بعد شد وجذب، وردود أفعال واسعة بين مؤيد ومعارض، لما قام به رئيس الوزراء "أحمد عبيد بن دغر"، جراء رفعه للعلم الوطني لليمن الموحد، في عدن جنوب اليمن.
وانقسم الشارعان الجنوبي والشمالي، بين مؤيد ومعارض لرفع هذا العلم، فيما يرى البعض أن ذلك من مظاهر الوطنية والسير صوب اليمن الاتحادي الجديد، في حين يرفض الجنوبيون ذلك، ويردونه إلى أنه تم خوض الحرب بهذا العلم، واختلطت دماء الشهداء بهذه الراية، التي قبلوا أن يستشهدوا وهم يحملون هذا اللواء الذي قاتل الجميع من أجل تحريره من كل غزو وبكل الأشكال.
وعبر الجنوبيون عن استيائهم الكبير والواسع، إثر الاستهانة بدماء الشهداء الذين سقطوا تحت ظل هذه الراية، متسائلين: كيف بالإمكان أن يكون لابن دغر الهارب، والمهاجر خارج البلد وكل أسرته وأولاده، في الفنادق أثناء الحرب، والآن يأتي لفرض أجندته وعلَمه الذي ينشده في الأراضي التي تحررت بالدماء تحت راية علم الجنوب؟!!.
ووصفوا ما قام به بن دغر بالبجاحة والصفاقة، والاستفزاز وعدم مراعاة مشاعر تلك الأسر التي قاتل شهداؤها من أجل تلك الراية وذلك العلم، مؤكدين أن بن دغر يتصرف بهذه الطريقة كلص متجول في فنادق فخمة، وينفذ رغبات أسياده، التي جعلوه ينظم للشرعية لهذا الهدف ولهدف ضرب الشرعية من الداخل، وتثوير الناس ضد الرئيس هادي بسبب الأفعال الحاقدة التي يقوم بها، والتي كشفت عن وجهه الحقيقي.
وفي وقت سابق من هذا، أجرى منظمو العرض العسكري، بروفة تحت علَم الجنوب وترديد الشعارات الوطنية التي تدل على الولاء لهذا الوطن وشهدائه..
وظهر ذلك في فيديو مرئي لتلك القوات الجنوبية التي تم إعدادها لأجل تقديم العرض العسكري لهذه المناسبة الأكتوبرية العظيمة.
وقالت مصادر لـ"الأمناء"، أن "بن دغر" استشاط غضبا وراح يتصل ويهدد المسؤولين عن السماح بمثل هكذا أمر، حد وصول الأمر إلى اعتقال عضو الهيئة الشرعية العقيد "أحمد الهباب" ، الذي اعترض على هذا الأمر، فتم حجزه لهذا السبب، ورفض بقية المجندين الجنوبيين أن يقوموا بالعرض وهم يحملون علم اليمن، فتم الاستعانة بمجندين آخرين، تم نقل بعضهم من مأرب ومناطق شمالية، وبعضهم محسوبون على جهات تعمل في الشرعية، وضد القضية.
وطنية المجندين الجنوبيين
وكان بن دغر قد زار في وقت سابق معسكر العند، برفقة العديد من قادة قوات التحالف العربي، وخاطبهم بضرورة أن يكونوا وطنيين، ولما أكمل خطابه رفعوا أصواتهم مرددين شعار: "بالروح .. بالدم .. نفديك يا جنوب.. " ، فضحك قادة التحالف العربي لصنيع أولئك الشباب..!
ولما سئل المجندون عن سر قيامهم باستدعاء ذلك الشعار، قالوا: " لقد ترجمنا حرفياً ما أوصانا به رئيس الوزراء "بن دغر"، وهذه وطنيتنا وإخلاصنا ووفاؤنا له، قد أصبح عملياً على أرض الواقع، وليس لنا وطن غيره ".
رسالة خاصة
وبهذا الخصوص، بعث رئيس الوزراء "أحمد عبيد بن دغر" في رسالة خاصة له، لنائب الرئيس الجنرال "علي محسن الأحمر"، ليطمئنه على الوضع في عدن.
وقال رئيس الوزراء "بن دغر"، معبراً عن رسالته، بأن الجنوبيين ليسوا معترضين على رفع العلم الوطني للوحدة، إنما هي مسألة رفض في بداية الأمر، ليس إلا، وسينتهي الأمر بمجرد تعويدهم على ذلك الأمر ، حد قوله.
وأوضح في رسالته تلك بأن ما حدث من مشادات، لم يكن إلا تعبيراً عن حالة ثورة بعد تذكرهم دماء أولئك الذين قتلوا أثناء مواجهة الانقلابيين.
وأكد في معرض رسالته التوضيحية للأحمر بقوله: " اطمئن سعادة نائب الرئيس ، فالناس هنا وطنيون ووحدويون، ولن يذهبوا إلا لطريق اليمن الاتحادي الذي ضحينا من أجله بأهالينا، ولن نحيد عن هذا الطريق، وكلٌ يقدم من لديه، والله الموفق، تحياتنا لكم"..
إخفاء فشل حكومة بن دغر
وقالت صحيفة العرب اللندنية أن فشل حكومة هادي يدفع الجنوبيين إلى خيار الاستفتاء..
ونقلت عن مصادر يمنية مطّلعة إن قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي باتت مقتنعة بأن حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي لا تسعى لمصالحة جدية مع الجنوبيين وأن حساباتها مرتبطة بحزب الإصلاح الإخواني، وهو وضع دفع إلى خيار الاستفتاء لمعرفة اتجاهات الجنوبيين بشأن الانفصال.
وقالت المصادر ذاتها أن قيادة المجلس عملت ما في وسعها لدفع الحكومة اليمنية إلى تغيير أسلوبها في التعاطي مع الجنوبيين، لكن محاولاتها قوبلت بالصدّ في ضوء تبعية كاملة من عبدربه منصور لحزب الإصلاح، مشيرة إلى أن القيادة الجنوبية حسمت أمرها، وأن خطوة الاستفتاء صارت أمرا واقعا.
توسيع دائرة التصعيد
وتعهد محافظ عدن المقال ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي / عيدروس الزبيدي في كلمة له بمناسبة ذكرى 14 أكتوبر بتوسيع دائرة التصعيد ضد الحكومة اليمنية التي تدير شؤون العاصمة المؤقتة عدن.
وأعلن الزبيدي أنه عازم على تشكيل لجنة وطنية ستكون بمثابة برلمان الجنوب وسيكون عدد أعضائها 303، وتوسيع تمثيل المجلس وتركيز فروعه في المحافظات.
وأثارت تصريحات الزبيدي، التي تضمنت عددا من الخطوات التي سيقدم عليها المجلس في المرحلة المقبلة، العديد من التساؤلات بشأن مستقبل حكومة عبدربه منصور في حال مر الجنوبيون للانفصال.
استفتاء شعبي
وكان الزبيدي كشف في حوار تلفزيوني النقاب عن نية المجلس الانتقالي الجنوبي إجراء استفتاء شعبي حول مصير الوحدة اليمنية، مشيراً إلى أن سفراء دول كبرى أبلغوا قيادة المجلس في لقاءات غير رسمية، أنهم يعتبرون المجلس الانتقالي ممثلا للجنوبيين.
وانتقد الزبيدي قرار إقالته من قبل عبدربه منصور هادي، معتبرا هذا القرار الصادر بحقه وبحق عدد من المحافظين قرارا خاطئا، متهما حكومة عبدربه منصور بأنها فاشلة ومتهالكة. كما توعّد بمواصلة ما وصفها بالمعركة مع حزب الإصلاح والجماعات المتطرفة والتي اتهمها بالتورط بدعم قضايا الإرهاب.
أوضاع خدماتية مأساوية
وأنحا مراقبون سياسيون يمنيون باللائمة على سياسة الحكومة اليمنية فيما آلت إليه الأوضاع في الجنوب نتيجة انصياعها لضغوطات حزب الإصلاح وعدم التعامل بمسؤولية مع حساسية الوضع في المحافظات الجنوبية ومخاوف الجنوبيين من هيمنة أطراف وقوى عانى الجنوب من ممارساتها.
وذكّر المراقبون بالموقف المسؤول للقيادات الجنوبية التي وافقت على العمل تحت مظلة الحكومة الشرعية، غير أن هذا الموقف لم يحظ بأيّ تقدير في المقابل، وهو ما ساهم في توتر الأوضاع بعد الشروع في إقصاء القيادات الجنوبية من مناصبها واستفزاز الشارع الجنوبي من خلال الرهان على الإخوان وإطلاق يدي نائب الرئيس المقرب منهم علي محسن الأحمر لتعيين قيادات أمنية معادية للجنوبيين في عدن.
وبدت الحكومة اليمنية منزعجة من خيار الاستفتاء وهي تعرف أن نتائجه ستكون لفائدة خيار الانفصال ، وحذّر رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، من الاستيلاء على السلطة بالقوة في العاصمة المؤقتة عدن.
وقال بن دغر خلال كلمة أثناء عرض عسكري في عدن "حذاري أن تسقط الجمهورية، أو مجرد التفكير في الاستيلاء على السلطة بالقوة في عدن، كما فعل الحوثيون في صنعاء".
نجاح الجنوبيين في التحدي
وقال نزار هيثم عضو المكتب الإعلامي للمجلس الانتقالي الجنوبي في تصريح ، إن التحدي الأكبر الذي كان ماثلا أمام الجنوبيين كان يتعلق الدرجة الأولى بضرورة توحيد الصف الجنوبي قيادةً وقواعد حول رؤية ثابتة وعدم تشتيت الجهود وبعثرة طاقة الحراك في معارك تنظيمية جانبية، وهو ما تحقق من خلال إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي.
وحشد المجلس الانتقالي الآلاف من أنصاره بالتزامن مع الذكرى الرابعة والخمسين لثورة الـ14 من أكتوبر 1963 والتي انتهت بإخراج بريطانيا من عدن في الـ30 من نوفمبر 1967، وهو ما اعتبره المراقبون رسائل للداخل والخارج عن الثقل الشعبي للمجلس ولخيار الانفصال.
ويرى الصحافي ورئيس تحرير صحيفة اليوم الثامن الصادرة في عدن صالح أبو عوذل أن التظاهرة التي دعا لها المجلس الانتقالي الجنوبي كانت أكبر من المتوقع رغم حملة التحريض التي مارسها إعلام الإخوان والانقلابيون في صنعاء عليها.
تنظيم البيت الداخلي
ولفت الباحث السياسي والأكاديمي حسين لقور بن عيدان إلى أن احتفال الجنوبيين اليوم يأتي في مرحلة حاسمة ومفصلية تحقق فيها للجنوب الكثير في الجانب السياسي بعد أن تم تشكيل وإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي والزخم الشعبي الذي رافقه وفرض واقعا سياسيا جديدا خرج عن حالة التشرذم التي عاشها الحراك الجنوبي في السنوات العشر الماضية.
وأضاف بن عيدان أنه : " لا شك في أن المتغيرات التي جرت على الأرض فرضت واقعا جديدا تمثل في وضع القضية الجنوبية فوق طاولة أي محادثات تخص الوضع في اليمن، وأن هذا دفع بالعديد من الدول والمنظمات إلى أن تفتح حوارات مع الجنوبيين، لذلك ستكون هناك خطوات كثيرة ننتظرها من المجلس أهمها بدء حوارات يقودها المجلس الانتقالي مع كل القوى السياسية الجنوبية لتنظيم البيت الجنوبي".