطانية بين عدن والضالع.

في اكتوبر 1903 استمر أبناء قبيلة قطيب في التعرض لسيارات الانجليز التي كانت تقدم من عدن مرورا بالحواشب والعند ويافع والضالع والعودة، مما أدى الى إرسال قوة عسكرية بريطانية من "نوبة دكيم"، للهجوم على "قبيلة القطيب" فأحرقت ما في مزارعهم ودكت بعض الحصون، وكان أول شهداء ردفان رصدهم التاريخ وهم الشهداء: حيدرة سالم الغزالي، مسعود صلاح الغزالي، أسعد سعيج السادي – رحمهم الله.

قصفت طائرات سلاح الطيران الملكي البريطاني ردفان في أواخر عام 1933م، حتى مطلع عام 1934م، وحشدت قوات برية بقيادة نائبه والي عدن العقيد اتش – اف – جاكوف – لحصار قبيلة القطيبي، فهرب سكان ردفان وعاشوا أشهرا في جبالها إلا ان أشاوسها من أبطال ردفان كانوا في خط المواجهة بقيادة عم شيخ قبيلة القطيبي المناضل المرحوم "مقبل عبدالله لخرم" والذي كان يحث رجال القبيلة بأنهم يدافعون عن أرض ردفان – رحمه الله - .

رفض دفع الجزية وتسليم الرهائن

رفض أبناء ردفان اتهام البريطانيين لهم نهب إحدى القوافل البريطانية، ورفضوا دفع غرامة (500 ريال مارياتريزا) وتسليم بعض الرهائن للإنجليز، فقامت الطائرات البريطانية بقصف ردفان بالقنابل الثقيلة، ولوحشية العمل الذي قامت به بريطانيا – آنذاك – ضد ابناء ردفان وصف "هارولد انجرامز" في كتابه "بلاد العرب والجزر البريطانية" هجوم الطائرات البريطانية بالوحشية والأعمال البربرية ضد أفراد مسالمين وأشاد بصمود أبناء ردفان وشجاعتهم.

في عام 1940 قامت مجموعة من الحرس القبلي التابع "لقبيلة القطيبي" باعتراض سيارة بريطانية عسكرية وعندما طالبوا ضريبة المرور منهم رفضوا فاشتبكوا مع الجنود المتواجدين فيها وكانت حصيلة هذه المعركة مقتل احد الجنود البريطانيين.

سارعت قوات بريطانية بحصار ردفان وطالبت بتسليم قاتل الجندي، الا ان أبناء القبيلة رفضوا ذلك الطلب، فاحتلت هذه القوات الغازية موقعين أحدهما بالقرب من قرية الحمراء والآخر بالقرب من قرية الثمير.

70 مقاتل يتصدى للغزو

دخول القوة البريطانية واحتلالها اراضي ردفان اعتبرته القبيلة المذكورة غزوا لأراضيها، فاتفق المقاتلون بالتجمع في سيلة بجير بقيادة منصر محمد مقبل وأخيه شائف محمد مقبل مع سبعين مقاتل من أشاوس ردفان يتقدمهم الشهيد المغوار راجح بن غالب لبوزة وأخيه محمد وعند وصول المقاتلين الى قرب أحد الموقعين بدأ إطلاق النار والتقدم وجها لوجه واشتبكوا بالسلاح الأبيض فقتل أربعة جنود من بينهم قائد الموقع واستشهد من أبناء ردفان الغزالي وصائل سلام العيسائي وغالب مثنى الغزالي ونصر بن علي قاسم العيسائي وحسين محسن العيسائي وفريد محسن المريخيم وأحمد منصر نعيم ومثنى طالب البكري وكانت هذه المعركة في عام 1942م.

انسحبت تلك القوة التي كانت في الموقعين المذكورين من ردفان، لتعطي  للطائرات البريطانية الفرصة في ضرب ردفان فكانت خسائر ردفان العديد من الشهداء وذكر المؤلف ثلاثة منهم وهم: شائف صلاح الاصفهي وحسن محمد الاصفهي ومحمد مقبل عبدالله وثلاث نساء رحمهم الله.

امير الضالع يستنجد بقبائل ردفان

في مطلع عام 1947م، رفض أمير الضالع حيدرة بن نصر بن شائف – رحمه الله – طلب السلطات البريطانية بان يكون لديه مستشار بريطاني فطلبت منه بريطانيا التنازل فرفض واستنجد بقبائل الضالع وردفان التي جاءت لنصرته في جحاف واصطدمت بالقوة البريطانية المتواجدة في الضالع استشهد فيها والد الشهيد المناضل سعيد صالح سالم – رحمه الله – أحد أبرز قادة الكفاح المسلح في الستينات من القرن العشرين وظل الأمير متخفيا حتى وصل الى قعطبة في المملكة المتوكلية اليمنية وتوفى فيها.

بريطانيا تبرم اتفاقا الردفانيين

في عام 1950 توصلت بريطانيا الى استنتاج بان القصف الجوي غير مجدي لإخضاع أبناء ردفان الأشاوس فعقدت اتفاقية مع شيوخ وعقال قبائل ردفان ومن بينهم الشهيد راجح بن غالب لبوزة طلبت فيه ان يسمحوا للحكومة البريطانية بحماية طرق القوافل التجارية : عدن والضالع ويافع واليمن على ان يكون عوائد المرور لأبناء ردفان.

في بداية عام 1956م، كان الشهيد راجح بن غالب لبوزة أول شخص من ردفان أعلن تمرده على بريطانيا وذهب الى قعطبة ورافقه بعض من أعيان ردفان من المشايخ، فأعطى نائب الامام في قعطبة ثلاث قطع بندقية وذخائر لكل واحد منهم وكلفهم بمهاجمة المواقع البريطانية من قعطبة بضرب مركز الحبيلين فوقعت مجابهة بينهم وبين القوات البريطانية فقامت القوات البريطانية بتعزيز قواتها المتمركزة في الحبيلين بقوات إضافية من الضالع وعدن فشنوا هجوما على الثوار في منطقة الثمير اشترك فيه سلاح الجو البريطاني ولأول مرة يتمكن الثوار في منطقة الثمير من إسقاط إحدى الطائرات البريطانية المقاتلة وقتل قائدها وإصابة أخرى شوهد جناحها يحترق.

إثر العملية المذكورة نقل المناضل الشهيد لبوزة وأنصاره عملياتهم القتالية الى الضالع وفي 14 يونيو 1957م، استولت قبائل ردفان على قافلة من الجمال التابعة للجيش البريطاني بالقرب من قرية "الملاح" قادها المناضلان "محمد عبيد" و"محمد صالح الضنبري".

في نهاية عام 1958 أوقف الأمام احمد  - رحمه الله – دعمه للمقاومة الجنوبية على ضوء التفاهم الذي تم بينه وبين البريطانيين في عدن.

في عام 1961 اعترضت جماعة من أبناء ردفان ومنهم المناضلين صالح علي الغزالي ومحسن هيثم الوحّدي قافلة بريطانية في سيلة حردبة عائدة الى عدن في كمين قتل فيها اثنان جنود وجرح ثلاثة آخرين.

المرجع: محمد عباس ناجي الضالعي – حقائق جديدة لثورة الرابع عشر من اكتوبر – 2002م: ص: 35-54.

صحيفة الامناء



شارك برأيك