آخر تحديث :الاثنين 27 يناير 2025 - الساعة:16:34:37
المنظمات الإنسانية في اليمن .. فساد ممنهج واسترزاق تنموي
()

لا يعلم المواطن اليمني عن حجم المساعدات الخارجية العينية والمالية التي تأتي باسمه وباسم بلده في ظل ظروف  يتمترس فيها الفساد تحت أجندة خفية ومجهولة وخلف أقنعة وهمية وزائفة كانت حكرا لجماعة دون أخرى على مدى عقود حتى يومنا هذا , نسمع عن كثير من المساعدات الخارجية والداخلية ويظل الحال كما هو ,  حق لنا أن نتساءل  عن مصير كل تلك الملايين من الدولارات وعن الخدمات التي تقدمها تلك المنظمات كمقارنة بسيطة جدا مع تلك الإيرادات ومع ما نراه ونلامسه على أرض الواقع .

هناك فكرة رائجة بين الكثير عن مفهوم الفساد وأنه يقتصر على الحكومات فقط حيث أظهرت تقارير كثيرة عن الكم المهول من الأخلاقيات الفاسدة والتي قد تجاوزت اللامعقول لهذه المنظمات, بين ثنايا هذا التقرير نكشف في حلقاته الأولى لكل من انخدع بتلك المنظمات ونصحح مفاهيم كثيرة كانت قد انحرفت عن المفهوم الأصلي للمنظمات الإنسانية .

عمل بدون إشراف 

تتمتع جميع المنظمات الأجنبية بالحرية الكاملة والمطلقة في اليمن فلا حسيب أو رقيب يعمل على الإشراف حول عملها, هناك عقود وبنود بين المنظمات والحكومة اليمنية من خلالها يتسنى للمنظمات العمل بدون أي شروط أخرى قد تتعارض مع مبادئنا و أعارفنا , عمل المنظمات في اليمن يتخلله سرية وتحفظ كبير وسط تواطؤ حكومي وغياب واضح لأعمال الرقابة والإشراف , فهناك ما يقارب 90 منظمة حيث يفترض أن تلعب الدور المنوط بها كشريك في تحقيق العملية التنموية الشاملة , وعلى مر عمر المنظمات في اليمن لم نسمع حتى يومنا هذا عن محاسبة لمنظمة أو إيقاف بتهمة فساد أو حتى على أقل تقدير إشعار , والأسوأ من هذا كله عدم قيام المنظمات تسليم تقارير أنشطتها السنوية إلى وزارة التخطيط والتعاون الدولي فضلا عن تطاولها على أنظمة البلد .    

مساعدات  للمنظمات .

جاء في أحد التقارير الأمريكية عن مقدار الدعم الذي تتلقاه المنظمات الإنسانية والذي يقدر بمليارات الدولارات حيث كشف التقرير عن كم المساعدات الفعلية التي قد تصل إلى الجهة المستهدفة والتي تقدر بـ 30% فقط !!! و 70% يذهب إلى جهات مجهولة , فالكثير من المشاريع الممولة من أصحاب رؤوس الأموال لا تشكل فارق بالنسبة  للجهة المنكوبة فغالبية المنظمات تسخر بنود ميزانياتها التشغيلية في بدل السفر وأجور موظفيها الأجانب , حيث يبلغ مرتب الموظف العادي قرابة 1500 $ كحد متوسط  إضافة إلى بدلات السفر وميزانيات أخرى اختزلت مجمل الدعم المقدم من قبل المانحين, حيث أصبح من الشائع لدينا أن كل من كتب له أن يعمل في أحد المنظمات أن أبواب الرزق العشرة قد فتحت له وذلك برهان آخر وإيحاء لما قد يحظى به من ترف على حساب مساعدات لم تكن في يوم من الأيام حكرا لمنظمة.

طرق الحصول على الدعم

مصائب قوم عند قوم فوائد , تقوم المنظمات بزيارة أولية للمناطق المستهدفة حيث تختار أبرز مصوريها كي يأخذ عدة صورة منتقاة ويتم اختيار الأشد بؤسا منها والتي تحرك العواطف وتجيش المشاعر لدى المانحين وهكذا يتم الإدرار والحلب , هذه طريقة مبتكرة وحديثة ناهيك عن الدعم المخصص لكبرى المنظمات في اليمن من الحكومة الأمريكية وغيرها من الدول والتي تدور حولها الكثير من الشكوك عن مغزى وجودها حينما كانت المساعدات التي تقدمها تكاد تكون لا شيء مقارنة بالدعم الذي تتلقاه , تقول أم علي " أنتظر الدعم من أحد المنظمات والذي يتمثل في كيس قمح إضافة إلى عبوة زيت ومواد تنظيف كل ثلاثة أشهر لا تكفيني أنا وأولادي الخمسة لكن أفضل من لا شيء "  أم علي لا تعلم كم يروج عن حالها وحال الكثير من أمثالها في الخارج حتى تستقدم الأموال ويتم توزيعها بطريقة تخالف الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية , وخلال عدد من اللقاءات التي تم رصدها بينت عدم الرضا عن غالبية المنظمات الأجنبية والمحلية في ظل تواطؤ وإهمال حكومي واضح الأمر الذي خلق أجواء من السخط في أوساط العامة.

طبيعة المساعدات

 لا تتمثل الكارثة في أن مجمل المنظمات تنصيرية  تبشيرية بل إن المصيبة الحقيقية في عدم وجود هيئة يمنية تشرف على عمل المنظمات والذي يكشف عن غياب أي إشراف حكومي والذي اكتفى بالمشاهدة , المساعدات الإنسانية في الغالب تتمثل في ترميم بعض فصول المدارس المبنية أصلا وتوفير بعض الحاجيات الضرورية  وبطانيات وفرش ينتهي بها المطاف في نهاية الأمر في الأسواق لعدم احتياج المواطن الملح والذي يبين عدم دراسة الوضع بشكل مفصل وأمين , ومعظم أوقات المنظمات يذهب في أمور بدائية لا تستحق العناء كالمحاضرات الصحية والتوعوية عن غسل اليدين وختان الإناث وغيرها , هذه الأشياء البسيطة تصرف عليها ملايين الدولارات دون رقيب أو حسيب , حيث يتم استقطاع حقوق العاملين في المنظمات من رأس المال الممنوح ولكن ليس استقطاعا عاديا , فإذا ما اختلست هذه المنظمات جميع الدعم وصرفته في حسابها الشخصي -على الرغم من أنها تعد أموال يمنية- وادعت تنفيذها في مشروع ما , فباستطاعتها ذلك لأنه لا يوجد من يتابع أو يحاسب .

مدى الاستفادة من المنظمات

السؤال المنطقي هنا هو هل استفدنا من وجود المنظمات بكافة أشكالها ؟  الجواب المنطقي هو أنا لم نستفد شيئا منها , وذلك لأن الاستفادة غالبا ما تكون بشكل فردي , فقد استفاد الأفراد أكثر من البلد , فالمشكلة تكمن في التعامل مع هذه المنظمات سواء على الصعيد الحكومي أو المجتمعي الأهلي على الأنانية الفردية وعلى التعامل الفردي دون التفكير بجوهر الفكرة التي من أجلها كان المشروع والدعم , يظل المواطن في عزلة قامت على أسس ومنافع شخصية همها تسويق احتياجات الناس لدى المنظمات والمانحين والإطلال بالوجه الحنون حتى يستميل القلوب والجيوب دون أن يكون هناك وازع إيماني أو ديني , الاستفادة تتبلور في سؤال بسيط وهو ماذا قدمت المنظمات الأجنبية والمحلية إلى يومنا هذا ؟ وكم هي المدة التي عملت فيها المنظمات ؟ وهل بمقدور منظمة أن تفصح عن الدعم الذي تتلقاه سنويا وتقارنه بالمشاريع المقامة ؟   أسئلة نتمنى أن نسمع أو نقرأ لها ولو الشيء اليسير .

طبيعة تواجد المنظمات

وجود المنظمات الإنسانية أمر محمود حينما تتظافر الجهود ويكون هناك تطورا ملحوظا على الصعيد الخدماتي نلمسه على أرض الواقع , لكن الأمر الذي يدعو لتساؤل هو اكتفاء المنظمات بمشاريع تنموية في أغلب الأحيان لا تمثل أي أهمية للمواطن على الرقم من المساعدات الكبيرة التي تتلقاها , إحدى المنظمات المعروفة في اليمن تلقت ما يقارب سبعة مليون دولار خلال العام 2013 وقد كان هذا الدعم مخصص لمدينة عدن فقط ! ناهيك عن الدعم المقدم للمحافظات الأخرى , أجريت اتصالات بالجمعيات وسألت عن المشاريع المقدمة من قبل المنظمة فكانت المشاريع تقتصر حول التوعية من أخطار الأمراض كالإيدز وغيرها من الأمراض إضافة إلى مشاريع مياه الشرب في المدارس , أحصينا المدارس والمراكز التي تم فيها التوعية بالأمراض فوجدناها محدودة العدد , تساءلنا هل يعقل أن يكون ثمن برادات المياه وورش العمل قد كلفت المنظمة مبلغا ضخما يوازي السبعة ملايين دولار ! أم أن تلك الأموال كانت صدقة خفية وصلت إلى أعتاب الأبواب دون علم أحد . شيء يدعو للاستغراب ووضع ألف وألف علامة سؤال حول طبيعة هذه المنظمات .

سوء التخطيط

الدعم الذي تقدمه المنظمات يفتقر إلى التخطيط للمدى البعيد , فمجرد أن تكون هناك أزمة في مكان ما ترى المنظمات تتسابق في تقديم الدعم حتى وإن كانت هناك تقارير قد ترفق أحيانا لكن ما طبيعة هذا الدعم ؟ يتمثل الدعم بشكل عام في مواد غذائية وخيم  صرفت عليها الملايين وسط فرحة المنظمات بتحقيق هدف المساعدة في حين أنها غفلت عن موضوع غاية في الأهمية وهو لماذا لا يتركز الدعم على مشاريع والتي من خلالها يكون المواطن مكتفيا من المساعدات الأخرى , تعود المواطن على الإتكالية على فتات تقدمه المنظمات , يقول البعض إن استخدام المنظمات هكذا دعم يعمل على تواصل عمل المنظمات الذي يعني استمرار تدفق الدعم الخارجي والداخلي .

دعم الجهات الحكومية

يرجع البعض دعم المنظمات الأجنبية لبعض الجهات الحكومية والتربية إلى بناء علاقة وجسر تواصل من خلاله يستطيع كل طرف نيل مآربه الخاصة وبطاقة تصريح لمزاولة المهنة دون قيد أو شرط , إن كان هناك دعم فعلي تقدمه المنظمات لجهات حكومية فهو أمر اعتباطي من المنظور التنموي حيث تتواجد المئات من المراكز المجتمعية التي تعد الأكثر نزاهة من الجهات الحكومية في نظر المواطن والأسرع في تنفيذ البرامج والمشاريع وهو شيء معلوم لدى جميع المنظمات لكن يظل لغزا محيرا بعض الشيء , ومن الناحية الاقتصادية فالدعم الذي تقدمه المنظمات عن طريق المكاتب (الحكومية ) يتطلب عمالة إضافية لتنفيذ المشروع خلافا للمنظمات حيث تمتلك عمالها وهكذا يكون مقدار المساعدة الفعلية محدودة جدا , بسبب تضخم العمالة .

ستار الاغاثة

كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز دراسات الهجرة واللاجئين بجامعة صنعاء، أن كثيراً من المنظمات الدولية تدخل البلاد تحت ستار الإغاثة ومساعدة اللاجئين وسرعان ما يتطور عملها ليخدم أجندات ومصالح وأهدافاً غير التي جاءت من أجلها..
واعتبرت دراسة “دور المفوضية السامية للأمم المتحدة في رعاية اللاجئين – دراسة حالة لاجئي القرن الأفريقي في اليمن للفترة 1990 – 2010م”، في استنتاجها عن ذلك التحول في أهداف ومهام بعض المنظمات أن “جزءاً من عملها يحمل طابعاً سياسياً والمفوضية واحدة من تلك المنظمات التي تتعرض بالتأكيد لضغوط خارجية سواء من الدول المانحة أو دول أخرى ما يجعل عملها يرتبط بالجانبين الإنساني والسياسي”، وقالت الدراسة، وهي للباحثة وجدان الدفاعي، إن “عدم إعطاء المعلومة والتكتم عليها والسرية في العمل يدل على أن المفوضية تقوم بعمل آخر يختلف عن العمل والمهام التي أنشئت من أجلها”.
وترى في تعزيز لاستنتاجها أن “عدم السماح لموظفي المفوضية بإعطاء المعلومات بحرية وشفافية يدل على أن العمل ليس إنسانياً 100 بالمائة ويحتمل أن يكون ذا طابع إنساني” حد توصيفها. وأكدت الدراسة،  ما تعتبرها مهددات على أمن البلاد بفعل التسلل المحتمل باسم اللجوء للإرهابيين وناقلي الأمراض مع ضعف دور الدولة في تحديد المقبولين والمرفوضين منهم وتقاسم المهمة “السيادية” مع المفوضية الأممية للاجئين.

صحيفة الامناء
 

 




شارك برأيك