العاطلون عن العمل .. قنابل موقوتة جاهزة للانفجار

يتكومون على الأرصفة والجولات والشوارع والأسواق بحثاً عن العمل.. يحملون أمتعتم وأحلامهم وأحزانهم في أكياس.. عالقون بين البطالة والغلاء.. يكابدون مرارة الحرمان من الأرق اليومي.. تراهم يفترشون الأرض شعتاً غبراً، تلهب أجسادهم سياط حرارة الشمس الحارقة منذ الصباح الباكر، وعينهم ترصد القادم إليهم لعله يبحث عن عمال؛ فيتسابقون إلى سيارته قد يجدون عملاً لديه يوفر لهم، ولأسرهم لقمة عيش حلال بعد أن تركوا قراهم ومديرياتهم بحثاً عن الحياة في مدن يحتكر معظم مسؤوليها قطاع المقاولات والوظائف والتجارة، فيما (80%) من البطالة والخريجين المهمشين يعيشون بلا عمل، وعلى الأرصفة بلا دخل ثابت ولا مأوى ولا عمل، ولا أمل في مستقبل أفضل!!

ذلك ما تقوله أعينهم وأجسادهم المنهكة، وتشير إليه معاناتهم المزمنة من البطالة والفقر والحاجة إلى عمل يضمن لهم البقاء، والحياة الشريفة بعيداً عن مسالك الانحراف المفتوحة على مصراعيها، في ظل حكومة لا تفكر في أكثر من مكافآت وحوافز موظفيها وتأثيث مكاتبهم ومنازلهم، أما غيرهم من السواد الأعظم؛ فلهم الأرصفة والجولات وأزقة الشوارع، حتى إذا بلغت المعاناة أشدها تحول هؤلاء إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة!!

 "الأمناء" التقت بعض الخريجين والعاطلين عن العمل، وخرجت بالاستطلاع التالي :

 يا قلب لا تحزن !

للعامل اليمني أحلام بغربة تؤويه، وهاجس اللقمة يدفعه إلى أقرب رصيف بانتظار فرصة عمل، ووضعية حشود العاطلين عن العمل لا تليق بهم كبشر.. فهم يتكدسون في العراء بالمئات، ويتجمهرون في تقاطع الطرقات وأرصفة الشوارع بانتظار فرصة عمل، فإن جاء من يحتاج لعامل هرول إليه العشرات ولا يحسم الأمر إلا بمعركة، من ينتصر فيها هو الأقوى، الذي يختاره صاحب العمل .. وكثيراً ما ينتهي هذا التوافق بنهاية العمل، فعدم اعتماد شروط تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل يؤدي الى اختلاف يصل بهم إلى أقسام الشرطة، وهناك لا تسأل عما يحدث؟.. أما ظروفهم المعيشية والصحية والأسرية فتحكي روايات البؤساء، ومعذبي الأرض، وكلها تلخص المعاناة المباشرة لهؤلاء.

 نعمل يوماً ونتوقف أياماً !

في بداية الاستطلاع؛ التقينا الأخ نائف قاسم علي، الذي قال: "نحن هنا على كف الرحمن ننتظر من يأتي ليأخذنا او بعضنا للعمل سواء أكان مواطنا أم مقاولا، وعندما يطلب منا واحد فقط يندفع نحو السيارة أكثر من خمسين عاملا الكل يريد أن يذهب فتحصل أحياناً فتن ومشاكل بين العمال تصل الى حد الاعتداءات والضرب، وأخيراً يذهب صاحب العمل الى حراج آخر لأخذ عامل او اثنين وفي نهاية اليوم يقوم بمماطلة العامل بأجره او عدم إعطائه حقه كاملا، وهكذا احيانا يعمل العامل يوما او أسبوعاً مثلا ويتوقف عن العمل أياماً وهو يطالب المقاول أو صاحب البيت بأجره.. وأخيراً عندما يلجأ للجهات المختصة لا يجد آذانا صاغية، وتتذرع تلك الجهات بعدم وجود عقد او اتفاقية بينه وبين صاحب العمل، خصوصا إذا كان صاحب العمل تاجرا او مقاولا.. حكم القوي على الضعيف".

كارثة .. وقهر مخيف!

يخرج قائد مرشد عبده، وثلاثة من أولاده كل يوم إلى الجولات بحثاً عن عمل، ولا يجد فرصة عمل إلا في النادر. يروي (قائد) حياته البالغة القسوة قائلا: "خرجنا من السعودية شم الأنوف قلنا لن نبيع كرامتنا مقابل عمل سنجده في بلادنا، حملنا أمتعتنا وخرجنا باتجاه الوطن وبعد 19 عاما مرت من عمرنا كأنها دهر لا نعرف كيف جئنا، ومن الذي دفعنا من نار الغربة الى هذا الجحيم؟

بعنا كل شيء حتى أدوات المطبخ والدواليب وأشكال الترف التي كنا عليه في الغربة، بحثنا عن أعمال لكنها كانت بلا معنى لم تكف لسد قيمة اللقمة التي تقتات منها أسرة مكونة من (11) نفسا، اشترينا بسطة ثياب وعملنا بالأجر اليومي والحال كما هو ولا جديد غير الجرع والغلاء ينهب ما بقي لنا من حياة كريمة، ساءت حياتنا لدرجة لا تطاق افترشنا الأرض لا ماء ولا كهرباء ولا مجاري فيها.. وأخيراً كما ترى ها أنا مع أولادي نبحث عن عمل ننقذ به أنفسنا من الجوع والفقر والبهدلة.. أين نذهب من هذا الوضع؟".. قالها الوالد (قائد) ومضى يتحسس ما بقي في جيبه من فتات.. مضيفاً وفي حلقه ما يشبه بركانا من القهر "كارثة يا بني"!!

 لم أستطع جمع مئتي الف ريال لأتوظف!

حمود  ناصر, خريج كلية الاقتصاد، قال: "بعد ان أكملت دراسة مرحلة الثانوية قررت ان أتوقف عن مواصلة الدراسة الجامعية من اجل مساعدة والدي وتخفيف أعباء ومتطلبات الحياة المعيشية، إلا انه رفض وطلب مني مواصلة الدراسة والحصول على الشهادة التي ستساعدني في الحصول على أي وظيفة حكومية، وترددت بالشهادة على أكثر من جهة ومؤسسة حكومية لطلب التوظيف ولكنني اكتشفت أن التوظيف لا؛ ولن يأتي ـ كما كنت أتصورـ بحسب المؤهل والتخصص والمعايير القانونية، بل ستحصل على الوظيفة بمبلغ مالي كبير يصل أحياناً إلى (200.000) ريال، وعندما واجهتني هذه المشكلة المادية اتجهت نحو العمل الحر منذ خمس سنوات لعلي أوفر مبلغا كهذا للحصول على حلمي وحلم الأسرة (الوظيفة الحكومية) إلا أنني وقعت في مشكلة أخرى وهي عشوائية العمل الحر الذي أزاوله مثلي مثل بقية هؤلاء العمال الذين تراهم بعينك في الحراج، عملهم كله عشوائي والدخل الذي أتحصل عليه لا يؤمن لي مصاريف حياتي المعيشية اليومية، ولا قيمة العلاج، ومنهم من توفي ومنهم من أصيب بحالات نفسية مستعصية لأن الدنيا أغلقت أمامه الأبواب من كل الاتجاهات، ولم نصل لهذا الحد من المشاكل والمعاناة فحسب بل هناك أمور كبيرة مأساوية، حيث تواجه العامل مشكلة عدم حصوله على أجرته كاملة وذلك حسب الجهات التي تقف إلى جانب الأقوياء وتبرر ذلك بأن القانون لا يحمي المغفلين"!!

 عاطلون تحولوا إلى مجرمين ولصوص !

< عوض الصبري ، طالب ثانوي ، قال: " كان يفترض أن أكون في إحدى قاعات الدراسة لمواصلة تعليمي ، ولكن مع الأسف ظروفي المعيشية أجبرتني على الخروج من الدراسة والتسكع في الشوارع أبحث عن عمل أستطيع من خلاله توفير لقمة العيش الضرورية، وكم يا طلاب وشباب تركوا دراساتهم وخرجوا إلى الشوارع يبحثون عن العمل، بعضهم حصلوا على العمل والبعض الآخر يئسوا وتسكعوا وانحرفوا وأصبحوا مجرمين ولصوصا، وبعضهم جن او بمعنى أصح أصيبوا بحالات نفسية مرضية"!!

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني