تربية النحل وجني العسل .. رحلة محفوفة بالمخاطر

ينشغل "علي لجدل" وأشقاؤه هذه الأيام في نقل جبوح النحل من منطقته إلى محافظة أخرى معتدلة الأجواء وتتوفر فيها مراعي الرحيق من الزهور والأشجار، وبالتحديد في شهر أبريل من كل عام، بعد عناء على مدار باقي السنة يتمثل في الاهتمام بخلايا النحل وإطعامه ومتابعة مراحل تكوينه ليصل إلى المستهلكين غذاء متكاملا فيه شفاء للناس، كما وصفه الله تعالى في القرآن الكريم.

وتعتبر مهنة العمل في تربية النحل وجني العسل من الأشغال الشاقة المحفوفة بالمخاطر، خاصة وأن العشرات من أصحاب المناحل تعرضوا للخسارة بسبب جرف السيول لخلايا النحل التي تخصهم، وخصوصا أن أغلب هذه الخلايا توجد في الوديان ومجرى السيول التي تتوفر فيها أنواع زهور الحمضيات التي يستخرج منها النحل الرحيق.

 كما يتعرض أصحاب خلايا النحل لحوادث مرورية بسبب تنقلاتهم المتواصلة بحثاَ عن الرحيق والاشجار، علاوة على خطر اندثار هذه المهنة بسبب استهداف الطيران الأمريكي للجماعات الموجودة  في مرتفعات الجبال والوديان التي يعتمد النحل غالبا على زهرها ولقاحها لتكوين العسل ..

مصدر رزق :
وتربية النحل وإنتاج العسل من الحرف القديمة في بلادنا حيث يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد كمصدر رزق وزيادة في الدخل لكثير من الأسر فضلا عن توفيرها فرص عمل جديدة
ويتمتع العسل الحضرمي بمكانة مرموقة وشهرة تجارية كبيرة فقد بلغت قيمة الكيلو جرام الواحد من العسل سعرا لم يبلغه أي نوع من العسل في العالم .. فاليمن من أهم المناطق لتربية النحل لتنوع المناخ والمراعي الطبيعية طوال العام.
وقد تزايدت أعداد النحالين في السنوات الماضية بشكل كبير وأصبحت مهنة النحالة المصدر الرئيس لدخل الكثير من الأسر الفقيرة ، وتتصدر محافظة حضرموت المرتبة الأولى, وأبين المرتبة الثانية, وشبوة المرتبة الثالثة, والحديدة الرابعة الأكثر إنتاجا للعسل اليمني بأنواعه المختلفة.

مشغولون بتسويق العسل
(الأمناء) تجولت في أحد أسواق محافظة أبين أكثر من مرة وسط زحام كبير من الباعة والسيارات والمتسوقين في ساحة صغيرة بجانب شارع خلفي محاط بالمحلات التجارية.
فالنحالون الباعة مشغولون بتسويق عسلهم على شكل علب قصدير أو عبوات بلاستيكية حجم 5 لتر يعرفون الشخص من بداية حديثه هل نيته الشراء أم الفضول – مثلي – فهم إما جلوس خلف عسلهم أو يفترشون الأرضية أو أرضية سياراتهم أو واقفين والزبائن يتجولون بينهم تارة يقومون بالاكتفاء بالنظر إلى العسل وشم رائحته وفي حال رغبتهم بالشراء أو أعجبهم العسل يقومون بإدخال سبابة أصابعهم في أعلى العبوة لإخراج جزء بسيط لتذوقه.. نحالون وتجار توافدوا من مناطق أبين ومن محافظات أخرى.

أعداد مهنة النحالة في ازدياد
وتزايدت أعداد النحالين في السنوات الماضية بشكل كبير وأصبحت مهنة النحالة المصدر الرئيس لدخل الكثير من الأسر، وأشارت بيانات كتاب الإحصاء الزراعي لعام 2004م أن عدد طوائف النحل ارتفع من 137300طائفة في عام 1990م إلى أكثر من مليون طائفة خلال عام 2003م ، وارتفع عدد النحالين من 7100 نحال عام 1990م إلى 16500 نحال خلال عام 2003م ، أكد تقرير صادر حديثا عن الإدارة العامة للإحصاء بوزارة الزراعة والري أن عدد خلايا النحل في بلادنا
( 1223000 ) خلية النسبة الأكبر منها تتركز في محافظة حضرموت لتوفر البيئة والمرعى المناسب للنحل ، وأن إنتاج العسل يصل سنويا إلى (2438000) كيلو جرام ووصل حجم الإنتاج عام 2007م إلى (2409000) كيلو جرام ، وتبلغ كمية العسل المنتجة سنويا من محافظة حضرموت حوالي (800000 ) كيلو جرام من ( 325000) خلية نحل تليها محافظة أبين بإنتاج سنوي (367000) كيلو جرام وجاءت محافظة شبوة في المرتبة الثالثة بكمية إنتاج تصل إلى (315000) كيلو جرام وحلت الحديدة رابعا بحوالي (298000) كيلو جرام ..

بديلاَ عن الوظيفة :
  النحال/ عبد الحكيم صالح عمر, من محافظة أبين أشار بأنه وعددا من أصحابه يحرصون على بيع منتجاتهم من العسل في سوق لودر منذ سنوات طويلة ومهنة النحالة وبيع العسل هي كمصدر رزق لأسرتي لعدم وجود  وظيفة معي في أي مرفق حكومي , ونناشد الحكومة أن توفر فرص العمل الحكومي للعاطلين عن العمل ..

أحمد عبدالله ، في الخمسينات من العمر قال: لجأت إلى تربية النحل كمصدر رزق بدلاَ عن فقدان الوظيفة و إن العسل الذي أنتجه يوفر لي غالب احتياجات أسرتي منذ سنوات، وأنا أتعامل مع تجار مشهورين في بيع العسل يتسابقون لشراء منتجي لجودته العالية

وعن أنواع العسل قال : ـ
 عسل السدر – أهمها وأجودها يليه السمرة والمراعي، ومروة, وموسم كل نوع مرة واحدة في الموسم أو العام ..
والزبون يحرص على الشراء من المحلات أكثر من خارجها فإذا وقع بالغش لاسمح الله أو اشتبه فيه يرجع العسل لك لاحقا ، وتبقى مهنة النحالة وتجارة العسل مربحة إذا وجدت الاهتمام والرعاية الكافية من قبل الدولة والجهات المعنية..
فبالرغم من كل ما ورد في الكتب عن قدم مزاولة اليمنيين لمهنة تربية النحل وإنتاج العسل فإننا يجب أن نقر بأن أوضاع هذا القطاع في بلادنا في تدهور مستمر خاصة إذا ما قارنا وضعنا مع أوضاع دول وشعوب أخرى لم تكن تملك أي ميراث ثقافي أو تاريخي في هذا المجال وأصبحت من الدول المتقدمة حيث أصبحت تربية النحل صناعة متعددة المنتجات فمتى نبدأ بداية صحيحة بتشخيص الوضع الحالي تشخيصا علميا دقيقا يمكن وضع أسس سليمة لاستراتيجية وطنية تحقق الأهداف ..

معيشتهم في التنقل والترحال :

اعتاد المسافرون بين المدن رؤية العديد من النحالين المتنقلين، وكثيرا ما تساءلوا عن سر اهتمامهم بهذه المهنة وكيف هي معيشتهم في هذا التنقل والترحال.. وحول تلك المهنة «العسال أو النحال المنتقل»، يوضح النحال أبو خميس الفني : أن النحال يتنقل بين مراعي النحل في الأماكن والجبال من أجل الحصول على عسل جيد بنكهة الطبيعة وفوائدها، حيث يحمل مناحله معه ، أما العسل فأسعاره تتراوح حسب النوعية ، وهو عسل طبيعي ينتج هنا في المنحل، وهو مفيد ونافع بإذن الله تعالى يقوم بتنظيف المعدة ويحمي من الزكام ويعالج السكري والعديد من الفوائد ..

ويضيف: لا بد من التنقل لتتبع الربيع والأمطار، والأجواء المعتدلة والمناطق المشجرة، وأهم الأشجار التي يحبها النحل ويجني منها الرحيق هي القرملة والعرفجة والطلح والسدر لأنه ينتعش فيها النحل ويتكاثر ويجيب (عول) يعني مجموعات ويفرخ كثيرا ثم نقوم برعاية الأمهات بشكل خاص والأمهات اسم خاص يطلق على الصندوق القديم الذي يطلع فيه النحل الجديد، حيث يخرج النحل القديم من الصندوق إلى الشجرة ثم نقوم بإحضاره إلى صندوق جديد يسمى البكر ليقوم بالبناء من البداية، حيث يصنع عمائر بأشكال سداسية عجيبة.

ويردف : ومن خلال هذا العمل الشاق والمتعب ومعيشة الترحال والسفر نبتغي به حياة طيبة لأسرنا وأطفالنا خير من أن نمد أيدينا إلى الآخرين.

 

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني