آخر تحديث :الخميس 22 اغسطس 2024 - الساعة:00:50:00
في مئوية الفقيد المناضل العقيد الركن/ عادل صالح حنش الضنبري الردفاني..
فقيد الجنوب وأحد كوادره العسكرية الذي ترجّل مُبكرًا
(كتب/ عـــلاء عـــادل حـــنش:)

*سيظل حيًا بمآثره وسيبقى مثالًا للعظمة والتضحية والشموخ

*ماذا قال الفقيد عن الرئيس الزُبيدي؟

*ما الوصية التي أوصى بها الفقيد قبل رحيله؟

 

كتب/ عـــلاء عـــادل حـــنش:

لأول مرة في حياتي يتسمّر قلمي، ولا أستطيع كتابة حرف واحد، اختفت الكلمات، الحروف تبعثرت، اليد ترتجف، العقل يتشتت، القلب يتألم، والعين تدمع، وكأنني طفلٌ لم يتعلم حرفًا واحدًا!

في بعض لحظات الحياة لا توجد كلمات تُعبر عما نشعر به، ولحظة رحيل والدي لا تشبه فاجعتها فاجعة، فلم أكن أعلم أبدًا أن كوني بلا أب سيجعلني أشعر أنني بلا هدف، ولا قيمة، ولا حول، ولا قوة، بلا قلب وعاجز، ولم يعد للحياة طعم، فقد رحل صديقي، وقدوتي، رحل جسدًا وبقي حيًا في قلبي، فجسده الغائب عن هذا الكون تركني مضرجًا في حزني وألمي، لكن نور حبه لا يغيب.. قد يكون الموت أخذك بعيدًا عني، لكن ستظل إلى الأبد بطل حياتي، ومُلهمي العظيم، فنصائحك، وتوجيهاتك ما تزال ترن في أذني.

بفراقك والدي فارقني الأمان، وأحسستُ بغربة في الزمان والمكان، فقد رحلت ورحل معك كل الحنان، والألم الذي خلفه موتك يُستحال أن يداويه الزمان بالمُطلق.

لا أدري أهو شعور الصدمة برحيل أعز الناس في الحياة، أم هو هروب من التصديق برحيل أنقى الأشخاص في هذا الكون.

نعم، لا تزال صدمة رحيل والدي العزيز المناضل العقيد الركن عادل صالح حنش غير قابلة للاستيعاب، ولم يقبلها عقلي وعقل محبيه، ويكاد الأمر يكون حلمًا، وليتهُ كذلك! وليت لو كان كل ما حصل مجرد أحلام تتبعثر مع استيقاظ الشخص من منامه!

إن ‏أصعب شعور قد يواجهه المرء عندما تحيط به ذكريات الراحلين الأعزاء من كل ناحية ومن كل جانب، فأين المفر من ذكريات جميلة كانت وما زالت عالقة في الذهن والعقل والقلب، ولا يمكن أن تمحيها أي مُتغيرات أو حوادث أو ظروف هذه الحياة.

كم حاولت تخطي فاجعة فراقك والدي، لكن الحزن يتجول في شراييني ويقتلني كل يوم، فلم تكنْ أبًا وحسب، بل كنتَ صديقًا ومعلمًا ومُربيًا، لا أظن أن هذه الأرض ستنجب شخصًا مثيلًا لك.

أعلم أبي الغالي أن موتك سيبقى دائمًا ذكرى ضبابية، لكن حياتك ستكون دائمًا حية ومثالًا للعظمة والتضحية، والشموخ.

أعلم يا والدي الحبيب أنك علمتني أن أكون قويًا، لكنني آسف لأنني خذلتك، فلا يمكنني أبدًا أن أكون قويًا بما يكفي لقبول أنك لم تعد هنا، فمنذ أن حملتني بين ذراعيك إلى اليوم الذي ودعتني فيه في أول يوم لي بالمدرسة، مرورًا بالجامعة، ثم العمل الصحافي، أحتفظ اليوم بالذكريات الجميلة التي جعلتني الشخص الذي أنا عليه اليوم، الذي ورث منك العزم والعزة والشموخ والصبر الأبي.

 

مئوية فقيد الجنوب

اليوم تحل علينا وعلى شعبنا الجنوبي مئوية فقيد الجنوب، وأحد كوادره العسكرية، المناضل العقيد الركن عادل صالح حنش الضنبري الردفاني، والدي العزيز رحمه الله تعالى، والتي تُصادف اليوم الاثنين 22 أغسطس/آب 2022م.

اعذرني يا والدي أنني لم أفعل لك فعالية كبيرة تليق بك، فإنني مُدرك أن العظماء يموتون دون ضجيج.. حتى أربعينيتك التي صادفت 27 يونيو/حزيران 2022م، مرت دون أن أسبب أي ضجيج لأحد، لإدراكي أنك أكبر من هذا كله.

لقد خسرت ردفان خاصة والجنوب عامة خسارة كبيرة برحيل المناضل عادل حنش، وخسر الجنوب هامة عسكرية مناضلة بارزة مشهودٌ لها بالكفاءة والنزاهة، وهذا ليس كلامي، بل بشهادة قيادات عسكرية جنوبية.

 

رحلة الوداع

سأحول سرد رحلة الوداع الأخيرة القاسية مع والدي، باقتضاب، ولكن قبلها أود القول إن والدي - رحمه الله - كان يُعاني من أمراض القلب المُزمنة منذ عام 2007م، حين أُصيب بأول جلطة، واستمرت معاناته مع هذا المرض الخبيث حتى توفاه الله في مصر العربية منتصف مايو/أيار 2022م.

بداية شهر رمضان المنصرم بدأت آلام القلب تتزايد عند والدي، وأجرينا يوم الخميس 7 أبريل/نيسان 2022م عملية قسطرة تشخيصية في العاصمة عدن، وكانت النتيجة أن والدي بحاجة إلى عملية زراعة شرايين (قلب مفتوح) بأسرع وقت، وفي الخارج (إما في مصر أو الهند)، فقررت أن نفعل المُستحيل أنا وأمي وإخواني جميعًا، وبذلنا كل ما بوسعنا، وتعاون معنا من تعاون، وجزاهم الله ألف خير.

عزمنا على السفر إلى مصر، وسافرنا فعلًا في أول أيام عيد الفطر، ومكثنا بمصر قرابة (17 يومًا)، كان والدي فيها قويًا شديدًا رغم الوجع، كان دائم النصح والموعظة لي ولإخواني.

أتذكر أن والدي كان مؤمنًا بما سيكتبه الله، وكان بشوش الوجه، مُبتسمًا، وكأنه هو مرافقي لا أنا!

عندما كنا نذهب لإجراء الفحوصات كان والدي دائمًا ما يتحدث عن الوطن الجنوبي، وكان شغله الشاغل، كنت أحاول تغيير هذا الموضوع حرصًا على صحته، لكنه يُصر على الحديث.. كان يتمنى أن يرى الجنوب دولة مستقلة كاملة السيادة، فقد قال إن الجنوب عانى كثيرًا بعد الدخول في الوحدة اليمنية، وأصبح تابعًا لا شريكًا، رغم أن الجنوب دخل بالوحدة بدولة تمتلك كل المقومات (السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية).

وعندما جاء يوم العملية، كان مُبتسمًا، وكنتُ قلقًا، وفور دخوله غرفة العمليات، وهو عند باب غرفة العمليات، رفع يده اليمنى، وأشار لي ولمن معي من الأصدقاء - ومنهم القيادي أكرم منشع، والأستاذ عبدالحكيم أحمد فضل - برفع أصبعين (النصر أو الشهادة)، وكأنها وصية والدي الأخيرة لي.

انتظرنا بعدها حوالي سبع ساعات حتى خرج والدي من العملية، وقال الأطباء إنهُ يحتاج لـ(24) ساعة للاستجابة، رأيته والأجهزة عليه، ولم أعلم أنها نظرتي الأخيرة له، حيث مكث والدي حوالي (5) ساعات ليتوفاه الله في يوم الأحد 15 مايو/أيار 2022م، 14 شوال 1444هـ، الساعة الـ(12) ونصف بعد منتصف الليل في مستشفى سكك حديد مصر (مستشفى القاهرة) في رمسيس بجانب عرابي بجمهورية مصر العربية، فرحمة الله عليك والدي الحبيب.

 

ماذا قال الفقيد عن الرئيس الزُبيدي؟

أتذكر أن والدي همس لي بأذني ونحن داخل مصعد المستشفى بمصر، وقبل إجراء العملية بيوم، وقال لي: "تعرف، أثق في عيدروس الزُبيدي كثيرًا، وأشعر أنهُ من سيقود شعب الجنوب إلى استعادة دولته، فذلك الرجل صادق وأمين وشرس وفدائي".

ثم أردف بحديثه: "فإلى جانب الزُبيدي الدكتور ناصر الخبجي، داهية سياسية، يمتلك عقلًا رزينًا وفكرًا سياسيًا رهيبًا".. قلت له: "الرئيس والخبجي فقط؟"، قال: "أكيد لا يا ولدي، الجنوب يمتلك من القيادات العسكرية والسياسية الكثير والكثير".

أما قهره على استشهاد القائد جواس وأبي اليمامة فقد كان عظيمًا وكبيرًا، وقد قالها بوضوح: "لن يتركنا الأعداء إلا بتصفية القيادات البارزة، كما فعلوا، وما زالوا يفعلون منذ 1990م".

 

وصية أخيرة

كان والدي دائم النصح لي، وللعامة، فقد قال لي يومًا، وأعتبرها وصية من والدي لكافة الجنوبيين، إنه يجب على كل جنوبي مخلص لقضيته ووطنه وشهدائه الحفاظ على ما وصل إليه الجنوب اليوم، والتشبث بهذه الانتصارات حتى الموت.

 

تاريخ نضالي

ولد المناضل العقيد الركن عادل صالح حنش مهدي الضنبري الردفاني في 1/ 1/ 1967م، في حيد ردفان بمديرية الملاح بمحافظة لحج، وتزوج في 22 يوليو 1988م، وله من الأولاد ثلاثة وأربع بنات.

انضم للسلك العسكري في 1984م، حيث تنقل الوالد في رحلته العسكرية بين عدة محافظات جنوبية وشمالية منها العاصمة الجنوبية عدن وحضرموت ولحج والعند والمهرة وسقطرى، والعاصمة اليمنية صنعاء.

ومهنة الفقيد (مهندس فني مكانيك كهربائي)، وأيضًا كان تخصصه هندسة مجنزرات ودبابات في القسم الفني في اللواء (160) دفاع جوي.

والفقيد خريج المعهد الفني للقوات الجوية والدفاع الجوي، وكان أحد أفراد اللواء الثامن والعشرين (2/ ط) بالقوات الجوية والدفاع الجوي في قاعدة الشهيد بكيل عام 1993م.

والفقيد أحد المشائخ في منطقة آل الشنيفي بقرية الحاضنة، وأحد مشائخ قبائل الضنابر، وكذا عضوًا في جمعية ردفان الاجتماعية التضامنية، وعضوًا في اللجنة الرئاسية المبكرة عام 2012م، وحصل على عضوية في اتحاد شبيبة فتاح الاشتراكي اليمني عام 1987م، وهو عضو في عدة منتديات جنوبية.

وعندما تم ترقية الوالد من رتبة رقيب 2 إلى رتبة مساعد أول في 1 / 1/ 1993م، وقبل هذه الترقية حُرم من رتبة مساعد أول نتيجة سقوط اسمه من كشوفات الترقيات سهوًا بحسب قول قيادة اللواء آنذاك، لتتوقف بعدها الترقيات للأفراد من قبل وزارة الدفاع، وظلت هذه القضية لمدة ثلاث سنوات، وكانت هذه الحادثة قبل تاريخ 4 / 11/ 1992م.

وهذا أبسط مثال على الإقصاء والتهميش الذي تعرض له المناضل عادل حنش وكثير من أبناء الجنوب من قبل نظام صنعاء.

ويمتلك الفقيد عدة شهادات، منها شهادات من وزارة الدفاع (القوى الجوية والدفاع الجوي) في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لتفانيه وإخلاصه في تنفيذ المهام وتعزيز الجاهزية القتالية.

وكان الفقيد ضمن الحاضرين في الاجتماع الذي عُقد في 5 أبريل 2011م، بالعاصمة اليمنية صنعاء، وضم كبار الشخصيات الجنوبية مثل (الشيخ صالح فريد، والدكتور صالح باصرة، والدكتور ناصر باعوم، وعدد كبير من القيادات والكتاب الجنوبيين)؛ بهدف لم شمل الجنوبيين آنذاك، وأن يكون للجنوب صوتًا واحدًا يُمثل جميع أطياف أبناء الجنوب.

وكان للمناضل عادل حنش دورٌ بارزٌ في حرب 2015م التي شنتها ميليشيا الحوثي وأتباع صالح على الجنوب، فبعد أن كانت لهُ أدوار كبيرة بالعاصمة الجنوبية عدن برفقة عدد من قيادات الجنوب، انتقل بعدها إلى جبهة ردفان، وتحديدًا في (الحيد الأبيض) في مديرية الملاح بردفان، حيث كلف المناضل ورفيق درب الفقيد اللواء ثابت مثنى جواس، العقيد الركن عادل حنش قائد كتيبة، وأطلق اللواء جواس على الكتيبة التي شكلها بـ(كتيبة الاحتياط)، وقام باختيار العقيد الركن عادل حنش قائدًا لها، وأسندت إليه مهام تأمين جبهة (بلة) من جميع الاتجاهات بخطة عسكرية مدروسة ومحكمة.

واستمر العقيد الركن عادل حنش بالمهام المكلفة إليه، وبعد استشهاد العقيد البطل فوزي مقبل علي، استدعى اللواء جواس الفقيد عادل حنش ليقوم بتكليفه بمهمة الاستطلاع، ورفع تقارير سرية يومية عن جبهة (بلة)، واستمر الوضع على هذا خلال تلك الحرب حتى تم تحرير جبهة (بلة) من ميليشيا الحوثي وجميع جبهات ردفان والعند.

وهذا جزء من مسيرة الفقيد، وسأتحدث عما تبقى في قادم الأيام.

فرحمة الله عليك يا والدي العزيز يوم ولدت ويوم توفاك الله ويوم يبعثك الله، وأسكنك الله فسيح جناته مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين.. ورحم الله كافة المناضلين والشهداء الجنوبيين، وجميع المسلمين والمسلمات، وأسكنهم فسيح جناته، وعظم الله أجرك يا جنوب.


مباشر انجلترا واسبانيا
مشاهده مباراه انجلترا واسبانيا
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر
انجلترا ضد اسبانيا بث مباشر

شارك برأيك