ارتبط وجود الجالية الأفريقية والصومالية بمدينة عدن - على وجه التحديد - بتاريخ تجارة البخور والتوابل، ولا يُعرف وقت معين لبدء موسم هجرة أفارقة القارة السمراء الى عدن، حيث ذاب هؤلاء في نسيج المجتمع المحلي على الرغم من وجود مدرسة للجالية الصومالية، ومقهى وسط المدينة يطلق عليه السكان "مقهاية الصومال"، وبجانبهما مسجد الصومال، بالقرب من رصيف مينا المُعَلّا.
وقد استطاع المهاجرون الأوائل من الصومال التماهي في النسيج الشعبي الجنوبي، مؤثرين ومتأثرين كبقية الجاليات التي تمازجت في عدن مشكلة فسيفساء مجتمعية فريدة، أضحت أنموذجا لفن التعايش السلمي.
رئيس الجالية الصومالية بعدن (أحمد يوسف) تحدث لـ "الأمناء" بالقول: "إن الجالية الصومالية بعدن أسهمت بفعالية في عملية التنمية والبناء, وتبوأ كثير من صومال عدن مناصب قيادية فكان منهم السفراء والوزراء والمدراء، وكثير من التجار من أصول صومالية أسهموا بشكل كبير في إذكاء وتنمية روح التبادل الجاري بين البلدين في العصور المختلفة منذ غابر الأزمان، بفعل التقارب الجغرافي بين البلدين".
ويعزو (يوسف) غياب أسماء تجارية صومالية حاليا لهجرتها الى خارج البلد عقب اعتماد الجنوب - آنذاك - قانون التأميم.
معهد الصومال بالمعلا .. دور تعليمي فاعل
يسهم ما يعرف لدى لعامة في عدن بـ "معهد الصومال" بدور تعليمي فاعل ومشهود من خلال نخبة من الأساتذة ذوي الخبرة والكفاءة في تدريس مادة اللغة الإنجليزية بسهولة ويسر، وبرسوم دراسية ميسرة، وكثيرون ممن تخرجوا في ذلك المعهد يثنون على المعلمين والقائمين على المعهد.
60 عاماً في رحلة البحث عن الجنسية
وعلى الرغم من تلك الصورة الباعثة على الفخر والتميز للمدينة، فإن لـ (أم فيصل) رأيا مغايرا تماما أنتجته معاناة حقيقية، حيث تقول بأن أباها "ولد في عدن قبل حوالي 100 عام وهي كذلك، حيث تبلغ الستين من عمرها الآن، وعلى الرغم من هذه السنوات الطوال التي لم تشفع لها لدى الجهات المختصة في الحصول على الجنسية اليمنية, فلا تزال وأولادها الثلاثة يدفعون مقابل الإقامة".
وتحدثت عن تمييز وإقصاء تقول إن السلطات اليمنية تمارسهما ضد الجالية الصومالية, فليس لهم حق العمل والتجنيس على الرغم من أنها من مواليد عدن وعمرها الآن ستون عاما، وكذلك والدها الذي توفي ودفن في هذه المدينة متعددة الأطياف والأعراق والأديان فلا حقوق لهم، وتخشى حال وفاتها أن تطالب أولادها الحكومة اليمنية بدفع ثمن سياحي لقبرها.
تستطرد (الأم) الذي تنحدر من سحنتها السمراء ابتسامة وطيبة تسع أهل المدينة لو وزعت عليهم: "تعلمنا في عدن وهكذا نحن ولن نتغير الحصول على حقنا دون لف أو دوران أو واسطة في زمن غابت عنه كل مفردات الخير والإحسان - إلا من رحم ربي - وتقول "كان بإمكاننا كغيرنا الكثير استخراج بطائق يمنية بطرق معروفة، ولكن عدن طبعت فينا الصدق واحترام القانون والنظام", تتابع "تخيل عمري الآن ستون عاما ولم أحصل على الجنسية اليمنية بعد، ولذلك الأمر تبعات أعاقت مستقبل أولادي لأنهم لا يستطيعون الالتحاق بالجامعة، حيث يعاملون على أنهم طلاب أجانب وينبغي عليهم دفع مبالغ طائلة بالتأكيد هي خارج مقدرتنا".
وتضيف (أم فيصل) - وهي تنبهني مرارا الى عدم الإشارة إليها خوفا من تعرضها للمشاكل - حد قولها- "حتى النوادي الرياضية تعامل أولادنا على ذات الشاكلة رغم تفوقهم ومواهبهم التي اعترفت بها إدارات وزملاء لأبنائنا، لتبقى عقبة الجنسية تلاحق صومال عدن في حياتهم وأرزاقهم".. مشيرة إلى أنها "تعرف عددا من حملة الشهادات والخبرات الصومال يعملون خدما في البيوت، وكثير منهم يمسحون سيارات في الشوارع، ومع ذلك فهي تحمل كل الامتنان للمواطنين الذين لا نشعر منهم بغير الود والحب والاحترام والتقدير".
وتختتم (أم فيصل) حديثها برسالة الى الرئيس عبدربه منصور هادي، وذوي الشأن تسألهم فيها "هل يمكن لمواطنة ولدت في عدن وبلغت الستين من عمرها أن تحصل على الجنسية التي تمنحها دول العالم عقب 5 سنوات مواطنة فقط؟".
أعباء ومآس ..!
تبقى إشكالية مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين الجدد الذين شردتهم الحرب الأهلية الصومالية قصصا وحكايات تعبر عن مأساة وطن مفقود، وسط لفيف ودياجير أجندة دولية وإقليمية ومحلية.
ومن بين ركام الياس بسراب العودة الى بلد تتفاقم أزماته كل يوم، وواقع مر في مخيمات تفتقر الى أبسط الخدمات الضرورية وغياب تام لمقومات البنى التحتية، وتزاحم لا يطاق في مخيمات تكتظ بأجساد أصحابها تقف الكلمات مهما بلغت معانيها ومكنون ما تعبر عنه عاجزة أمام وصف حال هؤلاء الناس، وعدد المشكلات التي هم واقعون فيها على الدوام.
ولطول معاناة لاجئي الصومال غابت المنظمات الدولية عن تقديم مساعداتها الإنسانية، وانحصرت في مخيم حرض في محافظة لحج تاركة بقية المخيمات عرضة لعشرات المعضلات الكبرى، التي أقلها آلاف الأطفال خارج غرف التعليم وأمراض وأسقام وأدواء وانتشار مستفحل لجرائم الشرف والتعاطي وما يرافق ذلك.
وعلى الرغم من هذا الواقع البائس؛ فلا تزال قوارب الموت تنقل يوميا عشرات بل المئات من المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر الى سواحل شبوة وأبين، التي يصلها بعضهم جثثا هامدة!!
* تقرير : عبدالخالق الحود