المأساة الحقيقية للحرب
هل سيعود الموتى إلى منازلهم؟
فرآئحة الموت تأتي كل صباح 
مع مرور العربات العآئدة من الجبهة،، 

لكنّ عائلتي لم تعد ٠٠٠٠٠٠٠ ؟؟

كنت صغيراً حين عاد اخي من الحرب للمرة الأخيرة وفتحت له باب المنزل وهو ينزف والدماء تغطي وجهه وكان ينادي على أمي وحين اقترب منها أخبره أبي أنه قد تأخر وكانت أمي شاحبة الوجه وتنظر إلى سقف المنزل
 نظر إليها أخي من بعيد وقال لقد عدت يا أمي لكنها لم تجبه؟
 حتى انا كنت انتظر من أمي أن تجيب أخي فقد كانت تحبه كثيراً وكانت تقف كل صباح على التلّة تراقب الطريق تنتظر عودته فلماذا لا تجيبه الآنء،
كان أخي يعرف أن أمي لن تجيبه ؟؟
 فقد فارقت الحياة ٠
كان أخي ينزف بشدة ويتألم وكان يظهر عليه التعب لكنه لم يخبرنا بشيء وظل واقفاً يتأمل وجه أمي لكنّ أبي أحس به  وطلب منه أن يجلس ويرتاح و أخبره أن عليه أن يختبئ في القبو فجنود  الانقلاب  يبحثون عن أفراد المقاومة ٠
وفي الصباح الباكر استيقظت  وكانت رائحة الموت تعم المكان أنها رائحة لا يشمها القادة القابعين خلف الحصون الذين يتنقلون بالمدرعات 
 لكنّ الشعب يشم رائحة الموت و يُرغم على استنشاقها مع كل رصاصة تطلق عليه؟!
ومعا شروق الشمس شمس اليوم التالي لعودة أخي وصلت ثلاث عربات عسكرية إلى القرية لأول مرة نشاهدها عن قرب فقد كانت قريتنا بعيدة عن العاصمة  
ترجل مجموعة من الجنود ونادو على أبي 
وكنت أقف بجانبه ثم تقدم أحدهم و كان القائد قال بنبرة جادة وحادة أين أبنك الذي التحق بالثوار هل عاد إلى المنزل وقمت بأخفائه 
 هذا الفعل يعد خيانة للوطن حينها لم أكن أعلم ما يعني الوطن لكنّ ابي كان هادئاً وقال إنه لا يعرف عن أخي شيء 
رد الرجل انت تعرف أن التستّر على الخائن جريمة يعاقب عليها القانون 
ثم ركبوا عرباتهم وذهبوا 
بعدها سألت أبي لماذا على أخي أن يدافع عن ذالك الوطن ويغيب عنا لماذا لا يدافع عن الوطن هاؤلاء الرجال الذي يبدو عليهم أنهم أصدقاء للوطن وقد بعثهم الوطن ليبحثوا عن أخي الذي يدافع عنه وذهب الى الحرب ليحميه وعاد إلى أسرته مصاب بجروح بليغة وكانت دمائه تنزف ولم يترك المعركة إلا ليلقي النظرة الأخيرة على أمي التي طلبت أن تراه قبل أن تذهب الى السماء كما كان يقول لي أبي حين غطاها أمامي للمرة الأخيرة بردآئها الأبيض الجديد الذي في ما بعد عرفت أنه كفن للموتى ففي ذالك اليوم دخلت على أخي الذي عاد من المعركة جريحاً وهو ينظر إلى السماء يراقب شيء لا أراه ودون أن يتكلم أحسست أنه يريد أن يرى أبي فقد كان وجهه شاحباً وملمسه بارداً وكان لا يرد علي عندما سألته هل تؤلمك جراحك وكانت دمآئة تسيل على أرضية المكان حينها ناديت على أبي وعندما أتى ورأى أخي طلب مني أن أخرج ثم غطى أخي بقماش  كالذي غطى به أمي
ثم حمله ومدده بجوار أمي على العربة التي يجرها الحصان العجوز الذي نملكه
ثم انطلق وغاب حتى الظهيرة وعندما عاد سألته إلى اين أخذت أمي وأخي فأنا أشعر بالخوف عندما أكون بالمنزل بمفردي قال لا تخف فأنا معك وأحتضنني وناولني قطعة خبز  وأخبرني أن أمي وأخي ذهبا إلى المنزل الذي نملكه في السماء وأنهما لن يعودا فهما يفضلون ذالك المنزل الكبير الذي في السماء 
لم أفهم كلامي أبي فأنا أعلم أن اخي يحب منزلنا الصغير هذا كثيراً ولن يعجبه ذالك المنزل الذي في السماء وأمي تحبني كثيراً ولن تتركني وحدي وهي تعرف اني أخاف الظلام  وكنت موقناً أنها ستعود في المساء 
وعندما حل المساء لم تعد أمي ؟ ولا أخي ؟
لقد كان أبي متعباً وأخبرني أنه سيذهب للفراش أما أنا فقد جلست قرب النافذة اراقب الطريق متى ستعود أمي 
لقد مرت الأيام ولم تعد أمي وكنت أستيقظ في منتصف الليل على صوت نحيب أبي وهو في الغرفة المجاورة أنه يبكي وكنت اتسآئل لماذا يبكي أبي هل هو خائف من الظلام مثلي؟؟؟ 
فالظّلام الذي حلَّ عندما غابت أمي كان مخيف !!!
  لم أكن أعلم لماذا ظل أبي يبكي؟؟ 
لم أكن أعلم أنه حكم عليه بالموت من غير محاكمة بل أصدر الحكم ضابط يقود الأنقلاب فقد هزمت المقاومة وانتكست الثورة وأعتلى السلطة حاكم فاسد
وفي صبيحة ذالك اليوم الأخير جاءت تلك العربات العسكرية مجدداً وكنت اشاهدها من بعيد فقد كنت في الحقل وعندما توقفت أمام منزلنا ترجل ذالك القائد وأطلق ثلاث رصاصات على أبي وغادر المكان وترك أبي ملقياً على الأرض 
عندها هرعت إلى أبي و وجدته  ينظر إلى السماء يراقب ذالك الشيء الذي لا أراه؟؟
 ٠٠٠٠٠٠٠٠٠
أحتضنت أبي وكان متصلباً لم يضمني بذراعيه
تفحصت أبي فبدى وجهه شاحباً وملمسه بارداً حينها عرفت ماذا علي فعله ؟؟
لقد كبر ذالك الفتى الصغير في داخلي  لقد تعلم الدرس الأصعب  وتلقى الصفعة القاسية من الحياة ذالك اليوم
لقد عرفت ماذا عليّ فعله  
فأخذت ذلك القماش الابيض  وغطيت به أبي ولففته عليه
 وأحتفظت بقطعه من القماش لذالك القائد عندما يأتي دوره وتأتي العربات العسكرية مجدداً ٠٠٠٠٠ 

كتبه احمد السيد عيدروس