كان لحادثة تفجير قنبلة يدوية في مطار عدن الدولي في صبيحة 10 ديسمبر 1963م، والتي كان المندوب السامي السير كنيدي تريفاسكيس ووزراء الاتحاد وعدن هدفا لها، والذي هزت مضاجع السلطات البريطانية وحكومة الاتحاد، ومثلت صدمة عنيفة وقاسية لها، كانت الاجراءات والبداية التي مهدت للكفاح المسلح في مستعمرة عدن كما وصفها المناضل يوسف فضل العزيبي في كتابه "التنظيم الشعبي خلاصة الثوار"، وجرت محاولات كثيرة للاسف بعد الاستقلال لطمس هذه الحادثة والتقليل منها ومن صاحبها، الا ان التاريخ السياسي لمستعمرة عدن رصدها ضمن سرده للاحداث – انذاك – باعتبارها عملية فدائية افشلت احد مخططات الحكومة البريطانية.
الحادثة:
خلاصة الحادثة كما اوردها الدكتور السالمي في كتابه "اتحاد الجنوب العربي" ان الحكومة البريطانية دعت وزراء حكومتي الاتحاد وعدن لحضور مؤتمر دستوري في لندن في منتصف ديسمبر 1963م، وذلك لتحديد ملامح الدولة الجديدة ومستقبل تأجير القاعدة العسكرية البريطانية – بعد الاستقلال، وعند وصول المندوب السامي وزوجته الى باحة المطار، وكان في استقباله وزراء الاتحاد وعدن، وفجأة رمى المناضل الفقيد خليفة عبدالله حسن الخليفة من فوق شرفة المودعين، قنبلة يدوية باتجاه المندوب السامي تسببت بمقتل مساعده "جورج هندرسون"، الذي ضحى بنفسه ودفع المندوب السامي الى الارض وتحمل بدلا عنه شظايا القنبلة وكذلك امرأة هندية كانت بالقرب من المندوب السامي وكانت ضمن المسافرين، وجرح 53 شخص كان من بينهم المندوب السامي نفسه بشظية اصابت يده والسلطان احمد عبدالله الفضلي وعلى ضوء ذلك الغي سفر المدعويين وتأجل المؤتمر"ز
د. السالمي، 2010م: 378
اما المندوب السامي تريفاسكس فقد وصف الحادثة في كتابه SHADES OF AMBER طيف الكهرمان كالتالي كنت أتأهب بعد وصولي الى باحة المطار لاصافح بعض الوزراء الاتحاديين وكانت بالقرب مني زوجتي عندما لاحظت شيء مائل للاخضرار ينبعث منه دخان فاتجهت اليه مسرعا وامسكته ورميته بعيدا لاسمع صوت انفجار، وجسم مساعدي السيد جورج هندرسون يحجبني كستار، وهنا اتجه نحوي مفوض الشرطة ليسندني وادخالي سيارة دار الحكومة، الا ان نظري كان متجها نحو السيد هندرسون والدي كان مرميا بالارض فتم حمله الى داخل سيارة دار الحكومة وكان حينها لازال فيه بعض الرمق، واما من ناحيتي فانني كنت مزيج من الدهول والدهشة والاستغراب لما حدث، خاصة عندما رأيت صدر السيد هندرسون مخضبا بالدماء، وهنا وعيت بانني لولا السيد هندرسون لكنت في عداد الموتى، وكانت زوجتي في مقدمة السيارة وتنظر نحونا ونحو يدي التي كانت مخضبة بالدماء وفي المستشفى اشعرت بان السيد هندرسون قد توفى قبل وصوله الى المستشفى وعرفت ان شظايا القنبلة دمرت رئتيه، وهنا وعيت شجاعة هذا الرجل الذي ضحى بنفسه لاجلي، والذي استحق ميدالية جورج الثاني من قبل الحكومة البريطانية نظير العمل الذي قام به، اما من ناحيتي فانني لم اشعر بالدماء التي كانت تسيل من يدي نتيجة احدى الشظايا حيث عولجت منها في خلال الساعات التي قضيتها في المستشفى، وبد ذلك التفت نحو زوجتي التي كانت بالقرب من السيدة الهندية التي توفت، ورماها الانفجار بعيدا فقد تعرضت لبعض الرضوض والخدوش، ونصحتها بان لا تبقى في عدن في ظل تلك الاوضاع الا انها رفضت" 199-198: 1968 SIY:KENDY TREVASKIS.
تبعات الحادثة:
كانت الصدمة قاسية لدى المسؤولين الاتحاديين والبريطانيين، واتهم بيان رسمي من الحكومة الاتحادية الجمهورية العربية اليمنية بانها كانت وراء الحادثة، وفرضت حالة الطوارئ والتي اجازت للسلطات الامنية عملية التفتيش والاعتقال بدون اذن رسمي وطالت تبعات هذا الحادث اعتقال القيادات العليا في كل من "حزب الشعب الاشتراكي – رابطة ابناء الجنوب – المؤتمر العمالي، وقدر عدد المعتقلين بـ 128 معتقل تم ايداعهم معتقلات في سجون زنجبار واحور وجعار، وتم تسفير عدد من ابناء الشمال.
ولم تسهم عملية الاعتقالات الا في تعقيد الاوضاع السياسية في داخل المستعمرة، اذ اندلعت المظاهرات في يناير 1964م، متحدية قانون الطوارئ وصبت الانتقادات ضد السلطات البريطانية من قبل منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية، واعتراض النواب الوطنيين في المجلس التشريعي على قيام السلطات الاتحادية بالاعتقالات داخل مدينة عدن.
د. السالمي، 2010: 379-380
عن هذه الحادثة ذكر د. أحمد عطية المرصدي في كتابه النجم الاحمر، بان المناضل محمد سالم باسندوة احد قيادات "حزب الشعب الاشتراكي"، اكد انذاك – بان قنبلة المطار بقدر ما استهدفت المندوب السامي والوزراء المرافقين، بقدر ما استهدفت مؤتمر لندن الدستوري الذي كان يزمع اقامته، وهو تعبير عن رفضنا له، د. المصري 1974: 186
القضاء يطلق سراحه لعدم ثبوت الادلة:
تم اعتقال المناضل الفقيد خليفة عبدالله حسن خليفة وهو من اسرة عدنية عريقة واحد الكوادر الفنية العاملة في ادارة برج مطار عدن واودع معتقل رأس مربط في التواهي وجرت محاكمته وكلف احد المحاميين الانجليز للدفاع عنه ولعدم ثبوت الادلة تم اطلاق سراحه بعد شهر من الاعتقال، وهذا يبين عدالة وحيادية ونزاهة القضاء انذاك ويعرفه المناضل الفقيد عبده حسين الادهل في كتابه "الاستقلال الضائع" بان خليفة عبدالله حسن كان شخصية رياضية ونقابية محبوبة، وارتباط اسمه بحادثة قنبلة المطار ناد من شعبيته واختاره المناضل الكبير الفقيد عبدالقوي مكاوي رئيس وزراء حكومة عدن في مارس 1965 ليشفر حقيبة المالية في حكومتة (الادهل،1993:190)
وبقي خليفة في عدن حتى اواخر 1967 ورحل الى ابوظبي في الامارات العربية المتحدة وعمل فيها، وزار عدن في التسعينات من القرن الفارط وعاد الى دولة الامارات حتى وافاه الاجل ودفن فيها – رحمه الله.