مبنى متهالك ودهاليز مظلمة تحتجز فيها القضايا لسنوات

التحديات التي تواجهها القضية الجنوبية اليوم كبيرة.. ومن أجل تعزيز قدراتنا على مواجهة هذه التحديات، علينا كجنوبيين بصفة عامة وعلى الحراك بصفة خاصة، القيام بعملية مراجعة نقدية صريحة، وشفافة لأدائنا خلال الفترة الماضية وفتح الجرح وتصفيته ربما تكون عملية مؤلمة ولكنها مفيدة وضرورية لاستعادة العافية.

وهنا، محاولة متواضعة للمساهمة في هذا النقاش..

أولا – بانتهاء أعمال مؤتمر الحوار، وبصدور قرار مجلس الأمن رقم 2140 دخلت البلاد، ومعها القضية الجنوبية، مرحلة جديدة وحاسمة لجهة تحديد شكل الدولة القادمة. ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة هو انتقال المسألة اليمنية والقضية الجنوبية من المستوى المحلي إلى المستوى الدولي مع كل ما يتبع ذلك من مترتبات.

صحيح أن الصورة ستتخذ شكلها النهائي عند الانتهاء من صياغة الدستور الجديد ولكن إذا جاز لنا أن نستعير بعض مصطلحات البناء فقد كانت مخرجات الحوار وقرار مجلس الأمن بمثابة الأساس والهيكل العام للبناء وستكون صياغة الدستور أقرب إلى عملية التشطيب.

ولقد تمت عملية البناء في ظل غياب شبه كامل للجنوب وبخاصة الحراك بصفته الحامل السياسي للقضية الجنوبية فهل يستمر هذا الغياب خلال مرحلة التشطيب؟.. لاشك أن الوضع دقيق ونحن نقف اليوم أمام مفترق طرق هام وبرأينا فإن اختيار الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الوضع لابد أن يخضع لنقاش مجتمعي واسع تشارك فيه مختلف فئات المجتمع الجنوبي وقواه الفاعلة وأهل الاختصاص في مختلف المجالات، القانونية والاقتصادية والسياسية ..الخ، ولكي يكون النقاش مثمرا لابد أن يلتزم جانب الموضوعية وأن يتحرر من عقلية السباق والمزايدة، وأن يبحث في السيناريوهات المتوقعة، والبدائل المتاحة والتكتيكات المناسبة من سباق الرؤية الاستراتيجية التي تستند إلى حق شعب الجنوب في تقرير مصيره.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الندوة التي يشارك فيها عدد من خيرة الكفاءات الجنوبية والتي نتوقع أن تخرج بحصيلة وافرة من الآراء والمقترحات التي يمكن أن تساعد إلى جانب غيرها من المساهمات، في بلورة رؤية موضوعية للتعامل مع هذا الواقع بما يضمن تعظيم المكاسب وتقليص الخسائر.

ثانيا – لاشك أن مخرجات الحوار ومعها قرار مجلس الأمن لم تستجب لتطلعات شعب الجنوب وكانت الحصيلة مخيبة للآمال من وجهة النظر الجنوبية، وعلينا أن نسأل أنفسنا لماذا؟ وكيف وصلنا إلى هنا؟

والجواب السهل، الذي يمكن أن يطمئن إليه بعضنا، هو أن تلقي اللوم على الآخرين، انطلاقا من نظرية المؤامرة أو من غيرها.

أما الجواب الصعب الذي يمكن أن نطمئن إليه فلابد أن يبدأ من نقد الذات ومساعدتها هل قدمنا ما هو أفضل فقضيتنا عادلة ليس فقط بمعاييرنا نحن كأصحاب القضية ولكن حتى بمعايير المراقب المحايد فلماذا لم نتمكن من كسب تأييد الأطراف المؤثرة؟ ولماذا كان الحصاد هزيلا؟

وفي محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن الإشارة إلى الآتي:

1- لابد من التأكيد في البدء، أن هذه النتائج لا تجعل من المجتمع الدولي عدوا لنا.

2- السبب الأساسي، الذي يترتب عليه الكثير من النتائج العملية (مما سيرد ذكره لاحقا) هو تشتت مواقفنا وتعدد كياناتنا وتقارب خطاباتنا.

3- لاشك أن النتائج لم تأت على هذه الصورة: لأن المجتمع الدولي يكره الجنوب و يحب الشمال فالمسألة ليست لها علاقة بالحب والكراهية بقدر ما ترتبط أولا وأخيرا، بالمصالح والمصالح تقود المواقف.

وعلينا أن نعترف بعجزنا عن الخوض في حديث المصالح والتصرف على مواقع تقاطع مصالحنا مع مصالح الآخرين.

4- كهدف جنوبي كانت مواقفنا مرتبكة فنحن لم نقاطع ولم نشارك بمعنى أنه لم تكن هناك مقاطعة كاملة ولا مشاركة كاملة مع أنه كان بالإمكان القيام بالمهمتين في نفس الوقت ولكن في سياق الاتفاق وتوزيع الأدوار وليس في سياق الاتفاق وتوزيع الأدوار وليس في سياق الخلاف ونتيجة لذلك فقد حرمنا أنفسنا من هامش المناورة ومن الاستخدام الأمثل لثنائية التكتيك والاستراتيجية.

5- لقد استنزفتنا الصراعات البينية التي لا تستند إلى أساس موضوعي وقد كان لهذه الظاهرة إلى جانب بعض مظاهر الغلو والتطرف في القول أو الفعل لدى بعض الأطراف، كان لها دور كبير في إثارة الكثير من عدم الاطمئنان لدى العديد من الأطراف الاقليمية والدولية بما في ذلك بعض الأطراف التي كانت تبدي بعض التفهم لقضيتنا ولما يتعرض له الجنوب من ظلم واضطهاد وتمييز.

6- في ظل كل نقاط الضعف هذه مجتمعة وجدنا أنفسنا عاجزين عن استخدام الكثير من أوراق القوة بيننا وفي مقدمتها سيادة ثقافة الدولة وقابلية الجنوب لبناء الدولة المدنية التي تعتبر الشرط الأساس لضمان أمن المنطقة واستقرارها وبالتالي تأمين مصالح الأطراف المختلفة.

7- وخلاصة القول أننا لم نكن قادرين على مساعدة أنفسنا، وبالتالي لا يحق لنا أن نتوقع مساعدة الآخرين.

ومع ذلك فقد تطوعت بعض الأطراف الدولية لمساعدتنا على توحيد صفوفنا والخروج برؤية موحدة وقيادة موحدة تقود الجهد الجنوبي في مختلف مراحل العملية السياسية ولكن استجابة البعض منا لهذه العروض كان ينقصها الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية والنتيجة أننا أغلقنا الكثير من الأبواب التي كان يمكن أن تأتي المساعدة عبرها.. ولا نستطيع أن نلوم المجتمع الدولي لأنه لم يجد شريكا جنوبيا واحدا موحدا يمكن التفاهم معه والدخول معه في اتفاقات جدية حول مختلف المسائل.

ثالثا – في ظل ما آلت إليه الأمور حتى الآن وبعد مرور ما يقرب من 7 سنوات من عمر الحراك الجنوبي السلمي، فإن مكونات الحراك وغيرها من منظمات المجتمع المدني الجنوبي وقواه الفاعلة مطالبون اليوم بوقفة جادة لتقييم تجربة العمل خلال الفترة الماضية واستخلاص الدروس لتجنب تكرار الأخطاء ولتطوير الأداء خلال الفترة القادمة.

وفي تقديرنا فإن المهمة الملحة اليوم هي التوافق على رؤية موحدة للتعامل مع الوضع المستجد وفي هذا الصدد يمكن القول أننا أمام خيارين:

1- إما الرفض المطلق لما أسفرت عنه العملية السياسية واستمرار المقاطعة واعتبار كل ما يجري أمرا لا يعنينا.

2- أخذ الموجود واستمرار النضال من أجل المطلوب وهو حق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته.

وهنا لابد من أن نسلم نحن أولا بأن الكلمة الأخيرة هي لشعب الجنوب وأن الثابت الوحيد هو حق شعب الجنوب في تقرير مصيره.

وفي ضوء ذلك، ومع كل الاحترام للآراء الاخرى فإننا نرى الآتي:

1- إن ما لا يدرك كله لا يترك كله.. وفي تقديرنا أن الطريق الأسلم الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف النهائي هو الخيار الثاني وذلك وفق الضوابط والمحددات التالية:

1- أخذ المتاح والبناء عليه والانطلاق منه إلى مواقع متقدمة مستفيدين، بشكل خاص، من وثيقة الضمانات التي يمكن أن تشكل مدخلا لتحقيق المزيد من المكاسب .

2- العمل بصورة متوازية على المسارين: مسار الضغط الشعبي والمقاطعة, ومسار المشاركة في إطار توزيع الأدوار.

3- استمرار وتكثيف العمل والتواصل مع الأطراف المؤثرة إقليميا ودوليا.. وبحث إمكانية تشكيل ما يشبه فرق الضغط (اللوبي) في مواقع القرار إقليميا ودوليا, وإعادة بناء الآلة الاعلامية الجنوبية على أسس علمية وموضوعية.

4- استخدام المتاح لإعادة بناء وتأهيل البنية التحتية لدولة الجنوب.

5- ممارسة أكبر قدر ممكن من التأثير، وبمختلف الوسائل المتاحة على نشاط الهيئات العاملة في هذه المرحلة وعدم ترك أي فراغ في هذه الهيئات وبخاصة لجنة الدستور لضمان بقاء الأبواب مفتوحة أمام تطلعات شعب الجنوب من قبيل (حق الاندماج وحق الانفصال في إطار حق تقرير المصير, توزيع السلطة والثروة, عدد الأقاليم وحدودها ...الخ).

6- تشكيل فريق من الخبراء القانونيين الجنوبيين لإعداد دستور مقابل بالتزامن مع عمل لجنة الدستور.

7- إعادة وتنمية علاقات التكامل الاقتصادي بين محافظات الجنوب.

8- اتخاذ خطوات جادة على طريق توحيد الصف الجنوبي وتشكيل اصطفاف واسع يضم مختلف مكونات المجتمع الجنوبي الفاعلة (حراك, أحزاب، منظمات مجتمع مدني، وغيرها من الشخصيات الطبيعية والاعتبارية الفاعلة).

9- تطور علاقات التنسيق والتكامل بين مختلف المكونات على مستوى المحافظات من خلال الاستئناس لتجربة محافظة شبوة فيما يخص التنسيق بين مكونات الحراك والمجتمع المدني، والجمع بين معركة المطالب السياسية والمطالب الحقوقية، انطلاقا من مبدأ أن الجنوبي الجيد في عدن لابد أن يكون أولا عدنيا جيدا أو مهريا جيدا ...الخ.

وفي الختام فإن حصان الرهان هو شعب الجنوب وقد قدم هذا الشعب تضحيات كبيرة على مذبح قضيته وقد كان في كل المراحل متقدما على كل النخب والقيادات التي تقع عليها مسؤولية البحث عن الحلول والبدائل وطرق كل الأبواب التي يمكن أن تؤدي إلى خلاص هذا الشعب العظيم وتعويضه عن 46 عاما من الوقت الضائع بمقاييس التنمية ومستوى المعيشة.

والسياسة فن الممكن ولابد لأي سياسي صاحب قضية من أن يمتلك القدرة على التعامل مع المستجدات وأن لا يكون كالذبابة التي ماتت من الأعباء بعد أن ظلت ترتطم بزجاج النافذة، المرة تلو الأخرى في محاولة للخروج من الغرفة دون أن يلهمها تفكيرها المحدود أن ترى الباب الذي كان مفتوحا على مصراعيه بجوار النافذة.

                   رئيس اللجنة التنفيذية لمؤتمر الجنوب (القاهرة)

                                     عدن 2014/4/5

 

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني