
أقدمت الأمم المتحدة على تعيين أول مبعوث لها في اليمن خلال شهر أبريل من العام 2011 غير أنها منذ هذه الفترة وحتى الآن بعد عام من التوقيع على اتفاق ستوكهولم لم تحقق أي تقدم في سبيل حل الأزمة اليمنية؛ بل أنها في المقابل لم تنجح في دفع الأطراف المختلفة للالتزام بخطواتها التي تقول أنها تهدف إلى السلام.
منذ أن أصدر الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، قراراً بتعيين الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر مبعوثاً إلى اليمن لم يتحقق أي تقدم على الأرض، إذ أن هذا المبعوث كان هدفه الأساسي التوصل إلى حلول سياسية بين الأطراف السياسية غير أن الذي جرى هو تسليم البلاد إلى سلطة الإصلاح وتمكين المليشيات الحوثية من الانقلاب على الشرعية قبل أن تنتهي مدته بعد أربعة سنوات من الحضور الصامت في إبريل من العام 2015.
وبعدها حل محله المبعوث الموريتاني إسماعيل ولد شيخ والذي جرى تعيينه في إبريل من العام 2015، لكنه لم يصل لأي حل للنزاع بين الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية، ليكتفي بإبلاغ الأمم المتحدة بأنه لا ينوي البقاء في مهمته بعد انتهاء ولايته ليترك منصبه في فبراير من العام 2018.
وفي الشهر ذاته وافق أعضاء مجلس الأمم المتحدة توصية الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس تعيين البريطاني مارتن غريفيث مبعوثا أمميا خاصا جديدا لليمن، وكان يدير حينها "المعهد الأوروبي للسلام" ومقره بروكسل، وقالت الأمم المتحدة أن المبعوث الجديد له خبرة طويلة في حل النزاعات والتفاوض والتوسط والشؤون الإنسانية، غير أنه استمر من فشل إلى فشل.
أقصى ما تمكن غريفيث من تحقيقه هو التوصل إلى اتفاق السويد في شهر ديسمبر من العام 2018، غير أنه اكتفى بتلك المهمة وفشل في تنفيذ بنود الاتفاق على أرض الواقع، وفشل كذلك في الضغط على المليشيات الحوثية أو استصدار أي قرارات دولية تعاقبها على تعنتها، بل أن زياراته المتكررة إلى صنعاء فتحت أبواب المراوغات الحوثية بشكل أكبر ووجدت العناصر المدعومة من إيران مبرراً لاستمرارها في مراوغاتها.
التراخي الأممي في اليمن تسببت في إفشال اتفاق ستوكهولم، وأضحى ورقة محروقة لا تلقى احتراماً من المليشيات الحوثية، بعد أن رفض زعيم المليشيات لقاء غريفيث خلال زيارته الأخيرة إلى صنعاء، بل أن هذا الضعف دفع الحوثي لأن تصبح أكثر جرأة وجه المؤسسات الدولية العاملة في اليمن.
جددت ميليشيا الحوثي الانقلابية، تهديداتها أمس الأول الأحد بطرد المنظمات الدولية العاملة في المناطق اليمنية التي ما زالت خاضعة لسيطرتها.
وقال نائب وزير حقوق الإنسان في حكومة الانقلاب الحوثية غير المعترف بها دولياً، علي الديلمي، إن المنظمات لم تقدم لليمنيين أي خدمة ترقى لما تسوقه من شعارات إنسانية زائفة، على حد وصفه.
وتشن ميليشيا الحوثي عبر قادتها ووسائل إعلامها حملة تحريض واسعة ضد المنظمات الأممية والدولية العاملة في مجال الإغاثة، وتتهمها بالفساد، وذلك عقب إحاطة مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية نائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ أورسولا مولر، أمام مجلس الأمن والتي أكدت فيها أن مليشيا الحوثي تمنع تنفيذ نصف مشاريع المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني في مناطق سيطرتها، وتطرد بعض موظفي تلك المنظمات وموظفي الأمم المتحدة من دون أي أسباب.
كما اتهمت مولر، الحوثيين باستهداف العاملين الإنسانيين وسوء معاملتهم، مشيرة إلى أن حالات الاستهداف وصلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى 60 اعتداءً وتهديداً واعتقالاً للكوادر العاملة في المجال الإنساني.
عام من الفشل في الحديدة
وبعد مرور عام من التوقيع على اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية، لم تشهد الأوضاع في الحديدة سوى مزيد من الفشل والتردي في كل شيء، فالاتفاق لم ينفذ منه سوى بند واحد وغير مؤثر يرتبط بنشر نقاط مراقبة مشتركة، وعملت المليشيات على إعاقة عملها، وهو ما يفرز العديد من التساؤلات حول المسؤول عن هذا الفشل.
هناك أطراف عدة كان يتعين عليها إنجاح الاتفاق الذي جاء في وقت كانت فيه القوات المشتركة قد اقتربت من تحرير الساحل الغربي من المليشيات الحوثية، على رأس تلك الجهات الأمم المتحدة والتي لم تحرك ساكناً أمام انتهاكات الحوثي اليومية.
فيما ظل مبعوثها إلى اليمن (مارتن غريفيث) يبحث عن مبررات واهية عن تلك الانتهاكات من دون أن يتحرك لفرض عقوبات رادعة على العناصر المدعومة من إيران في عشرات الجلسات التي نظمها مجلس الأمن من أجل الاستماع إلى إحاطته.
أما ثاني الأطراف التي كان يتعين عليها التحرك فهي ترتبط بالمجتمع الدولي الممثل داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعلى مدار العام الماضي لم تبدأ دول العالم بتوجيه الانتقادات للمليشيات الحوثية على انتهاكاتها سوى قبل شهرين تقريباً، وذلك على إثر الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، ولم يكن هذا التحرك سعياً من تلك الدول لإنهاء الأزمة اليمنية.
ثالث الأطراف التي تقاعست عن الضغط باتجاه تنفيذ اتفاق السويد، تمثل في حكومة الشرعية التي لم تتحرك سياسياً بالشكل المطلوب من أجل توجيه دفة الاهتمام الدولي نحو قضية الساحل الغربي، بعد أن وجهت جهودها لإفشال تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان يسعى لتأمين الجنوب كمقدمة للتعامل عسكرياً مع الانتهاكات الحوثية في الساحل الغربي بعد أن أثبتت المليشيات الحوثية بأنها غير جادة للتعاطي إيجاباً مع الحلول العسكرية.
ويرى مراقبون أنه لا يمكن تحميل غريفيث بمفرده مسؤولية فشل تنفيذ اتفاق ستوكهولم، إذ أنه مجرد أداة يجري تحريكها وفقاً للحالة المزاجية للمجتمع الدولي، الذي يتفرغ لمواجهة إيران اقتصادياً من دون أن ينتقل الأمر إلى مواجهة مماثلة على مستوى أذرعه والتي يأتي على رأسها المليشيات الحوثية.
ونشر موقع الأمم المتحدة الجمعة الماضية حوارًا، مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أشاد فيه بما سماه التحول نحو السلام في اليمن، بعد عام على اتفاق ستوكهولم، متجاهلا خروقات مليشيا الحوثي اليومية للهدنة الأممية.
وقال إن الطريق إلى السلام يتطلب التخلي عن آمال النصر العسكري ومتابعة "النصر الكبير" الذي يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات.
وأضاف أن: "الوضع الإنساني لا يشعرني بالشّك حيال احتمالات السلام، بل يفعل العكس". مؤكدا أنه يجب أن نحصل على السلام؛ لأن العواقب المدمرة على العائلات، لا يجب أن تستمر.
فيما قال موقع إذاعة مونت كارلو الدولية، في تقرير، إن الحديدة لا تزال بعيدة عن السلام.
وأوضح أنه: "مرّ عام على اتفاق الهدنة بين قوات الشرعية ومليشيا الحوثي في محافظة الحديدة، لكن المنطقة الحيوية التي تشكّل شريان حياة لمئات ملايين السكان، لا تزال تبدو بعيدة عن السلام، وإن كانت تشهد تراجعا في وتيرة العنف".
وأضاف التقرير: "على مدى الأشهر الـ12 الماضية، أخمدت الاشتباكات المتقطّعة والغارات الجوية وبطء تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السويد في 13 ديسمبر 2018، آمال سكان المحافظة الغربية الساحلية".
ولفت إلى أن: "البند الوحيد الذي تم تنفيذه هو نشر نقاط مراقبة مشتركة بعد نحو عشرة أشهر من ولادة الاتفاق.
وتابع: "شهدت الحديدة خرقا مستمرا للهدنة منذ توقيع الاتفاق الذي أحيا آمالا بسلام قريب في بلد قتل فيه الآلاف منذ بداية الحرب التي تسبّبت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة".
تصعيد حوثي بالحديدة
وينذر التصعيد الحوثي المتواصل في الحديدة باشتعال جبهات الساحل الغربي في ظل الإمدادات الحوثية المتتالية لعناصر هناك، والتي تصدها بسالة القوات المشتركة، فيما بدا واضحا أن الجميع قد تجاوز اتفاق ستوكهولم بعد أن مضى عامه الأول من دون تحقيق نتائج على الأرض.
وهاجمت مليشيا الحوثي، الأحد، مواقع القوات المشتركة في مديرية الدريهمي جنوب محافظة الحديدة، بالمدفعية والأسلحة الثقيلة، وشنت المليشيا، بحسب مصادر عسكرية ميدانية، هجومها بالدبابات وقذائف مدفعية الهاون شرق مديرية الدريهمي.
وكشفت عن هجوم متزامن، للمليشيا بقذائف مدفعية الهاوزر، ومضادات الطائرات عيار 23، على مواقع القوات المشتركة غرب المديرية.
وتسعى مليشيات الحوثي، الموالية لإيران، إلى نسف الهدنة الأممية لوقف إطلاق النار، للقضاء على الجهود الأممية لإحلال السلام في الحديدة، في ظل صمت أممي.
وكذا قصفت مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران مواقع القوات المشتركة في منطقة الجاح، التابعة لمديرية بيت الفقيه، جنوب محافظة الحديدة، بقذائف المدفعية والأسلحة المتوسطة.
ومهدت المليشيا – بحسب مصادر عسكرية ميدانية – هجومها في الجاح، بقذائف مدفعية الهاون الثقيل عيار 120، وقذائف B10 ، قبل أن تواصل هجومها برشاشات متوسطة من عياري 14.5 و 12.7، وأسلحة معدلات البيكا.
وأطلقت قناصة المليشيات النار على المواقع واستهدفتها بشكل متواصل منذ ساعات الظهيرة وحتى اللحظة.
وأعلنت القوات المشتركة، صباح الأحد، إحباطها هجوما عنيفا لمليشيا الحوثي على مواقعها في مديرية حيس جنوب الحديدة، بحسب مصدر عسكري، فإن المليشيا الحوثية ركزت هجومها، على مواقع القوات المشتركة شمال غرب مديرية حيس، بمختلف أنواع الأسلحة والقذائف.
وأشار المصدر إلى أن جنود القوات المشتركة تمكنوا من التصدي للهجوم، وكبدوا المليشيات خسائر فادحة في العتاد والأرواح، فيما لاذ من تبقى منهم بالفرار، فيما وتواصل مليشيات الحوثي جرائمها من خلال التصعيد على مناطق جنوب الحديدة، بهدف القضاء على عملية السلام الأممية المتمثلة باتفاقية السويد.
والسبت الماضي، شهد محاولة تسلل لعناصر مليشيا الحوثي، إلى مواقع القوات المشتركة في منطقة الجبلية، التابعة لمديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة، ودفعت مليشيا الحوثي بقناصة لدعم الهجوم على جنود القوات المشتركة.
وشنت مليشيا الحوثي، هجوما واسعا، بحسب مصادر عسكرية ميدانية، على مواقع القوات المشتركة، بقذائف مدفعية بي 10 والقذائف الصاروخية من نوع آر بي جي، وأسلحة رشاشة متوسطة من عياري 14.5 و12.7.
فيما استقبلت مستشفيات مدينة الحديدة 17 جريحاً من إرهابيي مليشيا الحوثي، أصيبوا خلال محاولتهم التسلل إلى مواقع القوات المشتركة.
وكشفت مصادر في الحديدة، عن تدهور حالة جرحى المليشيا، مع تعرضهم لإصابات في أنحاء متفرقة من أجسادهم.
وأحبطت القوات المشتركة، خلال الأسبوع الماضي، عدة محاولات تسلل نفذتها عناصر من مليشيات الحوثي في مناطق متفرقة من الساحل الغربي.
وتكبدت عناصر المليشيا، خسائر بشرية فادحة، بالإضافة إلى تدمير عدداً من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التابعة للمليشيات.

