آخر تحديث :السبت 09 اغسطس 2025 - الساعة:13:45:40
كيف تحول الميناء إلى قرية مهجورة بعد الوحدة؟
أمن ميناء العاصمة عدن.. سيطرة ويقظة منقطعة النظير "تقرير خاص"
("الأمناء" تقرير/ نصر الأشول:)

كادت أن تتحول عدن (العاصمة الأبدية للجنوب) إلى قرية، فبعد دخل الجنوب في مستنقع الوحدة العبثية لم تعرف العاصمة عدن الاستقرار قط، بل دُمرت وانتُهكت وسُرقت ثرواتها، وقتل أبناؤها، وانتُهكت حرمة مؤسساتها.

(ميناء عدن) يعتبر قبلة التجارة العالمية، ولؤلؤة جزيرة العرب، وجوهرة ظل في يد فاسدين وسماسرة حكومة الشرعية اليمنية لعقدين من الزمن ونصف ثالثهما، ولم يكن هذا نصيبها فقط، بل سُلمت للخلايا الإرهابية، لتعبث بما تبقى، ولكن عندما يُبعث من صلب هذا الشعب وهذه الثورة رجال لا يخشون لومة لائم، فمن المؤكد أن كل حق سيعاد لذويه وأصحابه، ولا بد أن يعود لميناء عدن التاريخي رونقه وأمنه واستقراره ونشاطه وحيويته.

رجال أمن الميناء، كمندوز في زمن لا جيش فيه، وجيش في زمن لا دولة فيه، وفدائيون في الوقت الذي يحتاجهم الوطن ومقدراته ومؤسساته.. "الأمناء" ترصد الجهود الجبارة لجنود وقادة أمن ميناء عدن الاستراتيجي.

 

ميناء ومحطة للفساد

بعد أن دخلت دولة الجنوب الوحدة المشؤومة لم تعرف غير الفساد والرشوة والتزوير والتهريب، والسرقة والنهب، حيث حولت ميناء عدن من ميناء بحري يستقبل سفن العالم أجمع إلى محطة للتهريب، بل أوقفته وجمّدت نشاطه بشكل شبه كامل، حيث تم نهب بعض آلياته ومعداته لتطوير وتجهيز موانئها الأخرى، بل لإنهاء كل المؤسسات الخدمية والإيرادية والسيادية في الجنوب، فكان ميناء عدن هو محطة انطلاقتهم لتدمير هذه المنشآت واحدة تلو الأخرى.

ولكن كانت هناك مشكلة هي الأكبر والأعظم في العالم، والتي لم تحصل أبداً إلا في اليمن، لم تكفلها أي قوانين أو نظريات أو علماء أو اقتصاديون أنّ حكومة ودولة تؤجر ميناءً حيويًا من أجمل موانئ العالم لدولة أخرى، بل كل هذا حصل وحاصل ومن ابتداعات الحكومة اليمنية، التي لم تعرف النظام والقانون يوما.

إن ميناء عدن الذي ذاع صيته في كل أرجاء العالم، وحاربت من أجله إمبراطوريات ودول عظمى، وتنازعت عنه دول المشرق والمغرب، تحول بعد عام 1990م إلى قرية مهجورة.

 

موانئ الإرهاب

لم يحصل في بلد كما حصل في عدن، ففيما بعد الحرب الحوثية على عدن، وفرار الحكومة اليمنية منها وتركها كالنخلة العارية في وسط مساحات صحراء قاحلة، تتراقص بأغصانها الرياح وتعبث بجمالها الرمال لتدفنها وتنهي أثرها من الوجود، هي عدن نعم، بنفس الحال، عندما تركتها من تتدعي الوصاية عليها وتنتحل اسم الحكومة، ولكن لخير هذه المدينة ورحابة صدرها كان على كل من حضنته وسكن وعاش وترعرع في أوساطها، عليهم واجب الدفاع عنها، ليخرج أبناء عدن ومن ساندهم من محافظات الجنوب بالصدور العارية، يبذلون بدمائهم رخيصة فداءً لها ليحرروها.

تحررت عدن من المليشيات الحوثية الغازية، ولكن كان لحزب الإصلاح التكفيري الدور الأكبر والإمكانيات الهائلة لتمويل الخلايا الإرهابية، التي سيطرت على كل مرافق الدولة ومؤسساتها السيادية، محاولة تحويلها إلى مستنقعات وساحات للفوضى، بل كانت على وشك إعلان هذه العاصمة التاريخية إمارة داعشية.

كان لميناء عدن نصيب الأسد من الخلايا الإرهابية التي سيطرت عليه، وبدأت تمارس نشاطها في تهريب المحظورات من أسلحة ومخدرات وتهريب للعملة والخلايا التابعة لهم، بل اتضح مؤخراً تعاونها مع الحوثيين، وهذا يثبت أنها كانت تهرّب له الأسلحة والتموين عبر الميناء.

اُغتيل البطل جعفر محمد سعد ممنوعاً من دخول مبنى المحافظة لممارسة مهامه، يخلفه بعدها القائد عيدروس الزُبيدي وشلال شائع، الرمزان اللذان لطالما حاولت الخلايا الإرهابية ملاحقتهما واغتيالهما لولا صمود أبناء عدن الأشاوس ورجال المقاومة الجنوبية إلى جانبهما، مدافعين عن عدن معهما. قامت قوات المقاومة الجنوبية ممثلة بـ(أمن عدن) باقتحام الموانئ وانتزاعاها بالدم والبارود، وبقوة السلاح، وسقط في تحريره ما يقارب ١٥ شهيداً، ليعاد الحق لأصحابه.

 

جلاد الإرهاب

في أول الأمر وفي أولى لحظات السيطرة على ميناء عدن، من قبل قوات الأمن الجنوبية، بادر اللواء شلال شائع مدير أمن العاصمة عدن، بتعيين الرائد الشهيد شلال الشوبجي مديراً لأمن الميناء، محملاً إياه مسؤولية التأمين والحفاظ عليه وعلى معداته، فكان الشوبجي نِعم الحريص والرجل الأمين، حيث قدم أكثر من ثلاثة أو أربعة شهداء من قواته مدافعين عن الميناء، جراء محاولات لجماعات إرهابية العودة إليه لسنتين وأكثر، ليلتحق بركب الشهداء مدافعاً عن أرضه ومسقط رأسه، مديرية حجر بالضالع، من الحوثيين.

يخلف الشوبجي الشهيد النقيب/ وليد الجلد، مديراً لأمن الميناء بعده والذي لم يمكث فيه مديراً لأمنه غير مدة قصيرة جداً ليستشهد وليد في الثامن عشر من شهر سبتمبر المنصرم، مدافعاً عن ميناء عدن، عندما حاولت العناصر الإرهابية والإخوانية، في الأحداث الأخيرة السيطرة على الميناء ليلحق رفيق دربه الشوبجي في ركب الشهداء الشرفاء.

 

خير خلف

بعد استشهاد الشوبجي والجلد عُين النقيب محسن السروري قائداً لأمن الميناء، خلفاً لمن سبقوه من رفاقه.

قام السروري بعمل خطة أمنية جديدة لتأمين الميناء، حيث فعّل كافة الدوائر الأمنية من تفتيش وطوارئ وقسم التراخيص، وباقي الترتيبات الأمنية اللازمة، مستنيراً بالأساس الذي عمل عليه وثبت قواعده من سبقوه (الشوبجي، الجلد)، وبإسنادٍ مباشر وإدارة وإشراف اللواء شلال شائع.

تشديدات أمنية جديدة في ميناء عدن في هذه الفترات تتبعها حملة تفتيش غير مسبوقة للبضائع والبواخر والسفن.

وقال قائد أمن الميناء، النقيب محسن السروري لـ"الأمناء": "الفضل الأكبر بإحراز النصر في معارك تطهير العاصمة عدن كان بفضل اللواء شلال شائع مدير أمن العاصمة، وأبناء ورجال عدن".

وأضاف: "إننا سعينا وسنسعى لتحقيق خطوات جبارة في الصعيد الأمني".

وأشار السروري إلى أنه: "تم تطهير الميناء بقيادة الشهيد الرائد شلال الشوبجي، الذي يعد إحدى السواعد التي سعت لتثبيت الأمن، ومعه الشهيد النقيب/ وليد الجلد الذي خلفه بعد استشهاده، هؤلاء هم من أسسوا قاعدة أمنية صلبة، وبذلوا الغالي والرخيص لتثبيت الأمن، ونحن سنسعى لتجسيدها والعمل بها ماضون على دربهم، وسنقدم أرواحنا رخيصة لأجل الميناء وعدن والجنوب مهما كلفنا الأمر".

وأكد: "سنعمل جاهدين ونؤمّن الميناء وباقي المنشآت السيادية والإيرادية لنكون رايةً للأمن وشعارًا للسلام".

وشكر السروري القادة الجنوبية قائلاً: "نشكر قيادتنا الحكيمة ممثلة بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ومدير الأمن اللواء شلال شائع، على ما بذلوه من جهد لتحقيق الأمن وإحلال السلام".

كما شكر دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على ما قدموه من دعم عسكري ولوجستي بكل الجوانب.

 

2020.. عام التأمين الشامل

لقد بدأت قوات أمن ميناء عدن بتنفيذ خطط أمنية جديدة، منها إخراج تصاريح مرور ودخول لسائقي الشاحنات، بفترة صلاحية البطاقة لعام كامل، بينما تم تجهيز تصاريح دخول لعمال القطاع الخاص، من سائقين وحمالين، وممن يترزقون من الميناء في بعض الأعمال الخاصة في التفريغ والشحن للبضائع في الباخرات، كما فعّلت القيادة الأمنية في الميناء نظام البصمة للموظفين على بوابة الميناء الرئيسية، لمراقبة دخول الموظفين ومغادرتهم عبرها، احترازاً لأي خلل أمني قد يحصل.

تفتيش مكثف وعيون لا تنام الليل، وقادة لا تعرف الكلل ولا الملل، تفانٍ في العمل، وحرص في تحمل المسؤولية، وجدية في الأداء، فأصبحت القوات الأمنية بميناء عدن الاستراتيجي، قوات استراتيجية يعول عليها، في حماية الميناء، فإذا وجدت عيونًا ساهرة في المؤسسات الإيرادية والسيادية، فلا خوف ولا وجل على البلد، فهناك جنود وقادة وهبوا أنفسهم لتعيش عدن ومؤسساتها ولبناء دولة نظام وقانون.

 

رسم خطط أمنية

وفي تصريح للملازم ماجد السبعي - أحد ضباط أمن الميناء، معلقاً على الخطة الأمنية الجديدة - قال فيه: "نحن منظومة أمنية تسعى لتثبيت الأمن، كما أنجزنا دوراً أمنياً بارزًا".

وأضاف لـ"الأمناء": "سنظل على ما كنا عليه، وإننا قد اجتهدنا برسم خطط أمنية لحماية المنشأة".

وأكد السبعي بالقول: "سنظل على ذات الدرس الأمني، ولن يكون هناك أي تراجع أو تدنٍ للمستوى الأمني في الميناء وأمن عدن".

 

شائعات الإعلام المعادي

عند زيارتنا للميناء لم نتوقع ذلك الأداء والضبط والربط العسكري الذي يتمتع به جنود أمن الميناء، وقادتهم المبجلة بقيادة النقيب محسن السروري، وبإشراف مباشر من اللواء شلال علي شائع مدير أمن العاصمة عدن، ولمن أراد التعرف على الإنجازات الكبيرة لأمن عدن فليتوجه لميناء عدن لمعرفة حقيقة الأمن الفولاذي الصلب. فلا يجب على أحد أن يصدق الشائعات والمطابخ الإعلامية المعادية التي تسعى للنيل من القوات الجنوبية وقادتها وبالأخص أمن عدن.

 

جمارك عدن

هنا في الجمارك والتي تعتبر العمود الفقري لإيرادات الميناء، بل هي المحصلة المادية، ورافدة اقتصاد البلد، طرقنا أبواب إدارة الجمارك، لنعرف حقيقة أقوال رجال الأمن وقادته حول عمليات التأمين، والجهود المبذولة من قبلهم ومن القيادة الأمنية العليا لأمن عدن، نلتقي الأستاذ محمد مهيوب، أحد موظفي الجمارك في الميناء لنسأله عن دور الأمن، وهل يتلقون أي مضايقات أو عراقيل بسبب الإجراءات الأمنية الأخيرة ليوضح لنا قائلا: "إن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها قوات أمن الميناء، تعد إجراءات سليمة جداً، حتى أننا أصبحنا نشعر بالأمان والطمأنينة في عملنا وأصبحنا نعمل بدون أي خوف خارجي يؤثر علينا كما كان في السابق قبل ثلاثة أعوام".

وأشار إلى أن "الجهود الأمنية التي بذلها ويبذلها اللواء شلال شائع، ورجاله الأوفياء، كالشهيد الرائد شلال الشوبجي المدير السابق لأمن الميناء، وبعده الشهيد النقيب/ وليد الجلد، ليمسك زمام الأمور بعدهم النقيب محسن السروري، تعد جهود أمنية جبارة".

واختتم حديثه بالقول: "نشكر القيادة الأمنية في أمن عدن ممثلة باللواء شلال شائع والنقيب محسن السروري على الإجراءات الأمنية الأخيرة، وعلى جهودهم الجبارة وحرصهم على تأمين هذه المنشأة السيادية".


#
#
#

شارك برأيك