أثار توقيع عدد من القوى السياسية اليمنية على «وثيقة حل للقضية الجنوبية»، التي تقدم بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بنعمر، مؤخراً، مخاوف لدى الشارع اليمني من انفجار الوضع السياسي في البلاد، جراء الوثيقة التي ستعمل على تقسيم اليمن إلى أقاليم في إطار دولة اتحادية.
وأحدثت الوثيقة التي تم التوقيع عليها، الاثنين الماضي شرخاً بين الأحزاب السياسية، سواء المنضوية تحت تكتل اللقاء المشترك، وبين حزب الرئيس السابق على عبد الله صالح (المؤتمر الشعبي العام الشريك في الحكومة)، خاصة وأنها منحت الرئيس حق تشكيل لجنة ستقوم بتحديد عدد أقاليم الدولة القادمة.
واللقاء المشترك هو تكتل تأسس في 6 فبراير 2003 بين أحزاب المعارضة الرئيسة، قبل أن يصبح شريكًا رئيسيًا في حكومة الوفاق الوطني التي جاءت بها ثورة 11 فبراير 2011.
ووقع على «وثيقة الحل» غالبية ممثلي القوى والمكونات السياسية الممثلة في اللجنة المصغرة للقضية الجنوبية (وهي أحد اللجان المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني وتتألف من 16 عضواً)، من بينهم ممثلو الحراك الجنوبي السلمي الستة. فيما غاب ممثل الحزب الاشتراكي اليمني (شريك في الحكومة وأحد مكونات اللقاء المشترك)، وانسحب ممثل حزب التنظيم الوحدوي الناصري (احد مكونات اللقاء المشترك)، في حين وقع عبد الكريم الارياني وهو نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي وممثله في نيابة رئاسة الحوار بالنيابة عن ممثلي حزبه في اللجنة (أحمد عبيد بن دغر، وأحمد الكحلاني) اللذان رفضا التوقيع.
وكان حزب المؤتمر الشعبي العام، أول الرافضين للوثيقة، وأعلن بعد ساعات من التوقيع، أن الارياني «لا يُمثل إلا نفسه بتوقيعه على الوثيقة»، إلا أن الرد جاء من المبعوث الأممي جمال بن عمر في مؤتمر صحفي، أشار فيه إلى أن «الاتفاق تم برعاية الرئيس اليمني الذي هو نفسه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، إضافة إلى توقيع الارياني وهو الرجل الثالث في الحزب».
وبرر الحزب الاشتراكي اليمني في بيان له، اعتراضه على الوثيقة، بأن «هناك أطراف تحاول فرض شكل الدولة القادمة، واعتماد الأقاليم الستة (4 في الشمال، و2 في الجنوب) مع تجاهل لرؤيته ذات الإقليمين (شمالي وجنوبي)».
أما حزب التنظيم الوحدوي الناصري، المنسحب هو الآخر من التوقيع، فقال في بيان له، إن «الوثيقة تؤسس لخلافات عميقة حول بناء الدولة، وتكرس مبدأ الهويتين داخل الدولة الواحدة».
أما في الشارع، فاستحوذت الوثيقة على حديث اليمنيين، ففيما راح البعض يقول إنها «نسفت كل ما بناه مؤتمر الحوار الوطني من توافق، وأعادت اليمن إلى مربع الصفر»، يعتقد البعض الآخر أنها «مخرج الطوارئ الوحيد» للأزمة اليمنية بشكل عام، والقضية الجنوبية بشكل خاص.
وقال عضو اللجنة المصغرة لحل القضية الجنوبية، علي عشال، لوكالة «الأناضول»، إن «الوثيقة مدخل حقيقي لحلحلة الأزمة في إطار مبني على التوصيات والجذور والأفكار المنبثقة عن كافة القوى السياسية اليمنية، التي اتفقت جميعها على الدولة الاتحادية، ولم يخرج أحد عن الشكل الاتحادي، حتى أولئك الذين لم يوقعون عليها».
ورأى عشال، وهو أحد الموقعين على الوثيقة، انها «تحقق للجنوبيين شراكة حقيقية من خلال البناء الفيدرالي»، لافتاً إلى أنها كانت «محل نقاش وإجماع، ولم تحدث شرخاً في محتواها بالمجمل».
وأوضح ان «الخلاف ناتج عن عدد الأقاليم، حيث كان من الصعوبة أن تخرج بتوافق في تلك اللحظة، فكان من الضروري ترحيل الأمر إلى لجنة أخرى».
وفي هذا الصدد، كشف عشال أن «اللجنة التي سيشكلها الرئيس هادي، ستعمل بموازاة لجنة صياغة الدستور القادم الذي سيطرح على الشعب»، منوهاً إلى أن هذه الآلية «تستند على الإرادة الشعبية، وستطرح على المجالس المحلية التي ستُنتخب».
وخلافاً لبقية الأحزاب اليمنية، يتصدر حزب الرئيس اليمني السابق، واجهة المعارضين للوثيقة، طارحاً مبررات عديدة، خلافاً للحزب الاشتراكي الذي يصر على تقسيم اليمن الى إقليمين على حدود ما كانت عليه اليمن قبل توحيدها في عام 1990.
ويقول حزب صالح إن «المبادرة من إعداد المبعوث الأممي، وتجعل اليمن تحت الوصاية الدولية»، حسب تصريحات عارف الزوكا، أحد الأمناء العامين للحزب.
لكن شفيع العبد وهو مقرر فريق القضية الجنوبية، وممثل الحزب الاشتراكي في الحوار الوطني، يؤكد أن الوثيقة «نتاج جهد كل القوى السياسية داخل الفريق المصغر للقضية الجنوبية».
ويرى العبد في تصريح للأناضول، أن الوثيقة «تضمنت مبادئ عامة ضامنة للحل العادل للقضية الجنوبية، لكن هناك تشويه متعمد تعرضت له من قبل القائمين على إخراجها في اللحظات الأخيرة، وتحديداً آلية تحديد الأقاليم».
وفوضت الوثيقة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لتشكيل «اللجنة التي ستقوم بتحديد عدد أقاليم الدولة القادمة، سواء الأقاليم الستة أو الإثنين، على أن يكون قرار اللجنة نافذاً».
وفي هذا الصدد، يقول مقرر فريق القضية الجنوبية في الحوار الوطني، إن «الرئيس هادي ليس طرفاً محايداً، فقد أظهر تعصبه للأقاليم الستة، وهذا شيء يتعارض مع روح التوافق القائم عليها مؤتمر الحوار».
في غضون ذلك، شن ناشطون وحقوقيون يمنيون حملة مناهضة لـ«وثيقة حل القضية الجنوبية»، وقالوا إنها «تفكك الدولة إلى دويلات، وتعيدها إلى ما قبل العام 1990 عندما توحد شمال اليمن وجنوبه».
من جانبه يرى الكاتب الصحفي اليمني مروان غفوري أن «الحفاظ على الجمهورية اليمنية عملية شاقة إلى أبعد الحدود».
وقال الغفوري لوكالة الأناضول «الذين يتحدثون عن وثيقة بنعمر، وهي ليست سوى تلخيص لنقاشات الحركة الوطنية اليمنية، بوصفها وثيقة تقسيم لليمن الموحد، هم أيضاً يعجزون كل العجز عن اقتراح مشاريع ذكية قابلة للحياة، من شأنها أن تخمد النيران المشتعلة في كل أركان البلاد».
وأضاف: «أصبح واضحاً، بصورة شديدة الجلو، أن شكلاً سياسياً استثنائياً وغير تقليدي لا بد من اقتراحه وتفعيله للحفاظ على الجمهورية التي لم يعد ممكناً الإبقاء عليها عبر أحلام وخيالات المثقفين والساسة العباسيين والأمويين».
وكانت المكونات السياسية المنضوية في اللجنة المصغرة المعروفة بلجنة «8 8» (8 أعضاء للشمال ومثلهم للجنوب) بمؤتمر الحوار اليمني، وقعت، الإثنين الماضي على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية كجزء من مخرجات مؤتمر الحوار الذي بدأ منذ نحو 10 أشهر.
وأبرز ما جاء في الوثيقة أن «يشكل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، رئيس مؤتمر الحوار الوطني، لجنة برئاسته وبتفويض من مؤتمر الحوار الوطني لتحديد عدد الأقاليم الفيدرالية، ويكون قرارها نافذاً، على أن تدرس اللجنة خيار الأقاليم الستة (4 في الشمال و2 في الجنوب) وخيار الإقليمين، وأي خيار آخر ما بين هذين الخيارين».
وجاء في الوثيقة أيضاً بأن «تبدأ مرحلة بناء دول اليمن الاتحادية بتبنِي الدستور، وتتبع جدولاً زمنياً، وتنتهي في فترة يحددها الدستور، ويتطلب الانتقال الكامل والفاعل إلى دولة اليمن الاتحادية الجديدة، مع بناء القدرات في كل ولاية وإقليم، وإنشاء مؤسسات جديدة، وسن تشريعات وقوانين، إضافة إلى تبنِي إصلاحات تشمل الملف الحقوقي للجنوب، وإنشاء صندوق ائتماني للجنوب».