آخر تحديث :الخميس 28 مارس 2024 - الساعة:17:30:09
عبدالكريم .. نبض حياة وعلم
(الامناء نت/قاسم صالح ناجي)

تحجرت الدموع وتبلدت الأحاسيس ، وأختفت مشاعر الحياة ، سلبت وقهرت كلها .. ولم يكن في الحسبان أن يأتي حدث لم يكن متوقعا ، ولا كنت اعتقد ان يكون له كل هذا البركان العنيف الذي هز اعماق النفس .. خبر وفاة أخي وصديقي البروفيسور د/ عبدالكريم اسعد قحطان في يوم الجمعة ٢٣ يوليو ٢٠٢١م باحدى مستشفيات العاصمة المصرية ، متأثرا بفيروس كورونا .. خبر كارثي لم استوعبه في وقت كانت نفسي فيه لازالت مستأنسة بالرسالة التي بعثها لي المرافق له ابنه الحبيب (وليد) يوم الخميس ٧/٢٢ يقول فيها ( الوالد اليوم تحسنت حالته ، والتنفس عنده ارتفع الى درجة فوق ال(٩٠) وان شاء الله مع مرور الوقت ستكون صحته أحسن) وهكذا تابعته عشية رحيل الدكتور ، وطلبت منه ان يبشرنا عن اي تحسن جديد كان قد طرأ على صحة الوالد .. الرد كان ظهر يوم الجمعة ، ولكنه كان يحمل لنا بشارة مغايرة قاسية وموجعة ، ليؤكد لي فيها على وجه اليقين قائلا ..( الوالد اليوم توقف قلبه عن الخفقان ..  الله يرحمه والحمدلله على ما اعطى وعلى ماأخذ ) خبر يشيب له الطفل ، اختطفه الموت بنفس المناسبة وبنفس المرض اللعين .. مثلما أختطف الموت أبنه محفوظ وشريكة حياته قبله بعام .. لم استطع تحمل وقع المصيبة ولشدة الصدمة .. ابتعدت عن الجميع ، وشعرت بشيئ يقيدني ويفقدني القدرة على استقبال الوافدين لتقديم العزاء في مجلس منتدى الفقيد الأستاذ قاسم عفيف رحمه الله القريب من منزلي .
   ولعلي بحاجة الى القول .. مع الدكتور عبدالكريم تنسى ان الموت لاينسى احدا .. معه ترى الحياة تنبض في كل شيئ .. والان نعلم انه من اولئك الذين لايموتون الأ فجأة .. ومع هذا الرحيل المفاجئ تسقط شجرة مثمرة عريقة من قلاع العلم والثقافة والأدب .
    مع ذلك فلست اريد من هذا المقال عن الراحل الكبير ، مرثية وتأبينا لرجل اكاديمي عملاق ، فليس في وسع الكلمات أن تعبر عن قدر الرجل ومكانته العلمية ، بقدر ما أسعى لأضاءة شيئ من المعالم العامة لعبقريته وتفرده ونجاحه في معترك حياته الكفاحية الطويلة ، وجهده النقدي والبحثي والأكاديمي والفكري .. حياة لم تكن مشوارا عاديا ، فالأمر كان أشد عطاء وعمقا وأصعب كفاح .. العمل الذي أمضى الفقيد الراحل سنوات منكبا عليه ، فأعتكف من أجله في صومعة عمره ، وأناره بزيت وجوده وعافيته ، وجعل كده وتعبه وكفاحه ودأبه لايكل ولا يتأفف ، وانما أجتهد وجاهد وكافح وأخلص وأبدع ، وأصبح أحد الرموز ألعلمية والأدبية الشامخة ، ومثلا وقدوة للأجيال القادمة ، سيتذكره التأريخ بما لم يذكر به احد .
 لم يكن الفقيد اكاديميا فقط ، بل كان انسانا جميلا في كل الصفات ، ورجلا زهت به كل الألقاب ، مفكرا وسياسيا محنكا ، مثقفا واديبا وشاعرا من طراز رفيع ، وناقدا وباحثا ومناقشا مبدعا ، ورجل مبادئ وقيم ، وذا كفاءة قيادية وفكرية ، يكتب بعقل السياسي الناضج ، وقلم الأديب والشاعر الناقد ، الذي اخذ البلاغة من كل جوانبها .
     فقيدنا الراحل لم يحصر فكره في برج عالي ، بل كان يتوزع على مستويات عدة منها :
1) التقييم العلمي الهادئ الرصين الذي اكتسب فيه قيمته الفكرية كأحد اهم عباقرة اللغة وفرسان الفصاحة .
٢) المواقف العملية الهادفة الى النهضة التنموية والبناء التي تعتمد على المعرفة ، وعلى التحليل العميق للظواهر في تشابكها ، او المعرفة الفعلية للأوضاع في دقائقها .
٣) التوجه الوطني والنضالي .. مثل ارتباطه بالقضية الجنوبية وبالاحداث السياسية والأجتماعية ، رمزا لوطنيته المخلصة ، وحبه الدفين لوطنه الجنوب حبا ثابتا لم يتغير ولم يتبدل ولم يتلون .. عانى من ثبات هذا الحب ماعانى ، وصارع بقلمه الحر الشامتين بجنوبه الحبيب . الى ذلك كان دكتورنا الراحل عاشقا من عشاق اللغة العربية الكبار ، وقد اجادها وتألق فيها .. اللغة التي غاص في حناياها واعماقها .. والحب هبة من عند الله تعالى يهبها لبعض من عباده الصالحين ، وهذا الرجل منحه الله هذه الهبة ، وصقل هبته الربانية بعلم غزير ، فقرر فقيدنا ان يهب كل انجازاته الأدبية والعلمية والفكرية للأنسان ، اينما كان ، فأخذ يجاوز بحلمه حدوده الوطنية ، لتمتد عبر حدوده القومية والدولية ، مجاوزا اياها كوريا الجنوبية .. نعم منحه الله حب الناس جميعهم من يعرفه ومن لايعرفه .. ونظرة واحدة لمواقع التواصل الأجتماعي بعد رحيله ، انهالت رسائل النعي وكلمات الرثاء ، حبا في الرجل والأنسان .
 احد اصحاب التعليقات على وفاته ، وصفه بالأسطورة الأكاديمية الحقيقية النادرة .. وأخر اعترف بحرصه على قراءة كتاباته والأستفادة منه في منهاجيات النقد الادبي ومقوماته .. وتعليق اخر يقول كان رجل دولة مكتمل الصفات العملية والعلمية .. واحدى التعليقات اكد انه كان يجمع بين حبه للوطن ، وحبه للعلم والناس .. واخر يقول خسر الوطن هامة اكاديمية اجتمعت فيه معظم صفات العظماء والعباقرة .. ويأتي تعليق أخر الدكتور قلب متسامح وعقل ناضج ، ويتمتع بقوة الأصرار والعزيمة على النجاح .. وناشد تعليقا اخر اطلقوا اسم اجمل قاعة دراسية بأسم الدكتور عبدالكريم ، وافعلوا ذلك ولا تستسلموا .. تعليقات كثيرة ، اكثر رثاءا ، وابلغ تعبيرا ، عن تقدير واعجاب جميع من تعرفوا على الفقيد ، وعرفوا عمق تفكيرة ورفعة اخلاقه ونبله وتواضعه الأنساني ، وسجية شجاعته الأدبية .. وقدم اعمالا حفرت لنفسها مكانة رفيعة في ذاكرة العلم .. ولو كان الفقيد في مجموعة علمية او ادبية غير عربية ، لكان من دون شك من تعقد حول ابداعاته وانجازاته البحثية والادبية ، الندوات ، ولا تغفل عن ذكره القواميس ، كلطفي جعفر أمان ، وعبدالله باذيب ، والقمندان .
  لقد خسر الوطن واللغة العربية برحيله شاعرا موهوبا ، ومثقفا بارزا ، واديبا بارعا ، وسياسيا محنكا ، وناقدا مبدعا ، وباحثا ومناقشا متميزا ، البروفيسور د/ عبدالكريم اسعد قحطان .. له الدعاء بالرحمة والمغفرة وجنات الخلد ، ولي شخصيا ولكافة اهله ابنائه وأخيه ولكل أل قحطان واصدقائه  ومحبيه ، حسن العزاء والصبر على المصاب الأليم .. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي  العظيم .
 قاسم صالح ناجي .



شارك برأيك