آخر تحديث :الاثنين 21 ابريل 2025 - الساعة:00:52:39
زيارة شِعْب نبي الله هود... وقائعها وأحداثها لحظة بلحظة (2)
()

 

السادس من شعبان انطلاق الزوار على ظهور الجمال والدخول إليه فجر اليوم الثامنالذهاب إلى الزيارة على ظهور الجمال تقليداً قديماً لا يزال العديد من سكان المنطقة يحرصون عليه على طريقة أسلافهم تعود أهالي حضرموت منذ القدم على إقامة أنواع مختلفة من الاحتفالات ذات التجمعات البشرية وذات الطابع الديني و الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حول أضرحة الأنبياء و أبرز العلماء المصلحين الاجتماعيين .

 ويطلق على هذه التجمعات اسم ((الزيارة)) وهي موسم سنوي تقليدي يقام في عدة مناطق من حضرموت وغيرها التي تشهد وما زالت مجموعة من الفعاليات وتقام فيها أكثر من((13)) زيارة ، ولكل من هذه الزيارات أحاديث وحكايات شيقة وممتعة توارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم ، وتعد الترتيبات اللازمة لإنجاح كل زيارة وفعالياتها المختلفة ولعل زيارة قبر النبي هود عليه السلام أهم تلك الزيارات القديمة والشهيرة في حضرموت والعالم  من حيث الترتيب والإعداد والزوار .

وهي الزيارة التي أقيمت فعالياتها مؤخراً حسب ما هو معتاد سنوياً عن إقامتها في شهر شعبان من كل عام .... وشهدت هذا العام حضوراً بشرياً هائلاً وأول من نوعه شكل تجمعاً بشرياً كبيراً قوامه قارب المائة وخمسون ألف زائر من مختلف أنحاء اليمن والعالم برغم الظروف السياسية التي تمر بها اليمن في هذه الفترة .

ومشهد كبير ومذهل مثل هذا يعد أحد التجمعات الكبيرة التي تلتقي فيها القلوب متوجهة لربها علام الغيوب كما يعد مؤتمر إسلامي عالمي يجمع عشرات العلماء والدعاة وطلاب العلم  ، إضافة إلى ما تحمله هذه الزيارة من تواد اجتماعي ونشاط  اقتصادي وثقافي ودعوي.

وزيارة نبي الله هود زيارة  لها قصتها وطقوسها وحكايتها الشيقة والممتعة والخاصة وترتيباتها المتميزة المتناغمة مع جو إيماني وروحاني راقٍ.

((الأمناء))  عاشت وقائعها وأحداثها ... وعاشتِ الحدثَ لحظةً بلحظة وخطوةً بخطوة وشهدت سير الحياة في تلك القرية من الشِعْب.. ورصدت لكم فعاليات تلك اللحظات الروحانية الرائعة في زيارة قبر النبي هود ... فتابعوا حصيلة ما تم رصده لكم (( الحلقة الثانية)) في هذا التحقيق في السطور التالية.

التهيئة لموسم الزيارة :-

يجري أولاً الإعداد للزيارة بحيث الوعاظ للناس في المساجد منذ شهر جمادى الثاني على زيارة نبي الله هود ويستمر إعلام الناس في مجالس الوعظ الأسبوعية والليلية وتتلى القصائد المحبذة للزيارة مثل " يا زائرين النبي " و" يا نبي الله جئنا إليك " وتعتبر ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة إشهار الزيارة أو الدعوة إلى الزيارة ، ويعتبرها الحاضرون والمرتجون ليلة سعد فيرددون " يا ليلة السعد عودي " ، فيما يرحل العمال المندوبون قبل الزيارة لتجهيز المنازل و " الخدور " لاستقبال الزوار .       

 وتبدأ عملية التهيئة الفعلية والإعداد للزيارة من هذه الليلة ليلة السابع والعشرين من شهر رجب الفضيل ((ليلة الإسراء والمعراج)) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حيث أن أهالي تريم ومناطق وادي حضرموت المختلفة  يقومون عقب خروجهم من المساجد بعد احتفالهم ((بليلة الإسراء والمعراج)) بأداء عادة الرزيح التراثية ((الخويب)) ، وهي مجموعة من الأراجيز الشعرية المتضمنة ذكر الله تعالى وذكر شيء من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تقام في الساحات العامة أمام المساجد ويشارك فيها العديد من المواطنين ، يتقدمهم العلماء والشخصيات الاجتماعية ، يعبرون عن فرحتهم وابتهاجهم واحتفائهم بقدوم زيارة نبي الله هود عليه السلام ويرددون بعض الأبيات الجميلة مثل :-

من زار النبي فائدة ما هي خسارة ÷÷÷ سفيه العقل اللي بايبطل في الزيارة .

 التحضير للزيارة:-

يحرص الآلاف من المسلمين في جميع أنحاء العالم على حضور زيارة النبي هود قاطعين مسافات كبيرة ومتكبدين تكاليف الانتقال الضخمة في مطلع شهر شعبان من كل عام ، وخصوصاً مسلمي شرق آسيا اندونيسيا وماليزيا وغيرها الذين بلغ تعدادهم أكثر من مائة وخمسون ألف زائر هذا العام ، حيث يتوجه القادمون من خارج البلاد إلى مدينة تريم التاريخية بحضرموت تأهباً للانتقال إلى شعب النبي بواسطة الباصات والسيارات المختلفة ، وتدب الحركة في شوارع المدينة لتجهيز المواكب والاستعداد للزيارة ، ويستعد كذلك العديد من الباعة بتحميل بضائعهم المتنوعة على السيارات ونقلها إلى الشعب لتكوين ما يشبه السوق المصغر الذي لا يخلو تقريباً من أي سلعة أو خدمة قد يحتاجها –أو لا يحتاجها- الزوار .وتعد زيارة الشعب على ظهور الجمال تقليداً قديماً لا يزال العديد من سكان المنطقة يحرصون على أدائه على طريقة أسلافهم ، فيبادر مجموعة من الشباب إلى تجهيز الجمال ((الهجن)) أو ما تسمى بالـ ((الرِكاب)) في مجموعها وذلك بتخضيبها بالحناء وكتابة عبارات الاستعانة بالله على ظهورها .ويذكر أن بلـدة تريم وأهلها هم الأصل في الزيارة ، ولذا فإن عوائد الزيارة وترتيبها مرتبط بأهل تريم ثم يأتي دور بقية المدن مثل سيئون وغيرها.

انطلاق الزائرين إلى شعب نبي الله هود عليه السلام:-

يختلف الزائرون في توافدهم إلى شعب نبي الله هود ، فمنهم من يذهب قبل الزيارة بأسبوع ومنهم يذهب قبلها بيوم أو يومين، إلا أن هناك يوم محدد يعرف بيوم الانطلاق إلى الزيارة يحدد باليوم السابع من شهر شعبان من كل سنة بالنسبة لكل الزوار فيما يكون اليوم السادس من شعبان بالنسبة لأصحاب الجمال .

يأتي الزائرون من حضرموت ومختلف مناطق المحافظات الجنوبية وعموم مناطق اليمن ومختلف الدول العربية والإسلامية وشرق آسيا والقرن الإفريقي وأوروبا وأمريكا وأستراليا .        

 تهيئة الجمال وموكب الخويب :- 

يتم تهيئة الجمال وإعدادها قبل مدة من الزيارة من خلال تدريبها على خط السير وطريقة انطلاقها في أوقات السباق ، وعملية جلوسها وتجهيزها وطلوع  الهجان عليها وانطلاقها بعد ركوبه عليها .

حيث يقوم الهجانة قبل عملية الانطلاق بيوم واحد بتزيينها وتخضيبها بالحناء من خلال كتابة عبارات من الأدعية والأذكار والأبيات الشعرية المعبرة عن مناسبة الزيارة على ظهورها وأجزاء أجسامها المختلفة والرسم والنقش عليها ، ثم يقومون بإحضار الشرخ (الهودج) ((وهو كرسي مصنوع من الخشب الأصلي المغطى بجلود الحيوانات والذي يصنع خصيصاً لوضعه على ظهور الجمال لجلوس الهجان عليه)) وتركيبه ووضعه على ظهر الجمل ومعرفة مدى تناسبه معه ومقاساته وضبط أطراف تثبيته وربطه بظهر الجمل بعد وضع البطانيات والمخدات عليه وتضبط مواقع جلوس الهجان عليه .

وبعدها يأخذ كل هجان جمله معه للمبيت تحت منزله وفي الصباح تنظم احتفالات تراثية رائعة بمناسبة انطلاق الزوار على ظهور الجمال تبدأ في الصباح الباكر من نفس يوم الانطلاقة من ساحة مسجد باعلوي بتريم حيث يقع منزل منصب أسرة السادة آل حامد العلوية ويتم توديعهم رسمياً من قبل أهالي تريم ومناطق حضرموت ، حيث يتم التجمع من قبل أصحاب الجمال في ساحة مسجد باعلوي بحضور جموع جماهيرية غفيرة من المواطنين وبعد اكتمال عددهم يتحرك موكب الجمال دون ركوب الأشخاص ويتقدم ذلك الموكب ((الخويب)) وهي ألعاب الرزيح و الزوامل الشعبية الذي يردد المشاركون فيها الأهازيج التراثية الجميلة وتستمر مسيرة الموكب حتى على مشارف مخرج منطقة المجف حوالي ((2 كم)) وبعدها يتم ركوب الأشخاص الهجانة على الجمال ويبدؤون موكب رحلتهم إلى شعب نبي الله هود عليه السلام .

وخلال الرحلة تستمر تلك الاحتفالات و الزوامل ترافقهم عند دخولهم للقرى والمناطق الواقعة على طريق مسار الرحلة بموجب ما تقتضيه العادات والتقاليد المتعارف عليها ، حيث يتم في ظهر نفس اليوم استقبال موكب الجمال من قبل الأهالي في كلٍ من منطقة عينات وقسم، وتجري في هذه المناطق سباقات للهجن كما يقوم الموكب بزيارة منصب السادة آل الشيخ أبوبكر بن سالم بعينات وبعدها يتوجهون إلى منطقة الخون ويقضون فيها ليلتهم حتى الصباح .

وفي صباح اليوم الثاني السابع من شعبان يواصلون الرحلة إلى منطقة السوم حيث يتم استقبالهم فيها من قبل الأهالي ويقام لهم فيها سباق أيضاً ومن ثم يتوجهون إلى منطقة فغمة على مشارف مداخلها ويتناولون وجبة الغداء فيها ، وفي العصر يتحركون إلى وسط المنطقة ويتم استقبالهم من قبل أهالي منطقة فغمة في الساحة العامة ويقام فيها سباق للهجن ((العادة)) أيضاً ومن ثم يتوجهون إلى منطقة المخيبية للمبيت فيها إلى الصباح طلباً للراحة من وعثاء السفر.

وفي صباح اليوم الثالث للرحلة الثامن من شعبان يدخل الموكب في الصباح الباكر إلى منطقة شعب النبي هود عليه السلام .

وعن ذلك تحدث لصحيفة ((الأمناء)) مقادمة خبر الجمال الخمس ((جماعات الركاب ((الهجن)) الخمس)) وقالوا :- إنهم يمارسون هذه العادة التراثية منذ الثمانينات بعد استئناف الزيارة ورفع التوقيف الذي تم إبان بداية الحكم الشمولي للفترة من عام 1972م وحتى عام 1978م  ، وهي في الأساس عادة تراثية قديمة جداً في تريم وتتم ممارستها منذ أكثر من ثمانمائة وخمسين سنة ولذلك فهم يواصلون مسيرة الآباء والأجداد ويسيرون على نهجهم .

وأضافوا في إطار أحاديثهم قائلين :- أن تكاليف هذه العملية يتحملون نفقاتها على حسابهم الخاص وقد قام البعض منهم بشراء بعض الجمال بمبلغ يقدر بـ((ثلاثمائة وخمسون ألف ريال)) للجمل الواحد فيما بعضهم الآخر يقوم باستئجار الجمال بمبلغ ((سبعون ألف ريال)) إيجار الجمل الواحد مدة أيام الزيارة ، كما يتحمل كل واحد منهم خلال مدة أيام الزيارة مبلغ قدره((ثلاثون ألف ريال)) نفقات للرحلة والمأكل والمشرب وهدايا الزيارة.

 ونوه مقادمة خبرة ((جماعة)) الجمال إلى أن الدولة ممثلة بقيادة السلطة المحلية بالمحافظة والوادي وقيادة الأحزاب المختلفة ومكاتب الشباب والرياضة والثقافة لا يقدمون لهم أي دعم ولا يتحملون تكاليف هذه العادة التراثية والتاريخية الجميلة والعريقة ..

وأفادوا ((الأمناء)) بالقول :- إننا عازمون ومصرون على الاستمرار في هذه العادة سواء أقامت الدولة والسلطة والجهات المعنية بواجباتها ومسؤولياتها تجاه تراثنا وتاريخنا وقدمت دعمها لنا أم لا فإننا عاقدوا العزم وعلى أتم الاستعداد لمواصلة هذا المشوار ولو اضطررنا لبيع منازلنا فداءً لإحياء تراث وتاريخ الآباء والأجداد تكريماً وعرفاناً و وفاءً وتقديراً لدورهم الريادي والتاريخي والتراثي .

 




شارك برأيك