عندما اقتربت مشارف البلدة (يقصد مدينة الحبيلين) تمعنت في المكان فوجدت يافطة كتب عليها هذين البيتين :
ردفان نادي أن أذود
وأن أحيل الصعب سهلا
فحملت رأسي في يدي
كي لا تصير الكف رجلا
كان الشعر هو من إبداع الشاعر اليمني عبدالله البردوني ، أعدت قراءة البيتين عدة مرات ، ومسحت نظرات عيناي المكان والبيوت والجبال والسهول والبشر ، وكل ما استطاعت الوصول إليه ثم تنهدت .. وقلت : وداعا ردفان .. وداعا أيتها البلاد التي اشعلت فتيل ثورة الاستقلال ، وها أنت في حمأة (الجهاد) الأكبر ، لصنع الحياة الأفضل والتغلب على صعوباتها)) .
من استطلاع لمجلة العربي الكويتية قام به: سليمان الشيخ وفهد الكوح وذلك في نوفمبر 1988.
وهنا نقول إن الثورة في حد ذاتها عمل جبار وبطولي من أجل حياة أفضل؛ تلبي حاجات الناس الأساسية من حيث توفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وتأمين صحي وتعليم جيد يلبي حاجات سوق العمل والعيش في مسكن مناسب والحصول على عمل يتناسب مع مؤهلات الفرد وقدراته، وهذا لا يتم إلا في ظل وجود مؤسسات حقيقية وقيادة رشيدة تعتمد العدل والتعقل في إدارة المجتمع والناس بعيدا عن الأساليب الدموية والتعسفية.
كل الإخفاقات التي حدثت بعد الثورة لا ينبغي أن نرد اللوم على الثورة؛ بل اللوم يقع على القيادات الذين استولوا على السلطة ولم يكن لديهم أدنى من مسؤولية في إدارة البلاد وتوفير الخدمات للناس، بل كانت عقلية اتسمت بالأنانية سعت إلى خلق الصراعات المستمرة وتصفية كل الرجال الأقوياء، وكانت الناس تطمح إلى بناء الدولة العادلة التي تحمي كل أفراد المجتمع، ولكن حدث تقويض للنسيج الاجتماعي، وأدخلت سياسات تتناقض مع طبيعة المجتمع وثقافته، وأصبح المجتمع يعيش وضعا أشبة بالتجربة الاستعمارية .
إن المطلوب اليوم هو الوقوف أمام كل المراحل التي مرت بها البلاد وتشخيصها والعمل على تخطي التجارب السابقة بصورة حقيقية وليس الدوران في حلقتها المغلقة. إذا تأملنا في واقعنا اليوم نجد النخب السياسية مازالت تعيد استهلاك مواد وشعارات سبق وأن استهلكت كثيرا من قبل، فوعودها تفتقر إلى المصداقية فنحن بحاجة إلى عمل ملموس يلبي طموح الناس ويحقق الأولويات الملحة لحياتهم فقد شبع الناس من الشعارات التي أصبح البعض يستخدمها للاستئثار بالسلطة وتحصين مواقعهم السلطوية ولم يجد الناس أي عمل ملموس في بناء المؤسسات التي تضمن التماسك الاجتماعي. فإذا لم يتنبه الناس لهذا الواقع فإننا سنعود شئنا أم أبينا إلى خوض تجربة سيئة مرة أخرى وإن كانت بأشكال جديدة قد تكون أشد مرارة من سابقاتها . لذلك فنحن مع من يقول إنه "يتوجب على الوسط السياسي ، وكذلك المجتمع بأسره ، أن يدرك أن تلازم الفشل سببه المباشر يكمن في قيادات لم تنجح ولو لمرة واحدة للتصالح مع ماضيها، ولهذا يبدو طبيعيا أن تنحي "العقليات" التي أرهقت المجتمع بتكرار تجاربها الفاشلة عن مقعد القيادة وحتى طاولة الحوار هي خطوة أولى لصالح أجيال شابة من كافة الاتجاهات الاجتماعية تعني بالمستقبل أكثر من التاريخ". فهل فقدنا الفرصة لبناء حقيقي؟!