سرطان العشوائيات يلتهم عدن
الأمناء نت / تقرير/ إصلاح صالح :

على امتداد جبل عين الواقع في مديرية التواهي، والمطل على ميناء عدن، تنتشر بكثافة لافتة التجمعات السكنية بشكل عشوائي ومستفز للنظر، لا صلة له بالتخطيط المدني. ليس هذا أسوأ ما في الأمر، فعلى طول الجبال الممتدة من التواهي مروراً بالمعلا وانتهاءً بكريتر، أكثر ما يلفت الانتباه هو زحف العشوائيات المستمر على الجبال، في ظل صمت وتواطؤ الجهات ذات العلاقة، وعدم إيجادها حلولاً ناجعة تخفف من وطأة المعاناة، وتحافظ على ماء وجه مدينة عدن، إذ ليس من الدقة أن نقول جمالها!

اليوم، تعيش المدينة أزمة عامة في التعامل مع آثارها ومعالمها التاريخية. إذ تمتد يد العبث إلى تلك المعالم باستمرار دونما رادع، الأمر الذي يهدد بكارثة ثقافية وبيئية لعدن، لعل من أبرز سماتها خسارة الوطن اليمني لموروث تاريخي وإنساني وثقافي يندر وجوده في مدن عربية أخرى.

 

فوضى العشوائيات

 

وتعد المباني العشوائية التي تنتشر على واجهة جبل عين من أسوأ التجمعات في مدينة عدن؛ ربما لموقعها الحساس الذي يطل على ميناء عدن ومدينة التواهي ومبانيها التاريخية، لكن ذلك لا يعني أن العشوائيات الأخرى في جبل ردفان والشيخ إسحاق بالمعلا وجبل شمسان والمناطق المجاورة له بكريتر أقل سوءاً، فهذه التجمعات آخذة بالاتساع والزحف على جمال المدينة تحت مرأى الجهات ذات العلاقة في المحافظة والمجلس المحلي، التي على ما يبدو تغض الطرف دون حكمة، متجاهلة سرطان العشوائيات الذي تدرك يقيناً مخاطرة الكارثية.

 

 

أزمة سكن متفاقمة

 

وتشهد مدينة عدن أزمة سكن متفاقمة، فيما يطبق النافذون والسماسرة على سوق العقارات الضيق جداً، فيلجأ السواد الأعظم من بسطاء المواطنين إلى أكثر الخيارات فداحة وكارثية: تسلق الجبال لاتخاذ موطئ قدم في أعلى المنحدر، هناك حيث لا تمر المواكب الرسمية، ولا يكلف المسؤولون المحليون أنفسهم عناء البحث عن إحصائيات - لم تتوفر حتى اللحظة - لمعرفة واقع هذه التجمعات العشوائية.

 

 

ضحايا لا مواطنون

 

يقول المواطن أمين بتحفظ شديد لموقع "العربي": «بعد عناء طويل بنيت بتحويشة العمر هذه الغرفة - وأشار بيده إلى غرفة في أعلى الجبل منعنا من تصويرها - هذا الحل الوحيد للاستقرار، فنحن نعيش في منزل الوالد الآن، أنا وأخواتي الثلاث، إحداهن لديها ثلاثة أطفال، إضافة إلى إخواني المتزوجين في نفس المنزل». الشاب أمين نموذج واحد لآلاف الشباب في عدن ممن تقطعت بهم السبل لبناء منزل وتكوين أسرة، أو حتى الحفاظ على السرير في منزل الأب بعد تعدد الأسر في المنزل الواحد.

 

 

عشوائية الخدمات

 

ويعاني قاطنو العشوائيات في جبال عدن من انعدام معظم الخدمات العامة. وإن وجدت، فهي عشوائية أيضاً، خصوصاً منها الكهرباء، التي يتم ربطها بشكل عشوائي، الأمر الذي قد يتسبب بأكثر من كارثة. كما يمثل تصريف مياه المجاري عشوائياً، كذلك، مشكلة لا تقل خطورة عن الأولى. إذ يبدو مد شبكة للصرف الصحي إلى هذه المناطق بالغ الصعوبة، وهو ما يلجئ الأهالي إلى حفر البيارات وترك المجاري مكشوفة في أكثر من منطقة، الأمر الذي يتسبب بمشاكل صحية، ويسهم في انتشار الأمراض والأوبئة.

 

ثمة تواطؤ

 

يصعب الجزم بأن الجهات المعنية في المحافظة والمجلس المحلي سمحت للتجمعات العشوائية في أطراف المدينة بالتوسع بهذا الشكل السيء بموافقتها، لكن القول بأنها تغض الطرف عن ذلك أكثر دقة. يرى وجدي عبد القادر أن ظاهرة البناء العشوائي ولدت كرد فعل، لحاجة المواطنين إلى مساكن جديدة للتوسع، فيما الدولة لم تقم بواجبها بصرف أراض لهم.

 

ورطة أم محسن

 

رغم مرور سنوات على انتقالها وأسرتها للسكن في حافة الوحش التي تتوسط جبل شمسان بكريتر، إلا أن يقين أم محسن وأسرتها بالورطة وفداحة قرار الإنتقال الإضطراري للسكن في حي عشوائي يتعزز منذ ذلك الحين. تقول أم محسن إن الأسرة، وتحت وطأة الظروف المادية، باعت منزلها في منطقة صيرة واشترت هذا المنزل: «كانت البيوت هنا رخيصة، وقمنا بترميم البيت وإصلاحه»، مشيرة بيدها إلى المدخل الضيق للحي الذي تتكوم فيه القمامة وأنابيب المياه المتشابكة، والتي تزدحم بها المداخل والممرات الضيقة في المناطق العشوائية، في مشكلة أخرى تضاف إلى انعدام النظافة.

 

جهل تاريخي

 

وامتد سرطان العشوائيات ليشمل معالم عدن التاريخية، فأفقدها جمالها، وأذاب ملامحها المتميزة، لتغدو مدينة للفوضى العمرانية، وسوء النظام، وانعدام التخطيط. ويضع واقع المعالم والآثار اليوم الجميع أمام المسؤولية التاريخية، التي تستدعي الإسراع في تفعيل النظم والقوانين الضابطة لأعمال الهدم والبناء في المواقع القديمة. تقول الباحثة الإجتماعية، أمين عام جمعية الآثار والتاريخ، أسمهان العلس إن «العبث بالمعالم التاريخية بدأ منذ عام 2011، وقد تم الرصد والتوثيق لذلك العبث وإبلاغ الجهات الرسمية دون مجيب، موروث يهدر ومسؤولون يتجاهلون ولا رقيب ولا محاسب».

وتحوّلت إحدى قلاع عدن القديمة المنتشرة على جبل البادري، والمواجهة للبنك الأهلي - فرع العيدروس، إلى جزء من فيلا خاصة بعد استكمال البسط على محيطها. كما وتعرض المعلم الشعبي القديم في مدينة عدن القديمة، محل باسلوم لبيع الحلويات، والذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 200 عام مضت، للاندثار مؤخراً عقب قيام مالكه بهدمه تمهيداً لإنشاء عقار جديد. ويعلق الباحث في تاريخ عدن، بلال غلام حسين، على التغييرات الحاصلة للمحل الشعبي بالقول: «هاهي ذكرى أخرى من ذكريات الطفولة والصبا تمحى من حياتنا، كغيرها من الذكريات الجميلة التي تطوى قسراً ولا يبقى منها غير أثرها السحري».

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني