آخر تحديث :الخميس 30 يناير 2025 - الساعة:00:45:47
آخر الأخبار
لماذا سعت سلطنة عُمان وقطر إلى تفكيك مجلس التعاون الخليجي؟
(الأمناء/ د. يحيى مولى الدويلة :)

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل عدة شهور خبر وفاة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ولكن سرعان ما كان يتم تكذيب الخبر وإن لم تؤكد نفيه بإثبات ظهوره على وسائل الإعلام وإن كان يرجح أن يكون مرض سرطان القولون قد أقعده فترة طويلة ومنعه من تأدية مهامه السلطانية.

وهناك اعتقاد إن أمر انتقال السلطة قد تمت مناقشته لفترة طويلة ولكن يبدو أن مجلس العائلة والمكون من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية وممثلي مجلس الدولة والشورى والمحكمة العليا قد عجز عن اختيار اسم السلطان والتوافق عليه.

وحسب مقابله للسلطان قابوس نفسه عام 1997م أجراها في مجلة الفورن افيزر الأمريكية قال إنه قام بتسمية اسمين بترتيب تنازلي ووضعهما في مظروفين مغلقين في مكانيين مختلفين وذلك تحسباً لفقدان الأول بعد وفاته. وقد تم اختيار ابن عمه "هيثم" بالرغم من وجود مرشحين أقويا هما أسعد بن طارق آل سعيد والذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء لشئون التعاون الدولي (2017) والآخر شهاب بن طارق آل سعيد مستشار السلطان الوثيق والرئيس السابق للبحرية الملكية. وأي كانت الحقيقة فإن كثير من وسائل الإعلام أكدت بإن انتقال السلطة إلى يد هيثم كان سلساً والكل اليوم في انتظار مدى قدرة السلطان الجديد في الحفاظ على سياسة الحياد والنأي عن النفس التي أتبعها السلطان قابوس رحمة الله عليه.

 

لم يبق من المذهب الأباضي غير اسمه ومصالح الطائفة الأباضية: 

الدين الرسمي للدولة العُمانية هو المذهب الأباضي ولا يسمح للسنة مناقشة تفاصيل مذهبهم عبر وسائل الإعلام والسلطنة لا تنشئ مساجد للسنة ولا تعطي رواتب لائمة مساجدهم التي ينشئونها وتنهج الحكومة العُمانية اسلوب الحذر مع الحكومات السنية المحيطة بها خوفاً من دعمها لانتفاضة سنية في بلادهم. والمذهب الأباضي يعتقد بأن القرآن الكريم ليس كلام الله المُنزَّل بل هو كلام مخلوق على لسان الرسول (ص)، كما لا يعتقدون بإثبات الاسماء والصفات لله عزوجل ويأخذون بالمجاز في القرآن أكثر من الحقيقة، ولا يمكن لأي أباضي أن يصلي معنا أو خلفنا فنحن بالنسبة لهم كفار كما لا يجوز قول آمين بصوت مرتفع ولهم تسليمة واحدة ويعقب الصلاة كثير من الأدعية الجماعية. والطريف إن عوامهم لا يعلمون بتفاصيل مذهبهم فلو سألت أحدهم بإن علماءكم يقولون إن القرآن ليس كلام الله لقال لك أعود بالله.. كيف هذا، وهذا يعني أن المذهب الأباضي لم يبق له غير اسمه فقد جرى تكييفه لضرورات السياسة ومصالح الطائفة الأباضية الحاكمة خصوصاً بعد هيمنته في منتصف القرن العشرين وتحديداً بعد اكتشاف النفط والغاز في المناطق الداخلية من عُمان وبعد القضاء على التمرد السني المدعوم من السعودية فلم تعد هناك حاجة لتكريس وفرض تعقيدات المذهب على عامة الناس وخصوصاً في المناطق الجنوبية السنية.

 

كيف كان انقلاب الابن على والده؟ وما هو الدور البريطاني في تحسين الأداء الإداري والمالي؟

 

كان السلطان سعيد بن تيمور مقاوماً ورافضاً لأي تحديث لدرجة أنه كان يعترض على وجود البنوك الأجنبية وكان يفضل ادخار أمواله في منزله وبذلك بنى جداراً من العزلة بين السلطنة والعالم ومع ثورة الظفاريين تعرض لعملية اغتيال فاشلة، وفي 1970م أطاح به المواليين لابنه وتم خلعه في انقلاب أبيض وبمساندة من بريطانيا والأردن ونُصِّب قابوس سلطاناً وتم نفيه في لندن حتى جاءته المنية في 9 اكتوبر 1972. وتولى الابن الشاب حكم السلطنة وكان يحلم بأن تكون مسقط مثل عدن الذي درس فيها في مراحله الأولى. ونجح عبر عقود حكمه الطويلة تحويل عًمان من دولة فقيرة إلى دوله حديثة ذات بنية تحتية متطورة وساعده في ذلك عائدات النفط والغاز. وتشير مراجع كثيرة إلى أن هذه الطفرة أدت إلى انخفاض معدات الأمية وارتفاع متوسط الأعمار في البلاد إلى 76 عاما بفضل تحسين مستوى الرعاية الصحية. كان لبريطانيا دوراً كبيراً في تثبيت آلية نظام مالي صارم خالي من الفساد، فقد تولى البريطانيون منذ البداية إدارة مفاصل الدولة من وزارات وقيادات عسكرية وغيرها وكان العُمانيون متدربين تحت اشرافهم، وبعد مرور عشرون عاماً تقريباً تم تسليم هذه الادارة للعُمانيين أنفسهم لكن تحت الرقابة البريطانية وإشرافها تحت مسمى أنهم خبراء وتعد السلطنة في مقدمة الدول في قلة الفساد.

 

ما هي أسباب القطيعة التي كانت بين السلطنة والنظام الجنوبي؟

 

كان السلطان قابوس يجمع جميع السلطات التنفيذية حيث تولى مناصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والمالية وقائداً للجيش حتى إدارة البنك المركزي كما تولى أيضاً وزارة الخارجية في معظم الاوقات في حين حظي بقية أفراد العائلة المالكة بمناصب هامشية. في نهاية الستينات اندلع التمرد والثورة الظفارية عليه بدعم من الاتحاد السوفييتي ونظام عبد الناصر ونظام القذافي واليمن الجنوبي لدرجة إن الأخيرة خصصت برنامجاً إذاعياً يومياً تدعو الجماهير العُمانية للثورة والتمرد على السلطنة، لكن السلطنة استطاعت كبح التمرد بكل قوة مستعينة بالتدخل العسكري المباشر لشاه أيران، لكن القطيعة بين السلطنة والنظام الاشتراكي الجنوبي الذي استمر في دعم المعارضة في الخارج من عام 1967 وحتى 1981م، إلى أن أدرك النظام الجنوبي بعدم جدوى تصدير الثورة، كما أدركت قوى الثورة العُمانية أن الحليف الجنوبي يتهاوى ولا يستطيع حتى مساعدة نفسه.  في الوقت نفسه نجح السلطان قابوس في كبح جميع أشكال المعارضة السياسية والاجتماعية وهذا يعود إلى إتباعه الحد الأدنى من القمع بفضل الميزانية القوية التي منحتها الحكومة لمواطنيها وكذلك غياب التوترات الطائفية. وقد استدعى السلطان قابوس المعارضة في الخارج وأعطى لهم بعض المناصب وشراكة نسبية في السلطة التنفيذية مما خفف الصراع السياسي على السلطة.

 

لماذا سعت سلطنة عُمان وقطر إلى تفكيك مجلس التعاون الخليجي؟

 

بالرغم من أن السلطنة كانت عضواً مؤسساً لمجلس التعاون الخليجي، إلا إنها لم تكن راضية عن معظم سياساته، فقد اعتبرت أنه يفرض قيوداً على استقلالها السياسي فقد رفضت مشروع العملة الخليجية الموحدة وهددت بالانسحاب من المجلس إذا ما اتخذ المجلس قراراً بتحويله رسمياً إلى اتحاد. كما رفضت الانحياز إلى حصار قطر عام 2017 وقيامها بتوفير طرق بحرية بديلة. إذن لماذا كانت السلطنة وقطر عائقاً وراء مشاريع المجلس في تحقيق أهدافه فهي بذلك تعمل على افراغه من محتواه بل تفكيكه وتدميره. ومما زاد الأمر تعقيداً هو رفض السلطنة الانضمام للتحالف العربي في حربها في اليمن التي تقودها السعودية وأيضاً خروج قطر من التحالف. هل لهذا الابتعاد علاقة بسياسة الحياد والنأي بالنفس، إذا كان الأمر كذلك لماذا حدث تقارباً في سياستها مع أيران وتركيا وقطر وأعطت تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة، بل إنها استقبلت رئيس وزراء إسرائيل ناتنياهو علناً، كما إن السلطنة أصبحت قبلة الحوثيين والإخوان وهم ألد أعداء التحالف العربي، كل تلك المتغيرات في سياستها الخارجية في الفترة الأخيرة الا يدل على مواقفها المنحازة إلى التحالف المعادي للمشروع القومي العربي.

 

سياسة الحياد والنأي عن النفس في مهب الريح:

لم تؤيد سلطنة عُمان دول التحالف العربي في حربها على الحوثيين ولكنها بسبب الاستقطاب الإقليمي بين السعودية وإيران سلكت السلطنة سياسة مداهنة مع أيران بل إنها احتضنت جماعة الحوثي العدو اللدود للسعودية، والتي أصبحت رئة تتنفس من خلالها، ليس هذا فحسب بل إن السعودية والإمارات وجهت اتهاماً صريحاً وخطيراً للسلطنة بأنها تقوم بتهريب الأسلحة للحوثيين فأقامت نقاط تفتيش على طول الحدود اليمنية العُمانية وقامت بإغلاق المعابر بين اليمن وعُمان وتعزيز تواجدها العسكري في المهرة المجاورة لمسقط بنشر 2500 جندي قرب الحدود العُمانية. كما قامت الإمارات بالسيطرة على جزيرة سقطرى والمكلا وعدن وبمشاركة القوى التابعة للمجلس الانتقالي، إضافة لتواجدها العسكري في الصومال وإرتيريا حتى تتحكم بمعابر التجارة عبر البحر الأحمر وبحر العرب ما يمكنها من الرد على التحركات العُمانية وخنقها استراتيجياً. وعندما أدركت السلطنة إن السعودية والإمارات قد تحركت بجدية تجاه تحركات السلطنة فقامت بإصدار مرسوماً يحضر غير العُمانيين من امتلاك الأراضي والعقارات في المناطق الاستراتيجية مثل البريمي ومسندم وظفار وغيرها في محاولة لوقف الزخم الإماراتي في هذه المناطق وفي وقت لاحق أعلنت مسقط القبض على شبكة تجسس تعمل لصالح أبو ظبي. وكرد فعل للإمارات قامت بالتضييق على الشركات العُمانية العاملة في البلدين والضغط عليها لسحب استثماراتها من مسقط وتجميد التحويلات النقدية.

إذن نحن أمام حرب ضروس غير معلنة بين السلطنة من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.

فهل نستطيع القول إن هناك حياداً في سياسة السلطنة في الوقت الراهن. وهل سيواصل السلطان الجديد سياسة الراحل السلطان قابوس أم إنها ستدخل في مغامرة جيوسياسية مجهولة النتائج.




شارك برأيك