لا يختلف اثنان على أن مناطق ردفان والضالع هي من المناطق المحسوبة على الحراك الجنوبي بل أنهما تشكلان المعقل الرئيسي للحراك السلمي الجنوبي إذ ان معظم أبناء هاتين المنطقتين موالون للحراك ولكن بالمقابل فإن هناك قادة عسكريون ومدنيون ينتمون إلى هذه المناطق يعملون في ركب السلطة ويبذلون كل ما بوسعهم لخدمتها وإن كان على حساب مناطقهم وخلافا لتوجهات وتطلعات أهلهم وأبناء جلدتهم .
هناك الكثير والكثير من الكوادر القادة العسكريين والأمنيين والمدنيين من أبناء ردفان والضالع علقوا آمالهم وتطلعاتهم بثورة التغيير وبالرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي في إنصافهم وإعادة الاعتبار إلى مناطقهم من خلال تمثيلها ولو بالشيء اليسير من حزمة القرارات والتعيينات التي صدرت بعد الاطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح , ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وحدث ما لم يكن بالحسبان .
ما إن حطت ثورة التغيير رحالها حتى اندلعت ثورة لاستبعاد الكثير من القادة العسكريين والمدنيين من ابناء ردفان والضالع من مواقعهم القيادية بصورة عنصرية إعادت إلى الأذهان مسلسل التسريع والإبعاد للقادة والكوادر الجنوبيين الذي مارسه نظام الرئيس صالح عقب انتهاء حرب صيف عام 1994م .
وليس العميد ثابت جواس أو العميد ثابت ناصر الجهوري أو السفير عبدالله ناصر مثنى أو الدكتور خالد الحنشي أو العميد محمد بن محمد الردفاني وووووو غيرهم من القيادات والكوادر من أبناء ردفان إلا بداية لقائمة طويلة من القيادات التي تم استبعادها فيما البعض الآخر من القادة والعسكريين تم الزج بهم في المعارك التي دارت رحاها في محافظة أبين وسقط خلالها شهداء بطريقة وبأخرى في حرب يدرك الجميع حقيقتها والأطراف المتصارعة التي تقف خلفها .
أكثر من مائتين وخمسين شهيدا ما بين ضابط وصف وجندي من أبناء ردفان سقطوا خلال تلك المعركة ومثلهم في عداد المفقودين
ويبدو أن النظام الجديد ما زال أسير تجاربه التاريخية غير السعيدة في الجنوب.
وقد يعتبر البعض أن هذا التقييم قاسٍ بعض الشيء، ولكن لا يظهر من مسار القرارات المتخذة.. ومن خلال جملة القرارات يظهر أن النظام يرى الجنوب بعيون الماضي ، وأما الشمال فالأمر ليس بتلك الأهمية لأن القرار في هذه الحالة مرتبط برجل الشمال القوي منذ ثلاثين سنة إضافة إلى تأثيرات قيادات حزب الإصلاح ، مع بعض الفتات هنا أو هناك لبقية أحزاب القسمة المشتركة.
وبالعودة إلى الجنوب، فان الماسكون بزمام الامور مازالوا عند قناعاتهم في استمرار الإقصاء لرجالات الضالع وردفان ويافع (مديريات محافظة لحج الجنوبية) من المواقع المدنية والعسكرية، عدا-فيما ندر- من كان إلى جانبه في حرب 1994م أو ما كان مصادقا عليه من جنرالات صنعاء التي تتعامل مع ردفان والضالع بأنها مناطق غير خاضعة لهم وأن أبناءها يشكلون الثقل الأكبر في الموالاة للحراك الجنوبي الذي ترى تلك القيادات بأنه يريد إعادة عجلة التاريخ إلى ما قبل عام 1990م .
ورغم دعوات التصالح والتسامح التي يخفي وراءها أبناء مديريات محافظة لحج مشاعرهم المستنكرة لهذا الإقصاء المستمر منذ تلك الحرب اللعينة، رغم ذلك فإن العديد منهم ما زال يتذكر تلك الحيلة القذرة التي كان يلجأ إليها علي عبدالله صالح عقب كل انتفاضة يقوم بها أبناء ردفان والضالع ، حيث يستدعي المجموعات العسكرية والأمنية منهم إلى صنعاء للاستعانة بهم في تهدئة الوضع وتكليفهم بالعمل كلجان للنزول لتهدئة الشارع ووضع الحلول والمعالجات لقضاياهم ورفعها أليه لتنفيذها ويعدهم بحل مشاكلهم والتي أثبتت الأيام والتجارب بأنها لم تكن سوى خدع وكذب على الذقون رغم ما بذلته تلك اللجان التي نقولها وبكل صراحة بأنها كانت تغامر وتدخل إلى مواقع المواجهات خاصة في التي شهدتها ردفان عام 2009م , ويعلم الجميع ماحصل في تلك المواجهات وكيف استطاعت تلك القيادات وبالتعاون مع أبناء ردفان الشرفاء والمخلصين تجاوز كل تلك المحن التي دفعت ردفان من خيرة أبناءها خلال تلك المعارك .
ويرى الكثير من المراقبين والمتابعين بان حزمة القرارات الرئاسية الاخيرة محاولة لاستعادة اطراف التحالفات القديمة ويستأثر لهم بالوظائف والمناصب السياسية والعسكرية، ويخصمها من حصة السلف الذي شرب من الكأس التي سقى الجنوبيين منها.
إذاً، هو الماضي وآثاره وقيادات صنعاء وتأثيرهم مازالت مصدر تلك القرارات، ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه وبقوة هو , هل يمكن لهذا الوضع أن يعطي للرجل فترة رئاسية جديدة لسبع سنوات بحسب الدستور الحالي، الذي لا يبدو أنه سيتغير قبل انتخابات فبراير 2014م .
إن من يقرأ تجربة الحراك الجنوبي منذ 1994 بعمق سيجد أن البدايات كانت تنطلق من مديريات لحج وتتمدد إلى حضرموت، قبل أن تجد صداها في أبين وشبوه بعد عام 2000 عندما جاء الدور على أبناء هاتين المحافظتين للخروج من جهاز الدولة العسكري والمدني في صنعاء.
وسيكون النظام قد سار على نفس خطوات سلفه إذا بقي يمارس (عنصريته) بإصرار، بل أنه سيكون في وضع أصعب حيث كان صالح يغطي عمله الإقصائي للجنوب من خلال تعيينات في مواقع يقدمها له نائبه -غير الراضي عن إقصاء جماعته- لكن الامر في الوضع الجديد يختلف لممارسة نفس الدور فيما ينشغل حلفاؤه بتقاسم حصتهم من تركة صالح. كما أن القضية الجنوبية قد بلغت مرحلة من الاشتعال والالتهاب -خاصة في لحج وحضرموت وعدن - إلى الحد الذي يصعب تداركه.
نعم، أن الجنوب وتحديدا لحج (الضالع - رفان- يافع- الصبيحة) قد قالت (لا) لعلي عبدالله صالح 2006، كما أن الجنوب هذه المرة (حضرموت ولحج وعدن) قد قالت أيضاً (لا) في فبراير 2012، ولكن يظهر أن الرسالة قد استوعبت في صنعاء حتى الآن. وطالما بقيت السلطة محصورة بين تحالف حرب 94 (هادي/ محسن/ المؤتمر/ الإصلاح) فإن القضية الجنوبية مقبلة على تصعيد لا تستطيع ممارسات بعض المحافظين أو شاغلي المناصب من عناصر تحالف 86/94 أن توقفها.. وسيجد هؤلاء أن القضية الجنوبية ليست مشكلة سببها تراخي أو سوء تقدير في التعامل من صالح، وإنما هي نتيجة شراكتهم معه، واحتكارهم لنفوذه لصالحهم، وأنهم بإعادتهم لإنتاج نفس التحالف الذي تأسس عام 94 مع تغيير شخص الرئيس لن يكون سوى استعجال في إعلان فك الارتباط بين الشمال بمن فيه من جنوبيين (تشمّلوا) وبين الجنوب الموحد في الرؤية وإن كان ينقصه القيادة.
ولا ينبغي أن يعوّل تحالف 94 على جمال بن عمر أو السفير الأمريكي أو سفراء الاتحاد الأوربي أو حتى الخليجي، فالموقف الدولي والإقليمي يرى أن الأمن هو معيار موقفه في اليمن. وإذا كان الأمن لن يتحقق في ظل الوحدة (الإكراهية) فإن الوحدة مسألة ليست مقدسة لديهم، خاصة وأن صنعاء الحكم صارت أضعف وأوهن من أن تضرب حتى بعوضة فما فوقها!