
لـم يكن هـو الأول ولا الأخيـر، فأمثاله كثيرون ممن سـالت دمــاؤهم واستبسلـوا بكـل شجـاعة للدفاع عن وطنهم بكل ما "أوتــوا" مـن قوة لتطهير ترابه من دنس الشـر والأيـادي العابثة، ولكن للأسف فـالبعض تعفنت جراحهم وتحـولت إلى أمـراض خبيثة والبعض بُترت أطـرافهم رغـم إصــاباتهم البسيطة، والبعـض مــا زال يعاني من ويلات الألم الناتج عن تلك الجراح، كل هذا بسبب الإهمال واللامسوؤلية من قبل الجهات المعنية.
عبـدالــرحمن بــن مـرشد السعيدي أحد أبطال المقـاومة الجنوبية التي قاتلت الميليشيـات الحوثية، ثم التحق بعدهـا بقـوات الأحزمة الأمنية التي كُلفت بتطهيــر عـــدن والمحــــافظــات المجاورة من قوى الشــر والإرهــاب، أدى واجبه بكل شجاعة وبسالة، لم يفكر بالمـوت يومـــاً، كان كل همه تطهير بلاده لتصبح آمنة مطمئنة خالية من الإرهاب يعيش المواطن فيها حياة مطمئنة خالية من الخوف والذعر.
في أحـــد الأيام وهو يقوم بواجبه رمت عليه قنبلة من قبل عناصر إرهابية أدت إلى إصـــابته إصــابات بليغة في الأرجل، تمزقت العضلات وتقطعت الألياف العصبية، نقل على إثــرهــا إلى مستشفى أطبــاء بلا حدود وهناك بدأ الأطباء بعلاجه.
قـرر الأطبــاء أولاً بتــر رجله ولكنه رفض وأبى أن يعيش بقية حياته معاقًا، بعدها بذل الأطباء جهدهم لإنقاذ رجله من البتر والحمد لله وبعـون الله تجاوز هــــذا، ولكـن لــم يتعــافَ بشكل كــامــل فقد فَقَدَ الإحســــاس ببعض المنـاطق من رجله بسبب تمزق الأعصـــاب وتبقت شظايا لــم يتمكن الأطباء من إخراجها، هذه بدورهـا سببت له التهــابات مزمنة لم تنفع معها كـــل المضــــادات الحيوية ولم يفيده أي علاج في المستشفيات المحلية، حيث ناشد الأطباء بضرورة نقله للخارج وإجـــراء التدخلات الجراحية اللازمة مــن قبــل مختصين قبــل أن تفـــاقم المشكلة وتطورها إلى مرض قد يؤدي إلى بتر رجله لا سمح الله ونتمنى من الله تجنيبه ما نخشاه.
رغم وجود مكاتب الجرحى التي تتبع قوات التحالف العربي والتي بدورها تسهّل نقل الجرحى إلى الخــارج تقدم المذكــور بملفه وتقــاريــره إلى مكتب الجـرحى عدة مــرات ولكن للأسف لــم يتجاوب معه أحد ولا يملك مـــــا يكفي من المـــال لعلاج نفسه على نفقته الخاصة.
ما هذا التمييز بين الجرحى؟ علمــاً بأننا نلاحظ حالات يتم نقلها إلى الخارج بحجة العلاج وما شابهه، وهي في الحقيقة لا تحتاج كل هذا، فهناك حــالات أخطر منها وأشخاص تعفنت جراحهم ولـم يجدوا من يوصل لهم المأساة التي وصلوا إليهــــا، نعم مأساة وكــارثة، فالـوســـاطة والمعــرفة تلعب دورًا أســـاسيًا، فمن لا يمتلك الوسـاطة أو المعرفة لن يستطيع السفر لإنقاذ نفسه من الموت والهلاك.
عبدالرحمن بن مرشد السعيدي لم يجد من يسانده فقد تـوفـي والــده وهـو لــم يبلغ ســن الــرشد بعد.
ألهذا السبب تـــركوك؟! ألا تستحق العلاج مقابل تلك التضحية التي قدمتها لـوطنك أم أن الـوطن اليوم استغنى عنكم؟!