لا يخلو مجتمع - على الإطلاق - من الجريمة، وللجرائم أوجهٌ متعدِّدة، منها "التحرش الجنسي" بالفئات الضعيفة كالأطفال..، والتي تُغري المستذئبين من بني البشر، لارتكاب جرمهم بعد أن جعلوا غرائزهم بمثابة الرياح التي توجه أشرعة حياتهم، والتي ستوردهم المهالك اليوم أو غداً، وأدى استفحال هذه الجرائم وانتشارها، إلى حالة رعب في أوساط الآباء، لكنهم في أحايين كثيرة يتهرَّبون من مناقشتها، وهنا أخذت "الأمناء" على عاتقها أن تستقصي وتحقق في محاولة فهم جميع أبعاد هذه الجريمة بعد أن دقت أجراس الخطر في هذه المجتمعات، وحتى لا نكون بعيدين عن الواقع أوردنا دراسات حديثة أن 22% من الأطفال في العالم العربيّ يتعرّضون للتحرّش الجنسيّ، وأن 90% من هؤلاء لا يصارحون آباءهم بالموضوع خوفاً من العقاب، وأن أكثر من 75% من المعتدين هم من معارف الضحية، و50 % من هؤلاء المعارف هم ممن تربطهم بالضحية صلة قربى وثيقة..لمعرفة التفاصيل أكثر دعونا نروي لكم قصة الطفلة "جميلة"..!
جميلة.. وحياة ليست جميلة!
لم تعلم "جميلة" ذات الحادية عشر ربيعاً بأن براءتها قد تتعرض للخطر الداهم، في يوم من الأيام على أعتاب صمت المجتمع، بعد أن تعرضت لتحرش جنسي من قبل وحش على هيئة إنسان أفقدها جزءً من ثقتها، وأنساها بأن الحياة جميلة كاسمها.. وقد كان هذا الوحش من أحد العاملين بمدرستها.
وتروي الطفلة "جميلة" بصعوبة بالغة لـ"الأمناء" بقولها: كلما رآني عند ذهابي للمدرسة وعودتي الى البيت في أوقات الاستراحة بالمدرسة كان يحاول دائماً التحرش بي فأتفاجأ به كثيراً يتعدى علي... !
وتواصل جميلة سرد قصتها بحزن حينما كان يتم الاعتداء عليها، قائلة: احاول ضربه بكل قوتي وابكي وأرتجف من شدة الخوف، فكان يحاول طمأنتي بقوله لي أنه يُحبني، وتارةً يهدِّدني اذا ما صرخت وبأن سوف يقوم بضربي.
وبملامح مصفرة وحزينة تضيف: استمر الاعتداء علي كثيراً وأنا أعاني من الخوف الشديد واضطرابات نفسية، فبدأت أتهرب واتغيَّب من المدرسة كثيراً، ولم أستطع إخبار أحد.ز!
نسف جبال الجليد
وبعد فترة من الزمن قررت "جميلة" ان تحكي ما تعرضت له لأمها، والأم بدورها انتابها الخوف الشديد، وأحسَّت بلحظات ندم شديدة لتركها مسافات بينها وبين طفلتها وانشغالها عن ملاحظة المستجدات التي طرأت على حياة طفلتها، ودون أن تتمكن من مصادقتها والاقتراب منها، وإذابة الجليد فيما بينهما، تروي الأم لـ"الأمناء" القصة والبؤس يفيضُ من عينيها، فجعلت الأم تتذكر لحظات تفريطها بحقِّ طفلتها، ومن خوفها الشديد عليها، قررت أن تجعل فتاتها الصغيرة تترك المدرسة، بسبب ما حصل لها..!
وللوقوف عند هذه الظاهرة، قام فريق "منتدى كلنا أمل التطوعي " بعمل مسح ميداني اكتشف على إثره حالة الطفلة "جميلة "من والدتها وعرضوا استشارة على والدتها في أنها تستطيع إلحاقها بالمراكز التعليمية الآمنة، بعد أن لاحظوا رغبة الطفلة في التعليم؛ لكن ما حصل لها، جعلها توقف تعليمها وقد رفعت حالة الطفلة الى الأخصائية الاجتماعية لمتابعة حالتها وقامت المختصة بالجلوس مع الطفلة لسماعها والتخفيف عنها، وعمل جلسات علاجية لها حيث بدأت الطفلة تتخلص من خوفها وتستقر حالتها وقد تلقت في المراكز التعليمية الآمنة الأنشطة الحركية والفكرية والعلمية.
إحصائيات وأرقام
وكشفت لـ"الأمناء" احصائيات أعدها "منتدى كلنا أمل التطوعي" فأن حالات التحرش الجنسي الذي تم إحصائها من قبلهم 11 حالة بين الاعمار من 6-13سنة. وحالات العنف الجسدي واللفظي 76 حالة بين متوسط عمر 4-15سنة. وبالنسبة لحالات الزواج المبكر فعددها 25 حالة بين عمر 11-14سنة.
كما توجد أيضاً حالات انتحار وعددها 7 حالات بين متوسط عمر 11-13 سنة. وأخيرا حالات الحرمان من المدرس وشهادات الميلاد بمعدل 60 حالة بين سن 1-15سنة.
وفي معرض استماعنا لكل ذلك، تحدثت الدكتورة "فتحية باحشوان" لـ"الأمناء" أن الإحصائيات التابعة لمركز الأمل للتوجيه والاستشارات الأسرية التابع لمؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية بأن عدد الحالات التي تمت معالجتها من قبل الاخصائيات الاجتماعيات لديهم 4 حالات عنف أسري بمتوسط عمر بين 5-11سنة.
من جانب آخر، قال الأخصائي في الجانب النفسي لدى منظمة "أنتر سوس" أن هناك عدد من حالات الاطفال التي تمت معالجتها وقد قام مشروعهم بالمراكز التعليمية الآمنة بدعم كل الاطفال بشكل عام بين أعمار 4-17سنة، حيث قاموا بتعليمهم المواد الأساسية وتلاوة القران وحضانتهم وأيضا أن تكون المراكز مفتوحة على فترتين صباحا ومساءً.
وحسب الإحصائيات التي قام بها المختص بهذا الشأن أ. "محمد عِوَض محقوص" بمدينة المكلا حيث كانت إحصائيات رصد الأحداث لانتهاكات الاطفال لدى دار الرعاية "الأحداث" لعام 2010 حوالي 80 حالة منها حالات اغتصاب وشغب ولواط وخطف وهتك عرض وقتل وسرقه والاعتداء والإيذاء العمد وغيرها من الجرائم، وفي عام 2012 كان عدد الحالات 29 حالة منها سرقة واغتصاب ومشاجرة والقتل ولواط ومخدرات وعقوق وغيرها من الجرائم، وفي عام 2011 كان عدد الحالات 42 حالة ما بين سرقة واغتصاب ولواط وشغب وقتل ايضا، وكانت الاحصائيات لعام 2014 تفيد بأن عدد الحالات هي 1 حالة وهي قتل، ولعام 2015 تشير الاحصائيات الى 12 حالة أطفال بدون شهادات ميلاد، وعام 2016 وصل عدد الحالات الى 200 حالة أطفال بدون شهادات ميلاد، وفي عام 2017 كان هناك تسجيل حالة واحدة وهي انتهاك وعنف ضد طفلة بالمدرسة.
الأسباب المؤثرة
وبعد أن تطرَّقنا في "الأمناء" لهذه القضية وللعوامل والأسباب المؤثِّرة في تفاقم هذه الظاهرة، وبعد جولتنا وبحثنا المتواصل الذي استعان بمختصين لمناقشة كل جوانب هذه الظاهرة، وكان أبرز الأسباب ما يلي: ضعف الوازع الديني والقيم الأخلاقية، وضعف الوعي وتدني المستوى الثقافي، وأيضاً وجود المغريات وعناصر الفساد في المجتمع، وكذلك عدم جدية العمل الاجتماعي والحقوقي، وأخيراً ضعف الجانب التربوي.
إجراءات وحلول
وبشأن الحلول والإجراءات العلاجية للحد من هذه الظاهرة، وصلنا إلى التالي كنصائح من قبل هؤلاء المتخصصين، وهي: العمل على زيادة الوعي الديني والأخلاقي والتربوي والتعريف بحقوق الطفل وواجبات المربين، فضلاً عن وضع الأنظمة والتشريعات التي تضبط أسلوب التعامل مع الأطفال في المدارس، وأيضاً محاربة ظاهرة عمالة الأطفال من قبل الدولة والمجتمع، وكذلك تعزيز الدور الإعلامي في محاربة هذه الظاهرة، وتسخير الأعمال الدرامية لخدمة هذا الجانب، إضافة لتقنين العمل التطوعي ومتابعته، ووضع الحلول لظاهرة تسرب الأطفال من المدارس، وأخيراً تعزيز الحريات السياسية للابتعاد عن حالات الكبت السياسي التي قد تظهر في صور سلبية متعددة من بينها الاعتداء على الأطفال.
ختامــــاً
وهكذا أصبح لمفهوم العنف حيزا كبيرا في واقع حياتنا فأصبح هذا المفهوم يقتحم مجال تفكيرنا وسمعنا وأبصارنا ليل نهار وأصبحنا نسمع العنف الأسري والعنف المدرسي والعنف ضد المرأة والعنف الديني وغيرها من المصطلحات التي تندرج تحت أو تتعلق بهذا المفهوم.
ولو تصفحنا أوراق التاريخ لوجدنا هذا المفهوم صفة ملازمة لبني البشر على المستوى الفردي والجماعي بأساليب وأشكال مختلفة تختلف باختلاف التقدم الفكري والتكنلوجي الذي وصل إليه الإنسان ، وتعتبر ظاهرة العنف ضد الأطفال من أبرز المشكلات العالمية التي لا يكاد يخلو منها مجتمع سواء وصف بالتقدم أو الرجعية. وهي ظاهرة ما تزال تتفاقم وتنمو بشكل مضطرد حتى بدت السيطرة عليها أمراً مستحيلاً وذلك بسبب خصوصية هذه المشكلة. فهذه الظاهرة تتراوح بين حدود خارجة عن الإرادة المجتمعية وحدود تدخلات الدولة وتشريعاتها، كما لا ننسى التنويه إلى أنه يجب أن نقضي على الجهل في التعامل مع هكذا ظاهرة، وننهي حالة العيب وتوطيد الثقة أكثر لدى الأطفال بدلاً من انتزاع شخصياتهم..