يراقب الجنوبيون باهتمام بالغ استفتاء أكراد كردستان العراق لتقرير مصيرهم والانفصال عن العراق..
وشارك جنوبيون في فعاليات الاستفتاء وذلك عبر رفعهم أعلام إقليم كردستان بالتوازي مع رفعهم لعلم دولة الجنوب، معبرين عن سعادتهم الغامرة، ومشاركين للأكراد فرحة استفتائهم، على أمل أن يأتي دور استقلال الجنوب بعدهم، كما استقل جنوب السودان عن شماله، في وقت سابق من هذا.
في السياق ذاته، يقول مراقبون في الشأن السياسي، بأن هذا الاستفتاء يأتي ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندليزا رايز"، قبل عدة سنين.
أين تكمن قوة الجنوبيين؟
في حين تساءل محللون عن تأثيرات استفتاء الكرد بشأن انفصالهم على الجنوبيين الذين يطمحون للاستقلال الناجز، عن دولة الجمهورية العربية اليمنية التي تعاملت معهم بسياسة الضم والإلحاق، وعودة الفرع للأصل، وهو ما تسبب بتعميق الشروخ يوما إثر آخر، حتى وصل الأمر لحالة انسداد كامل.
وأضاف المحللون بتساؤل آخر، وهو استفادة الجنوبيون مما حصل في تجربتي الأكراد وقبلها جنوب السودان، وعمل مقارنات ومفارقات بهذا الصدد، لتفادي بعض الأخطاء والاستفادة من بعضها الآخر، متبعين بقولهم: أن الفرق شاسع وكبير بين القضية التركية وحقهم في الاستفتاء وبين القضية الجنوبية المحقة والعادلة، فالقضية الجنوبية لها جذور وطن تاريخي ومستقل، بينما الأكراد لم يكن لهم وطن مستقل بهم فقط..
كما نصح المحللون السياسيين دعاة الاستقلال من الجنوبيين، بأن يفهموا أن مصدر القوة هو الضغط والإجماع الجماهيري على الاستقلال، ولن يكون ثمة قوة بإمكانها أن تمنع خيارات تحديد المصير الجنوبي، بما فيها دول الجوار ولا حتى مجلس الأمن، الذي أصدر قرارين تاريخيين في حرب صيف 94م، لكن صالح ونظامه ضربوا بهما عرض الحائط ومضوا في إجراءات الضم والإلحاق بحرف تم استهجانها من قبل الكثيرين..
مواصلة الاستفتاء
إلى ذلك، يواصل الناخبون في إقليم كردستان العراق الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على انفصال الإقليم بالرغم من المعارضة الشديدة من جيرانهم.
ومازال الأكراد يطمحون على مدى أجيال إلى إنشاء دولة لهم، ويتوقع أن تكون النتيجة موافقة كاسحة على الانفصال.
ولكن هناك مخاوف من أن يؤدي الاستفتاء إلى حدوث صراع في المنطقة.
وقد نددت الحكومة المركزية في العراق بمرارة بالاستفتاء، وتبذل مساعي حاليا لحرمان المنطقة الكردية من عوائد النفط فيها.
وعارضت تركيا وإيران بشدة إجراء التصويت، خوفا من أن يزيد من الشعور بالانفصال بين الأقليتين الكرديتين لديهما.
وأغلقت إيران حدودها مع إقليم كردستان العراق.
أما تركيا فقد شددت إجراءات العبور والتدقيق في حركة القادمين من شمال العراق، بحسب ما أعلنه وزير التجارة والجمارك التركي، بولانت توفانكجي.
ووصفت الحكومة السورية الاستفتاء بأنه "باطل أصلا ومضمونا"، مؤكدة على لسان نائب وزير الخارجية أيمن سوسان، دعمها "لوحدة وسيادة وسلامة أراضي العراق".
وأضاف أن "الأكراد جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني للدول التي يوجدون فيها".
ويشكل الأكراد رابع أكبر مجموعة إثنية في الشرق الأوسط، لكنهم لم يحظوا بدولة لهم على مر التاريخ.
وتشير تقديرات إلى أن نسبة الأكراد في العراق تتراوح بين 15 في المئة و20 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 37 مليون شخص. وعلى مدار عقود، واجه الأكراد موجة من القمع قبل أن ينالوا حكما ذاتيا في عام 1991.
وكان مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق قد تعهد عشية الاستفتاء بالمضي قدما في إجرائه قائلا إن "الانفصال وحده يتيح للأكراد ضمان سلامتهم".
وتعهد بارزاني بالسعي لإجراء محادثات مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن نتائج الاستفتاء.
وردا على ذلك، طالبت الحكومة العراقية حكومة كردستان بتسليم المواقع الحدودية الدولية والمطارات ودعت الدول الأجنبية إلى وقف استيراد النفط الكردي.
وجاء في بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه طلب "من دول الجوار ومن دول العالم التعامل مع الحكومة العراقية الاتحادية حصرا في ملف المنافذ والنفط".
" شراكة فاشلة "
وقال بارزاني في مؤتمر صحفي في إربيل، إن "الشراكة مع بغداد فشلت ولن نعود إليها"، مضيفا أن "الاستفتاء هو أول مرحلة من تعبير (إقليم) كردستان عن رأيه. بعد هذا، ستبدأ عملية طويلة".
وأضاف أن "الاستفتاء ليس بهدف ترسيم الحدود أو فرض أمر واقع. نريد حوارا مع بغداد لحل المشاكل، والحوار مكن أن يستمر عاما أو عامين".
وكان العبادي قد وصف الاستفتاء بأنه غير دستوري وقال إن "التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه وعلى أمن المنطقة عبر إجراء الاستفتاء على الانفصال من طرف واحد هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين".
ضغوطات دولية
ويأتي الاستفتاء رغم الضغوط التي مارستها بعض الدول من أجل تأجيله، فقد أعلنت إيران الأحد إغلاق مجالها الجوي مع كردستان، فيما بدأت مناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.
وتشدد إيران وتركيا على معارضة الاستفتاء، في ضوء مخاوف من أن يشعل المزيد من الاضطرابات بين الأقلية الكردية في البلدين.
وحذّر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من التأثير المحتمل للاستفتاء على زعزعة استقرار المنطقة.
وأعرب المجلس عن اعتقاده بأن الاستفتاء غير الملزم قد يعرقل جهود مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وعودة النازحين العراقيين إلى ديارهم.