العشـوائيات.. سـرطـان ينخــر جســد المدينــة
تقرير/ منـى قائـد

يعد البناء العشوائي من بين أكبر المعضلات التي لا زالت تعاني منها بعض دول العالم وخاصة بالدول النامية? الأمر الذي يمكن إرجاعه وبصفة مباشرة إلى ظاهرة الهجرة القروية المفرطة مما تمخض عنه انتشار أحزمة البؤس وبشكل ملفت للنظر داخل المدن ومن ثمة اكتظاظ سكاني لا يخضع بطبيعة الحال إلى هندسة محكمة لسياسة المدينة.

 

 

 

حالة يرثى لها

عدن المدينة التي لطالما عُرِفت بجمال مناظرها وجوّها وعراقة معالمها تعيش اليوم حالة يُرثى لها من تردي الخدمات وتكدس القمامة وطفح المجاري وآخرها البناء العشوائي الذي حوّل المحافظة إلى مناطق عشوائية أفقدتها روحها الجمالية وخدشت منظرها الخلاب وعبثت بمتنفساتها في عملية وظاهرة غريبة عن هذه المدينة الجميلة.

تدمير ممنهج

فمنذ التسعينات بدأ التآمر على هذه المدينة من خلال تدمير التعليم بشكل ممنهج وتدمير الثقافة وتدمير التاريخ الذي تمتلكه عدن، وما يحصل الآن من بناء عشوائي هو تدمير ما تبقى من هذه المدينة في اتجاهين ، اتجاه متعمد وبحقد لإنهاء وطمس تاريخ عدن ، واتجاه آخر يساعد ومن دون وعي لتدمير هذا التاريخ. 

غياب دور الدولة

ويتسع نطاق المناطق السكنية العشوائية في ظل غياب دور الدولة في الحد من هذه الظاهرة التي تشكل ضررا يهدد حياة السكان.

يقول أحد المواطنين: "بعد ما فتحت مدينة عدن ذراعيها واحتضنت الجميع وكانت تسمى (أم اليتامى) انتشرت العشوائية فيها أثناء الأزمة التي مرت بها البلاد وتفاقمت بشكل ملحوظ بعدها، حيث استغلت هذه الأزمة بما رافقها من إهمال من جميع النواحي وانفلات أمني ، بُنيت وشُيدت العديد من المباني العشوائية فوق خدمات عامة مثل (المياه والصرف الصحي والكهرباء) إلى جانب البناء فوق بعض المناطق والمساحات التي كانت مخصصة لمناطق زراعية خضراء ومتنفسات".

طمس المعالم التاريخية

كما طالت عملية البناء العشوائي المعالم التاريخية والأثرية ويرجع ذلك إلى أزمة الأخلاق الموجودة في البلاد والتي تتمثل في استيلاء الكثير من الناس على أماكن تاريخية، وكذا انعدام النظام وغياب الأمن الذي أصبح غير قادر على انتشال هذه الوضعية .. حيث سيطر الكثير من الناس على هذه الأماكن التاريخية ويجري طمس الكثير من هذه المعالم فمنها ما طالها الطمس الكامل ومنها ما غيّر ملامحها وتشويهها بما يفقدها قيمتها التاريخية ويفقد الوطن مصدراً تنموياً مهماً وأخرى لم يأتي دورها بعد.   

 

شلل تام

وبدأت ظاهرة البناء العشوائي في عام (2011م) وازدادت انتشاراً في الأعوام التي تلتها نتيجة الأوضاع التي مرت بها البلاد والتي سببت شللاً تاماً لكل مكاتب الوزارات وبالتالي عجزها عن القيام بمهامها بحسب الأنظمة والقوانين السائدة.

كما يرجع انتشار البناء العشوائي إلى انعدام وجود خطط استراتيجية لدى الدولة بالاشتراك مع القطاع الخاص والمستثمرين إلى جانب غياب تطبيق القانون وعدم الثقة بالدولة جعل الاستيلاء على الأرض طريقة للإثراء والمتاجرة على حساب المواطنين الساكنين. 

توصيل الخدمات

ويعد التساهل في توصيل الخدمات الأساسية - مثل المياه والكهرباء – بحجة الحصول على جزء من مستحقاتهم  ساعد بشكل أكبر على التوسع في البناء العشوائي.

ويقول أحد العاملين في مؤسسة المياه والصرف الصحي: "نحن المؤسسة الأكثر تضرراً من جراء البناء العشوائي، حيث أن ذلك يكلفنا مرتين أولاً أن المواطن الذي يبني عشوائياً يقوم بسحب المياه من الشبكة، وثانياً أن هذا العمل يرغمنا على توصيل مياه عشوائية بمدينة حضرية، ففي الحالة الأولى المؤسسة تتضرر مائة بالمائة أما في الحالة الثانية فإننا نقوم بمسك العصا من الوسط على اعتبار أنه يمكننا أن نحصل على جزء من مستحقاتنا .. علماً بأننا لسنا مؤيدين لهذا الموضوع ولكن (للضرورة أحكام) ". وأضاف: "هناك جهات أخرى مختصة وذات صلة بتخطيط المدن بالإضافة إلى السلطات المحلية والمجالس المحلية وكل الجهات التي تقع على مسؤوليتها حماية عدن من العشوائي والفوضى".

وواصل حديثه: " نحن نوصل المياه للبناء العشوائي وذلك نظراً لوجود قصور في حماية المال العام من قبل الجهات الأمنية لذا فإننا مضطرون لتوصيل العشوائي وذلك بتوصيات من الجهات ذات العلاقة مثل ‘‘ مدراء المديريات وعقال الحارات ’’ وبالمقابل نعمل مع المواطن شيئاً من الاتفاق هو أن في حالة وجود مخططات فإن المؤسسة غير مسؤولة وأن ذلك الشيء لا يعتبر وثيقة تمليك أو وثيقة تشرعن هذا العمل، وإنما هي مسألة اضطرار حتى نحصل على جزء من حقوقنا ". 

للمقابر والموتى نصيب !

كما طال البناء العشوائي حرمة المقابر والموتى فقد تم الاستحواذ على أجزاء من مقبرة القطيع ( أنموذجاً ) وتحويلها إلى أملاك خاصة ما سبب إلى طفح مياه المجاري داخلها.  

 

استباحة المدينة

وبهذا الجانب تعددت اللقاءات وورش العمل من أجل التوعية والحدّ من مخاطر انتشار هذه الظاهرة لكن دون جدوى ؛ وذلك لأن الأجهزة الحكومية التنفيذية ساهمت في استباحة هذه المدينة.

إنزال مخططات سكنية

لذا من المنطق لحل هذه الإشكالية التي تشهدها مدينة عدن يأتي في إنزال مخططات سكنية تتسع لكل أبنائها من خلال آلية تعطي الأولوية لهم وأن تكون تلك المخططات فعلية وليست ورقية تضم من هبّ ودبّ.

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني