بعد أن فرض حزب الإصلاح، سيطرته الفعلية الكاملة وتثبيته نواجده ومجسَّاته، على كامل مفاصل الشرعية وجعلها مجرد هيكل صوري، "أراجوز"، وصلت دول التحالف العربي إلى مسلَّمة ثابتة، وهو أن عدن والجنوب باتت في خطر داهم، وقد تسقط في أي لحظة بيد جماعة الإصلاح العدو اللدود للتحالف والجنوبيين، وبهذا يكون الإصلاح قد استطاع إفشال التحالف العربي، في معارك تحرير الشمال، واحتلال المناطق المحررة من الجنوب، من قبله بشكل غير مباشر، والتسبب برداءة الحالة الأمنية الرثة، لهذه المناطق وإشعال الحرائق السياسية والفتن، بألعاب مخابراتية ذكية، يفهمون كيف يديرونها بطرق لا مباشرة، حسب قول مراقبين في الشأن السياسي اليمني.
ويضيفون: أن حزب الإصلاح يخترق أطرافاً وعناصر معينة، وتعبئتها وشحنها ومن ثم توجيها حسب "الريموت كونترول"، للإيقاع بين جميع الأطراف السياسية وتكوير الصراع البيني، حتى يتم الانقضاض على كل شيء، ويأتي لعب هذه الأدوار كلها لسببٍ واحد، وهو استبعاد "نائف البكري"، الذي كان مركباً كصاروخ سريع جاهز للإطلاق، بعد أن تمت صناعته، وتزويده بالوقود الكافي، ليكسب الولاء في الجنوب، ويأخذ تحت عباءته كل الأطياف الجنوبية، بحجة أنه قائد المقاومة الجنوبية في عدن، ومحافظ العاصمة، وهنالك أحزاب تم تفريخها باسم الجنوب بلافتة إصلاحية، كحزب النهضة المدعوم أحمرياً، لكن دول التحالف العربي تنبَّهت قبل فوات الأوان، وفهمت اللعبة بذكاء.
سقوط الأقنعة
وبحسب هؤلاء المراقبين فإن أهم أسباب هذه المشاكل التي تحدث وستحدث، هو إقصاء الأطراف الحقيقية التي تعمل على الأرض، ومن دون العمل لحسابات وتشكيلات لأحزاب مشبوهة كالإخوان، لذلك كان على الإخوان أن يدفع بالعجلة للأمام، ويبدؤوا بتكسير رؤوس هذه المقاومة حتى لا تتأصل وتتجذر أكثر، لأن ذلك ليس من مصلحتهم أبداً، فهم المنافس الذي إذا لم يتم إنهاؤهم، فسيقومون بإنهاء الإصلاح في الجنوب الذي يُعدُّ امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما حدث فعلاً بعد انكشاف كل الأقنعة.
وابتدأ التوتر بين دول التحالف العربي والشرعية وحكومتها، بعد إقالة رئيس الوزراء المهندس "خالد بحاح"، وبلغ التوتر أشدَّه بعد الإقالات الجماعية، التي استهدفت الطيف الجنوبي برمته، والتي تلتقي أهدافه بأهداف دول التحالف، وأهم نقطة اشتراكية، هي مسلمة القضاء على الإخوان الذين ظلوا يماطلون في تحقيق الانتصارات، ظناً منهم أنهم بهذا يشتتون التحالف العربي ويستنزفونه، لكن هذا الأمر تحول إلى أداة لصالح الجنوبيين، وانكشفت الأدوار التضليلية، وتمَّ تثبيت التهم عليهم، وصاروا أحد أهم أسباب عدم تسريع الحسم في الشمال.
وكشفت بعض الوثائق تسريبا لبعض من قادة الإصلاح وبعض الموالين للإصلاح، بتسريب مواقع وإحداثيات لصالح دولة قطر التي انكشفت هي الأخرى بلعب أدوارها المرعبة، في جسد التحالف، وباستخدام مواليها من حزب الإصلاح وعناصره، وفتح قنوات لزعزعة التحالف العربي وأمنه.
تعاظم قوة الإصلاح جنوباً
وإزاء هذه الحالة، وبلوغ الأمر إلى حدّ لا يمكن السكوت أمامه، وقوات الإصلاح تتعاظم، وتختطف الشرعية في سجنها الكبير، وتحكم الحصار على الرئيس هادي بسياجات رجالهم الذين تم زرعهم حول الرئيس وأولاده، والتزييف، ودون أن ينبس ببنت شفه.
ظنت الشرعية أنها مقدسة مهما ارتكبت من أخطاء، ولا يمكن معاقبتها أبداً، فبدأت تتآمر بالعزل للجنوبيين ليس لأي سبب منطقي، بل لسبب هو اختيار قرار واحد، وهو حق عودتهم لما كان الوضع عليه قبل 90، وتقرير مصيرهم، فبدأت تلعب الحكومة الشرعية ممثلة برئيس حكومتها "بن دغر"، وبدأ بن دغر يستعرض عضلاته، ويحكم سياسته، ويبرز مدى دهائه ليتم إحباط الجنوبيين، وإشغالهم بالخدمات والخسائر والفتن والتحريض، فيما بينهم البين.
حتى أدلى بن دغر بتصريحه الشهير، الذي أفاد به بن دغر بأنه، تم احتواء هذا المجلس الوليد، سياسياً؛ بينما وصف الرئيس هادي المجلس بالمنتهي إلى غير رجعة، وما كان من المجلس الانتقالي إلا أن رفض بأن يقوم بالرد السياسي كما هو معمول به، بل كانت لديه أداة أخرى للرد وهي أجدى وأفعل وأفضل، حيث ظل المجلس الانتقالي في وضع الجمود، فيما جعل قوات الحزام الأمني وقوات النخب، تتقدم صوب أبين وشبوة وكذلك يافع، وبهذه الخطوة تصبح تصريحات الرئيس ورئيس الحكومة تصريحات عبثية، مقابل إثباتٍ عالمي بأن قوات الحزام والنخب، هما الشريكان الرسميان لمكافحة الإرهاب من دون شكّ فيهم ولا شبه، كما هو معلوم عن الإصلاح والأحامرة، الذين يقومون بدور مشابه لدور صالح، وهو استخدام الإرهاب لمصالح أهدافهم، وبهذا يكون المجلس الانتقالي الذي أيدته كل قوات الحزام الأمني والنخبتان الشبوية والحضرمية، وهنا أحكم المجلس طوقه على الشرعية في كل اتجاه، وتم احتواء الشرعية.
خيار وحيد
ليس من خيار قادم للشرعية، إلا باتجاه واحد، وهو خيار التحرك صوب الشمال لتحقيق نصر حقيقي، وتحرير المناطق الشمالية، ما لم فإن الأمر سيخرج عن الأيدي، وقد تتحول الأسلحة إلى أسلحة مضادة، وقد يتمُّ تأديب أولئك الذين ظلُّوا يعبثون بالشرعية، ويجنون منها الأموال الطائلة، وهنا يظهر بشكل رسمي موقف التحالف العربي، عبر منصتي "بحاح" "وبن بريك" وفساد الشرعية التي سحبت في فضيحة لا مثيل لها، وذلك بأكلها 15 مليار دولار، وهذا رقم هائل، لم يظهر في حرب ولا جبهة، ولا انتصار غير تلك التي حدثت في الجنوب وبأيدٍ جنوبية، وحتى هذا الانتصار أرادوا أن يفسدوه بضرب أبطاله ومقاوميه، وشهدائه الذين ضحوا بأرواحهم لتسرق الشرعية انتصاراتهم.
الشرعية وجنين لا شرعي!
ومع ذلك بقيت دول التحالف العربي في وضع محرج، حتى ما كان أمام الشرعية الجانحة والهشَّة إلا أن تقوم باستدعاء جيش وولاءات شمالية، والبدء بتهيئة الأوضاع لإقصاء الجنوبيين كليا من انتصاراتهم وتجريفهم من عدن كلياً، حتى ينمو جنين الشرعية غير الشرعي، وهذا الجنين هو جنين جماعة الإصلاح التي تحركها دولة قطر، ضد أهداف التحالف العربي.
وأشارت تصريحات متعاقبة أثارت جدلا كبيرا في الشارع عن هدف واحد، هو جماعة الإصلاح، وفسادها بلباس الشرعية التي تتدثر بها لتخفي فضائحها، فكانت التصريحات التي فتحت النار على الإصلاح والشرعية من قبل بحاح وبن بريك والزبيدي، وهكذا سقطت أقنعة السياسة أمام العمل على الأرض، واقتربت ساعة الحسم التي بشرت بها تصريحات ثلاثية الأبعاد، والتي تفيد أن التحالف العربي قد ملَّ من أكاذيبها، وابتدأت المؤشرات بالوضوح نحو انحدار الشرعية كما يلي: هجوم بحاح، عودة الانتقالي، اعتقالات الإصلاح، تمدد قوات الحزام الأمني والنخب، وجلجلة قناة الجزيرة وتحرك المخابرات القطرية في عدن.