بعد عناء طويل مع وقع حرارة شمس الظهيرة، ونحن نبحث عن مكتب السياحة في أزقة وشوارع وأحياء مديرية التواهي؛ ارتسم لنا المكتب الأم للسياحة في المحافظة.. تناثرت في حدقات العيون علامات التعجب والاستفهام، بناية طال بها الزمن تتكون من ثلاثة أدوار على طرف الشارع، ليس هناك ما يومي إلى أنها مبنى السياحة!.. هرمت وتآكلت تلك اللوحة التي كانت معلقة على المبنى ـ كما قال البعض!
وعندما تطأ قدماك للوهلة الأولى هذا المكتب؛ هناك أسئلة تثير الفضول ابتداءً من عتبة الباب ووصولاً إلى الكرسي الذي يجلس عليه المدير.. نوافذ مكسرة، وغرف تملؤها الأتربة، وأوراق وسجلات تالفة مركونة، طاولات وكراسٍ في أروقة المبنى تالفة, تلتقي القائمين على مكتب السياحة؛ لتكتشف مدى المعاناة والإهمال اللذين تواجههما (سياحة عدن)!.. وكيف يتم التعامل معها ـ كاستثناء ـ أو النظر إليها من منظور ضيق، كأنها لا جدوى منها، أو كأنها لا ترتقي إلى مستوى الأهمية التي تستوجب الاهتمام بها!!
السياحة في وضع مأساوي جداً
في حديثه لـ "الأمناء" عن الوضع السياحي في المحافظة، ومعرفة الأسباب التي تقف عائقاً أمام تطور السياحة في عدن، قال مدير عام مكتب السياحة في عدن جعفر أبوبكر محمد جعفر: "تمر البلاد بظروف تعيسة جعلت السياحة في وضع مأساوي جداً أثر على السياحة الداخلية، ونتيجة للأوضاع التي يمر بها البلد؛ فإن السياحة شبه راكدة، لأن السياحة لا يمكن أن تتحرك إلا إذا كان هناك استقرارا أمنيا وانتعاشا اقتصاديا".
وأضاف "انتعش النشاط السياحي في عدن في موسم (خليجي عشرين)، ويكاد يكون ذلك الشهر قمة السياحة في المحافظة، وعدن محافظة سياحية، وهذا واضح ومعروف لما تمتلكه من شواطئ وعوامل طبيعية من جبال ومناخ وكادر بشري، ومعلوم أن الأحداث والحوادث تؤثر سلباً على السياحة في بلادنا، فالسياحة تتأثر بشكل سريع وكبير وطلقة رصاص مثلا قد تلغي حجوزات وغيره".
شيءٌ خير من لا شيء
وأوضح جعفر "بالنسبة للسياحة الداخلية التي نعتمد عليها؛ فإن هناك عوامل عدة أثرت بشكل سلبي نتيجة للمشاكل وقطع الطرقات وتردي الأوضاع الاقتصادية وغيرها أدت إلى قلة النشاط السياحي، بل والخوف من القيام برحلة سياحية"..
وتابع" نتمنى أن تهتم الدولة بالسياحة؛ لأن السياحة رافد أساسي للاقتصاد، وهناك دول عدة تعتمد بدرجة رئيسة على القطاع السياحي.. والآن بسبب الوضع لا نستطيع الضغط على أصحاب المنشآت لأنهم يشكون من تدني النشاط، ولو نستمر في الضغط عليهم سيضطرون لإغلاق المنشآت.. فيبقى لسان الحال: شيء خير من لا شيء، على الأقل نحافظ على المنشآت القائمة لتبقى فاتحة أبوابها لتقديم الخدمة الإيوائية للزوار، سواء في المواسم أو الأيام العادية".
لا نملك الإمكانيات .. لذا نضطر للصمت!!
واستدرك الحديث عن شحة الإمكانيات: "الميزانية التشغيلية للمكتب ضئيلة جداً لا تقارن ببعض المكاتب، فهناك مكاتب مخصصاتها كذا مليون في الشهر ونحن في مكتب عدن 200 ألف ريال، لذا صعب أطلب منك شيئا وأنت فاقد لهذا الشيء، لذا نحن لا نستطيع القيام بعمل أو نشاط سياحي في ظل هذا الوضع، والمخصص الضئيل.. إذن متى ما توفرت الإمكانيات المناسبة، ووسائل النقل عندها نستطيع عمل مشاريع وأنشطة سياحية والتحدث أيضا عن السياحة.. فنحن لا نستطيع مثلا أن ندعو صحفيين لجولة سياحية في عدن، ونشاط سياحي، لأننا لا نملك التكاليف لذا نضطر للصمت!".
وأكد مدير عام مكتب السياحة في عدن: "لتفعيل السياحة داخل المحافظة لا بد من وضع مخصصات لذلك مثل طباعة وسائل إعلامية ترويجية، ولكن؛ فاقد الشيء لا يعطيه، مكتب السياحة في محافظة عدن ميزانيته التشغيلية 200 ألف ريال، وطاقم الموظفين فيه 31 1 موظفا، وإذا كان مخصص الترويج أو الإعلانات الذي يُفترض أن يكون مخصصا كبيرا للقيام بالترويج والإعلانات، وعمل البروشورات وغيرها، إذ أنه لا يتجاوز الـ 1200 ريال في الشهر، فكيف سنتمكن من القيام بأعمال الترويج والدعاية، فنحن الآن كالشخص الذي بلا أرجل وتطلب منه أن يمشي، نحن عاجزون عن القيام بأية أنشطة أو برامج سياحية أو ثقافية بمبلغ ضئيل، بل لا يذكر، نحن بحاجة لمخصصات تمكننا من القيام بأنشطة سياحية كأن يكون المخصص 3 ملايين ريال؛ أقل شيء حتى نتمكن من ذلك".
هناك عوامل حدّت من النشاط السياحي !
وألحق بالقول: "الآن الزائر عندما يدخل عدن، أو عندما يأتي من صنعاء إلى عدن كم نقطة تفتيش يمر بها، هذه أمور طاردة للسياحة، وليست جاذبة لها، والزائر والمواطن يحتاجان الأمن والأمان، وبعد ذلك يحتاجان الاستراحات.. هناك عوامل حدّت من النشاط السياحي، ولا بد أن تقوم الدولة بتوفير الخدمات في المناطق السياحية كالاستراحات والمطاعم والحمامات، وهذا يدخل ضمن دور السلطة المحلية والقطاع الخاص في الاستثمار، والمفروض أن يتم الترويج للأماكن السياحية وتوفير الخدمات الأساسية فيها".
وتابع: "من أجل أن تعود السياحة؛ المطلوب استقرار الوضع وتحسن الظروف، لذا يمكن القول إذا وجد الاستقرار الأمني وتحسن الوضع الاقتصادي ستكون هناك سياحة، أما الآن فالوضع غير مستقر والوضع المعيشي للمواطن لا يجعله يفكر بالسياحة، وإذا فكر بالقيام برحلة مع أسرته؛ فمعنى ذلك أنه يريد ما لا يقل عن راتب شهرين خلال فترة 3 أيام إلى أسبوع، طبعاً هذا أمر يجعله يفضل تأمين متطلبات المنزل خيراً من إنفاق (الفلوس) في رحلة سياحية لن تجدي شيئاً بنظره، وهذا طبعاً بعكس السائح الأجنبي الذي وضعه المعيشي مستقر ودخله مرتفع، فعندما يخرج في سياحة يكون مستعداً مادياً ولا يؤثر ذلك على متطلباته الأخرى أو الأساسية".
مطالبة
واختتم جعفر: "نناشد ونوجه رسالتنا ونطلب من الجهات المختصة، وخاصة وزارة السياحة والسلطة المحلية، أن تعيدا النظر في مخصصات مكتب السياحة، خاصة أن عدن محافظة سياحية بامتياز، وشح المخصصات وقلة الإمكانيات تقف حائلاً أمام تنفيذ العديد من الأنشطة، أو إقامة الفعاليات السياحية.. ونتمنى ألا تعامل عدن كلحج أو حجة أو أبين أو صعدة، فـ عدن لها وضع خاص، وهي عاصمة اقتصادية وتجارية، وكانت قبل عام 90 عاصمة لدولة، فمن المعيب أن تكون موازنة مكتب السياحة التشغيلية بهذه الضآلة".
الصراعات السياسية السبب الرئيسي !
وكان لنا حديث في مديرية المنصورة، فمكتب السياحة تم إدراجه ضمن مبنى المكتب التنفيذي لمكتب البلدية التابع للمجلس المحلي بإحدى الغرف المحفرة .. ناصر أحمد عبودة، مدير المكتب، قال: "المنظر يعفي عن السؤال، فالمكتب من المفترض أن يخصص إيجاراً لمكاتب السياحة في مكان يليق باسمها كسياحة، ولكن هناك عدد كبير من الزملاء من مدراء مكاتب السياحة في مديريات محافظة عدن ليس لديهم مكاتب على الإطلاق".
وأضاف: "أستطيع أن اقول إن وجود هذه المشاكل في البلاد والصراعات السياسية هي السبب الرئيسي في هذا التراجع المفجع للسياحة في محافظة عدن.. ومنذ ثلاث سنوات تقريباً بدأت السياحة تنكمش بشكل غير متوقع، وطفش كل من له صلة تربطه بالسياحة، أصحاب الفنادق والمنشآت السياحية وكل المستفيدين من خدمات السياحة.. وتلاحظ في الفترة الأخيرة أنه لا أحد يسلم رسوماً للدولة، ولا توجد تراخيص.. يعني الحال تعيسة بسبب ما وصلنا إليه من هذا التدهور".
وأنهى الحديث بالقول: "إذا كان مبنى السياحة (الأم) في محافظة عدن، والمعتمد من السبعينيات في مديرية التواهي، سوف يعود مكتباً لمأمور مديرية التواهي! فهذا مدلول على أن السياحة لا تتلقى أي اهتمام حكومي، والقضاء عليها متعمد"!!
سواحل دون سواح
إلى الفنادق ذهبنا، تقودنا خُطانا لنتأمل حالهم، وكانت الانطلاقة إلى الفنادق المتراصفة على خط عدن ـ تعز ، مررنا عليها واحداً تلو الآخر، وكانت الأسئلة نفسها التي نضعها أمام كل صاحب فندق، إلا أننا وجدنا الإجابات أيضاً واحدة ومتشابهة.. الكل أفاد بمعاناته، وبما لديه من هموم وقلق ومن ضعف وتراجع في مدخولهم اليومي والشهري، وقلة الزيارات لديهم.. وتضاءلت السياحة بشكلٍ مريب ـ هكذا تتلخص إجاباتهم ـ وهناك من الفنادق هجرت، وأخرى تحولت إلى مبانٍ سكنية وشقق للإيجار..
أخذنا جولة إلى كورنيش ساحل أبين ـ مأوى السائحين حيث المنتزهات ـ لنختتم بها جولتنا، فذكر مُلاك المنتزهات أن دخولهم كانت تكفيهم، أم الآن "لا نعرف كيف نوزع مدخولنا الشهري، هل للعامل أم مصروف لنا ـ شخصياً ـ أم لعوائلنا تلك التي هجرناها نبحث لها عن رزق؟!.. الزائرون كانوا يتواجدون هنا على الساحل حتى الفجر، أما الآن بمجرد أن يحل الظلام يرحل الجميع من هنا.. لأن الوضع ليس آمناً، والذي يريد يستريح من يخلي له حاله؟!".
صراع وخناق!!
صارع وخناق حاد على مبنى مكتب السياحة في محافظة عدن بين مدير عام مديرية التواهي، ومدير عام مكتب السياحة، والعقيد محمود أحمد علي، مدير إدارة الشرطة السياحية!.. علماً بأن هذا المبنى حكومي، ومعتمد من السبعينيات للسياحة، ليس له أية علاقة بالجهات الأخرى.. إذ أن المأمور (مدير عام المديرية) كان مكتبه في فرع وزارة الإحصاء والتخطيط.. ولعله استغل الوضع الحرج لما وصلت إليه السياحة، في ظل غياب حكومة تنصف المظلوم، فداهم مكتب السياحة بأوامر من محافظ عدن وحيد علي رشيد!.. بينما هناك توجيهات من وزير السياحة قاسم سلام تؤكد فيها أنها في صدد توسيع نشاط مكتب السياحة في عدن، وإعادة هيكلته بما يخدم النشاط السياحي، وهي بحاجة ماسة للمبنى.. وذُكِرَ في توجيه الوزير "نأمل عدم المساس بمبنى مكتب السياحة، وإشراك أية جهة بالمبنى لطبيعة نشاط المكتب الذي نأمل البدء بتنفيذه عاجلاً"..
والتقينا مدير إدارة الشرطة السياحية في عدن العقيد محمود أحمد علي الذي تحدث عن عملهم في هذا المجال، وعن قصة مبنى السياحة عدن، وقال:
"الشرطة السياحية تم استحداثها مؤخراً، فهي تعمل على حماية السياح والآثار والأماكن السياحية، بحيث تقوم باستقبال السياح من الميناء وأخذهم إلى المواقع السياحية بالمحافظة (المتحف, الصهاريج وقلعة صيرة)، وكذا عملية التسوق.. وتأمينهم منذ قدومهم وحتى مغادرتهم، وكذا متابعة أصحاب المنشآت السياحية بالمحافظة وإعطائهم النصائح التي تخدم السياحة والعمل السياحي، وإلزام جميع المنشآت السياحية من الإدارة العامة للسياحة وضبط المخالفين منهم.. وللشرطة السياحية مستقبل قرينة إعادة هيكلة الجيش والأمن، وذلك من اعتمادها جزءاً من مهام الأمن والدفاع".
وأضاف: "عندما تم إبلاغي مؤخراً قبل نحو عشرين يوماً بأن مكتب مدير عام مديرية التواهي سوف ينتقل إلى مبنى الإدارة العامة للسياحة، وذلك وفق أوامر الأخ المحافظ م. وحيد رشيد، تفاجأت بهذه الأوامر.. وتساءلت: كيف يعطون الطابق الثاني لمأمور مديرية التواهي وموظفيه وقد أعلنوا أن إقليم عدن سوف تكون له وزارة سياحة ووكلاء ومدراء عموم وشرطة سياحية... إلخ؟! فكان الرد: هذه أوامر من المحافظ!.. بينما وزير السياحة أبلغ المحافظ أنها ستصبح الإدارة العامة في عدن، وزارة للسياحة في ظل الاتحاد الفيدرالي.. ويؤسفني جداً أن المحافظة تعرف مدى أهمية السياحة، ولكنهم تجاهلوا ذلك.. حيث إن للسياحة أهمية اقتصادية كبيرة لنمو المجتمع، والعلاقات الاجتماعية بين المجتمعات في الداخل والخارج".
استيائي ليس رفضاً للأوامر.. ولكن حفاظاً على المصلحة
وفي نهاية حديثه اختتم بالقول: "أتقدم إلى قيادة المحافظة، وكذا وزارة السياحة بأن يعيدوا النظر في هذه الأوامر، وخصوصاً أوامر محافظ المحافظة بدخول مبنى الإدارة العامة للسياحة، حيث إن هذه الأوامر أستاء منها جميع موظفي السياحة دون استثناء، وأنا اقدم استيائي الشديد لذلك؛ ليس رفضاً للأوامر، ولكن حفاظاً على المصلحة العامة والوطنية للبلاد.. وكذا من أجل سياحة آمنة وتطور اقتصادي وثقافي للبلاد، وأهم شيء في بلادنا هو تطور السياحة.. في الأخير أرجو من الأخوة المحافظ والمسؤولين بالمحافظة أن تبقى السياحة للسياحة فقط، ولا نريد دخول أية جهة أخرى في المبنى، كون المبنى قديما وأثريا وتحفة معمارية أثرية نرجو عدم المساس بها".
السياحة .. صناعة بدون (مداخن) !!
أصبحت السياحة ذات أهمية لتحسين الأوضاع الاقتصادية لأي بلد، والدفع بعجلة التنمية فيه.. فهي صناعة بدون (مداخن).. كما أنها بترول القرن الواحد والعشرين، فاليمن تمتلك مخزوناً سياحياً ضخماً ـ سواء أكان ذلك المخزون طبيعياً أو بشرياً ـ إلا أننا لا نزال نفتقد الكثير من البنى التحتية، والتسهيلات السياحية التي تجعل من المعلم السياحي ملتقى مهماً يتوافد إليه الناس من شتى أصقاع الأرض.