كلية التربية بعدن في حضرة الحاضر المؤلم

 ما أن تطأ قدماك بوابة كلية التربية بعدن حتى يشد انتباهك حطام لأثاث قديم وأوراق لشجيرات متيبسة، وجذوع مرمية تلتف حولها النفايات وتحتضنها مياه المجاري الطافحة.. منظر يولد في نفس الرائي كآبة لا تنقضي .. هناك وأنت في حضرة الحاضر المؤلم؛ تتذكر ماضيها العريق كصرح علمي عتيق لم يبق منه إلا الاسم .. أما مضمونه؛ فهو في خفايا تلك المخلفات.

في كلية التربية ـ جامعة عدن التي أنشئت في ديسمبر عام 70، وكان لها دور ريادي خلال العقود الماضية، أكثر ما يشدك اليوم هو القمامات المتكدسة, وتردي أوضاع الكلية في ظل غياب دور العمادة والهيئة التدريسية وكل منتسبيها، بما فيهم الطلاب.

أحوالٌ لا تسر

وأنت تتجول في فناء كلية التربية عدن لم تكن القاعات والفصول الدراسية بأحسن حال من بيئتها الملوثة، إذ أنك تجد قاعات لا تبعث السرور، نوافذ مهشمة الزجاج، جدران قديمة فاقدة للطلاء مخفية المعالم من حيث شكلها الخارجي، أما إن تعمقت إلى الداخل؛ فهناك تجد العجب إذا لا يوجد ما يوحي بأن تلك القاعات هي قاعات المحاضرات .. فوضى مكتبية، ماسات وأدراج وكراسي يرثى لحالها .. لا نرى أثرا لذلك التصميم الدقيق لصالة المحاضرات، الذي يتطلب اهتماما كبيرا كي تحقق أهدافها: تركيز انتباه الجميع إلى نقطة واحدة وهي المحاضرات، إتاحة المجال للجميع كي يرى ما يقدم على الشاشة أو السبورة، ضبط الميكروفونات والسماعات كي يصل الصوت نقيا للجميع، يرتاح الجالس في مقعده لمدة طويلة وتتاح له لوحة ثابتة أمامه يضع عليها كتبه، يكون الدخول والخروج ميسرا خصوصا للهروب السريع إذا حدثت طوارئ .. كل ذلك لا وجود له في كلية التربية عدن.

بواعث الإحباط

"إن أكثر ما يولد الحسرة في النفس هو ذلك الإحساس الذي ينتابك وأنت تدخل بوابة كلية التربية عدن، أو لنقل ليس ثمة بوابة، فبإمكانك أن تدخل من أحدى فتحات السور الذي هو أشبه بسور فنحن لم نشعر يوما أننا ندخل حرما جامعيا" هكذا يقول الطالب (س ـ ع) مضيفا: "عندما أشاهد الجامعات في الوطن العربي، وفي مصر خصوصا أستحي أن أقول إني طالب جامعي في كلية التربية عدن، والسبب ما تشاهدونه أمامكم من إهمال لفناء الكلية وقاعاتها بل وحتى إداراتها".

وتابع: "القمامات تحيط بنا أينما ذهبنا وبقايا حطام الأدراج والكراسي متراكمة أمامنا والأشجار متيبسة تعترض بقايا جذوعها مسالكنا، فلا وجود لساحات مشجرة وحشائش خضراء ولا حتى مظلات تحمينا من أشعة الشمس". وعن مياه الشرب أوضح الطالب "أن الحنفيات والأحواض المخصصة لشرب المياه تحيط بها القاذورات والعلب البلاستيكية، وتسرح وتمرح عليها الفئران والصراصير" لافتا إلى أن "الطلاب حتى ولو بلغ بهم العطش حد الهلاك فإنه يستحيل أن يبسطوا أيديهم ليبلغوا الماء".

استعراض الموضة

فيما مضى كان المجتمع ينظر إلى الطالب الجامعي بتقدير واحترام كبيرين، إذ كان دخول الجامعات غير متاح لغير المتفوقين أكاديميا، عطفا على أن الطالب الجامعي كان سلوكه المنضبط يمثل قدوة للصغار ومثالا يحتذون به ويتطلعون للوصول إلى مكانته المرموقة، أما اليوم انقلبت الموازين واختلت القيم والمفاهيم إذ تحولت ساحات الجامعات مؤخرا وبدلا من تلقي العلم ومناقشة والقضايا الفكرية والجوانب الأكاديمية وعكسها على المجتمع، تحولت إلى أماكن لعرض موضات الأزياء ـ بحسب الطلاب أنفسهم - وتحولت المكتبات إلى متاحف أثرية بعد أن هجرها الطلاب – قصداً - وأصبحت مقيدة بالنسبة لهم، وانصرف الطلاب عن غرضهم الأساسي وأصبحوا يلهثون في مجاراة كل جديد، في طريقة لبسهم، وسماعهم الأغاني عبر (سماعات الأذن) لتصبح ثقافة الأجيال الحالية - بحسب أكاديميين - ثقافة ضحلة، الأمر الذي انعكس سلباً على المخرجات الأكاديمية التي التحقوا من أجلها بالجامعات. 

(اللابتوب) وسماع الأغاني

في كلية التربية عدن، وتحديدا في (كافتيريا) الكلية التي تقع على يسار البوابة، وجدنا مجموعة كبيرة من الطلاب يجلسون حول طاولاتها، حتى تكاد تجزم بأنه لا يوجد طالب في القاعة، وعندما أمعنا النظر داخل الكافتريا لاحظنا أنهم طلاب لا تتجاوز أعمارهم واحداً وعشرين عاماً، وحول كل طاولة مجموعة من الطلاب والطالبات، يبدو أن جلوسهم جاء نتيجة لتوافق وتجانس المجموعة مع بعضها.

والشيء الذي لم يكن في الحسبان أن من بين تلك المجموعات طلاب يقضون أوقاتهم في سماع الأغاني، وآخرون يشاهدون الأفلام بأجهزة «اللابتوب».. هذا ما شهدناه بأم أعيننا، وبحسب الطلاب؛ فإن ما خفي أعظم.

واقعٌ محبط

الطالب (م  ع) تحدث بنبرة ملؤها الحسرة والحزن، على الرغم من صغر سنه، عما وصل إليه المجتمع الجامعي من عدم انضباط وتركيز في المحاضرات، وبات هم الطالب الجلوس في (الكافتيريا) لممارسة هواياته التي باتت متاحة داخل الحرم الجامعي، وقال إنه جاء إلى الجامعة بكل حيوية ونشاط، لكنه فوجئ بأشياء لم يكن يتوقع حدوثها داخل الحرم الجامعي.

 وأبان أنه كان يتوقع أن يجد مجتمع الجامعة لا يختلف كثيرا عن المدرسة، وأن يجد الأكاديميات والدراسة التي جاء من اجلها الطالب، لكنه أصيب بإحباط عندما اصطدم بواقع لا يشابه ما كان يرسمه للجامعة في خياله، وقال: "إن الطلاب شرائح متعددة، فمنهم المجتهد المواظب على حضور المحاضرة، لكنها للأسف فئة قليلة جدا لا تتجاوز الـ 30%، وحتى إذا دخلت مجموعة كبيرة من الطلاب القاعة فإن هذا ليس من اهتمامهم، فالأمر الذى دفعهم للحضور أن مجموعة من الأساتذة تحرص على تسجيل أسماء الطلاب، لأن الحضور يقيَّم به الطالب نهاية العام ويأخذ عليه درجات".

أنين المكتبة وصراخ التعليم

من جانبه قال الطالب (م ـ ع) إن للطلاب تقييماً خاصاً لمواد الجامعة، ويعطون الأولوية للمواد الأساسية فقط، ويحرصون على حضور المحاضرة، أما بقية المواد فليس لها نصيب من الاهتمام، ويعتمدون على المذكرة والملازم  التي يجمعونها نهاية العام. وتساءل هيثم من أين جاء الطلاب بهذا التقييم؟ مبدياً أسفه على الطلاب الذين يقضون معظم وقتهم بـ (الكافتريا)، مؤكدا أن الأغلبية لا علاقة لهم بالقاعات، والذي أزعجه أكثر عدم احترام الطلاب للمنارة التي أسست لنهل العلم، وأعاب على زملائه شرب السجائر وتعاطي التمباك فى حضرة الأساتذة وداخل القاعات

فيما قالت الطالبة (ص ـ م) إن أغلبية الطلاب لا علاقة لهم بالأكاديميات. وقالت إنهم هجروا المكتبة التي تحولت إلى متحف، أما حضور المحاضرات فتكون بنسبة حضور لا تتجاوز 45% من الدفعة، وحتى إذا دخلت هذه المجموعة القاعة فإنهم مضطرون، والأغلبية يجلسون على المقاعد الخلفية ويضعون «سماعات الأذن» ويشاهدون الأفلام بأجهزة «اللابتوب»، وبعض منهم يصدرون أصوات  مزعجة من الموبايلات لاستفزاز الأستاذ حتى يدفعونه إلى إنهاء المحاضرة دون مواعيدها. وقال هيثم إن كثيراً من الطلاب عندما جاءوا إلى الجامعة كانوا فى البداية يحرصون على المحاضرات، لكن للأسف بعد اختلاطهم ببعض الطلاب حدث لهم تغيير سلبي، ونسوا الذي جاءوا من اجله.

تدني المستوى التعليمي

بينما أوضحت الطالبة (س) أن ما أصاب الطلاب من تدنٍ في المستوى الأكاديمي  يرجع إلى بعض أساتذة الجامعات، وأبانت أن أغلبية الأساتذة يعدون مذكرات للطلاب نهاية العام، الأمر الذي دفعهم إلى هجر المكتبة والبحث وراء المعلومات التي تزودهم بالمعرفة، مؤكدة أن غالبية الطلاب بكلية التربية لا علاقة لهم بقاعات المحاضرات، ويقضون معظم وقتهم في أماكن  قرب الكلية، ثم باقي اليوم بالكافتريا وفى نهاية العام الدراسي يجمعون المذكرات ويوزعون كل جزء من المذكرة على الطالب.

خريجون أعزوا  سبب  تدنى المستوى الأكاديمي لطلاب الجامعات، هو أن مستوى الطالب الذي جاء به من المراحل السابقة كان مستوى ضحلاً لا يؤهله لمواكبة العلوم الجامعية، كما أن المعينات في البيئة الجامعية من الكتاب و المرجع والأستاذ المؤهل ليست جيدة، كما أن أسلوب التعليم في الجامعات اليمنية  لا يقوم على تنمية وإذكاء الملكات العليا، ويغلب عليه التلقين، وأخيراً فإن اختلاط الطلاب بالطالبات يساهم بصورة كبيرة في تدني التحصيل، إضافة إلى انصراف الطلاب عن القراءة ودخول المكتبات، وعدم وجود الأستاذ الذي يدفع الطلاب ويشجعهم على القراءة والاطلاع، وانصراف الطلاب عن العلم راجع للانشغال بالمظاهر الزائفة من موبايلات وملابس فاخرة.

التركيز على الكم

أكاديميون أشاروا إلى أنه منذ تطبيق سياسة التعليم العالي التي ركزت على الكم وليس الكيف، بدأت مكانة الطالب الجامعي في التراجع عما كانت عليه في الماضي، مرجعين التغيير الكبير الذي طرأ على سلوكيات الطالب الجامعي إلى أسباب عديدة، أبرزها ضعف الثقافة والآثار السالبة للعولمة، وعدم اكتمال نضوج الكثير منهم فكريا في المراحل الأولية التي تشكل شخصية الطالب، منوهين  إلى أن اهتمام عدد كبير من طلاب الجامعات بات سطحيا وانصرافا ولا يليق بمكانة من يدخره الوطن لقادمات الأيام لحمل الراية، وظلت سلوكيات طلاب الجامعات محل جدل وتأويل كبيرين في الأوساط المختلفة، مشيرين إلى أن زيارة واحدة لإحدى الجامعات توضح عمق الأزمة التي تعيشها الأجيال الحالية، ومشاهد مثل رؤية قاعات المحاضرات خالية في وجود المحاضر إلا من بعض الطلاب القلة، بات أمراً شائعاً، فالطلاب أصبحوا يفضلون الجلوس في الكافيتريات على قاعات المحاضرات التي من المفترض أن يوجدوا فيها .

يقال.. إذا أردت أن تهدم وطنا اهدم التعليم، واقتل القيم في نفوس أبنائه! هكذا يقول المفكرون.. فلن تبنى الأوطان إذا كان الأساس مبني على شفا جرف هار، وعندها؛ فليتجرع الجميع فاجعة الفقدان .. فقدان وطن بأكمله .. فهل يا ترى من منقذ للوطن من بين أبنائه؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني