منذ ثلاثة أعوام وأحياء وشوارع حي الشيخ عثمان، الواقعة شمالي محافظة عدن، غارقة في برك الصرف الصحي وبقايا مخلفات القمامة. . سكان الحي الذين اعتادت أعينهم رؤية تلك المياه الآسنة وقد أضحت جزءاً من المشهد اليومي في حياتهم، يلتمسون طريقهم وسطها قفزاً على ألواح خشبية أو فوق أحجار يضعون أطراف أصابع أقدامهم عليها للمرور والتنقل بين حي وآخر.
الشارع الطويل الممتد خلف السوق المركزي، والمكتظ بالباعة المتجولين وتجار السمك والخضار والفواكه ومختلف أنواع البضائع تتوغل في أرضيته مياه المجاري، وأخرى مصدرها عدد من المطاعم الشعبية التي ترتص على ناصيته ووسط الشارع، وعلى حافتيه تتوزع عدد كبير من الطاولات الخشبية التي وضعت منذ سنوات بطريقة غير منظمة، ويتخذها بائعو القات مفارش وبسطات يعرضون عليها بضاعتهم. . وبالكاد يتمكن المارة من العبور وسط ذلك الزحام البشري، متلافين ما استطاعوا إلى التلافي تلك الحفر التي تتجمع حولها الحشرات والذباب والكلاب الضالة أيضاً.
مشاهد وصور صادمة :
مشاهد وصور صادمة التقطناها للشوارع التي تخترق أحياء الشيخ عثمان، ونَقَلها، إلى جانب شكاوى المواطنين إلى قيادة السلطة المحلية وجهات الاختصاص في المديرية، بحثاً عن الإجابة على سؤال: كيف وصل مستوى النظافة في المدينة إلى هذه الدرجة من التدهور المريع؟
أمين عام المجلس المحلي في المديرية، علي عبد المجيد، أجاب بشيء من التحفظ على طرحنا الذي حملنا فيه السلطة مسؤولية غرق المدينة في بحيرة آسنة، قائلاً: «نحن نعمل وبحسب الإمكانيات الضعيفة لدينا، وأعمالنا خير شاهد على ذلك، و نتفق معك ومع المواطنين بأن هناك قصوراً وإشكاليات، ولكن دعني أخبرك أن سبب مشكلة المجاري في المديرية هو قدم الشبكة وعدم وجود صيانة دورية لها، وكذلك الكثافة السكانية والتوسع العمراني وعدم تعاون المواطنين معنا، وهناك أياد تعبث بالشبكة وترمي قاذورات وأحجاراً وغيرها، ما يتسبب على الدوام في الطفح».
واستدرك بـ«(أننا)، مع ذلك، نبذل جهوداً جبارة من أجل القيام ولو بعمل ترقيعات ، ورفعنا عدداً من المطالبات إلى محافظ عدن وإلى مدير عام مكتب النظافة والصرف الصحي من أجل مساندتنا وإصلاح شبكة المجاري، وطرقنا أبواب المنظمات الدولية ومنها صندوق التنمية ومشروع الأشغال العامة، وقدمنا ملفات كاملة، راجين منهم مساعدتنا، ولكن لم نجد منهم رداً». وتابع: «رغم أن مطالب الناس ليست مستحيلة ومن السهل تحقيقها، فهم لا يريدون شبكة جديدة تكلف ملايين الدولارات بقدر حاجتهم إلى آلة شفط المجاري (بوزة) من أجل تنظيف الشوارع، فطفح المجاري يتكرر بشكل دوري وفي شوارع مختلفة».
وأضاف عبد المجيد أن «مديريتي دار سعد والشيخ عثمان وجزءاً من مديرية المنصورة تمتلك سيارة شفط واحدة فقط، ولا تستطيع إنجاز كل المهام المطلوبة منها، وأحياناً نتأخر في إنجاز أعمال الشفط بسبب كثرة الطفح، وقد يضطر المدير العام إلى إحضار سيارات عادية ليست مهمتها شفط مياه المجاري من أجل تنظيف الشوارع». وقال : « إن أسواق المدينة، وتحديداً سوق القات والسمك والخضار، تدفع ضرائب تقدر بالملايين شهرياً، ولكنها تورد إلى صندوق النظافة وتحسين المدينة، ويتم أخذ المبالغ يومياً من الباعة في الأسواق دون منحهم أي سند رسمي، ويتم توريدها إلى الصندوق بدون سندات رسمية، مما يتيح للعاملين فرصة التلاعب بتلك المبالغ»، كاشفاً أنهم «لا يستطيعون فرض سلطتهم وتنفيذ القوانين بسبب عدم تجاوب مركز الشرطة مع قراراتهم إلا بشكل محدود، وخصوصاً في الأمور التي تتطلب تعاون مركز الشرطة».
إلى هنا انتهى حديث عبد المجيد، ودعناه وتوجهنا إلى مكتب النظافة في المديرية، الذي لاحظنا أنه يحتاج إلى النظافة أكثر من أي مكان آخر؛ فالروائح النتنة والحشرات المختلفة تتجول بحرية في دهاليز المكتب، الذي لا يصلح لأن يكون حظيرة للحيوانات. . ويضم مكتب النظافة في المديرية 435 موظفاً وموظفة من عمال النظافة موزعين على طرق وشوارع وأسواق المديرية, ورغم أهمية ما يقومون به إلا أنهم مهمشون في كل شيء، فراتب الموظف في الشهر الواحد لا يتجاوز 100 دولار فقط , وبسبب عجز حكومة بن دغر عن توفير رواتبهم الشهرية، يضطر البعض منهم إلى التخلف عن العمل.
العمل صباحا ومساءً
هذا ما صرح به، لـ«العربي»، رئيس نقابة البلدية في الشيخ عثمان، أديب إبراهيم، موضحاً «(أننا) نعمل صباحاً وظهراً وليلاً، ومديرية الشيخ عثمان تعتبر ملتقى لمعظم مديريات عدن، وبعض الناس لا يتعاونون مع عمال النظافة، إضافة إلى عدم توفير براميل قمامة في الشوارع والطرقات لتذليل عملنا»، لافتاً إلى «(أننا) نعاني من نقص في المعدات، وكذلك غياب بعض الموظفين، لأنهم يعرقلون عملنا رغم اتخاذ إجراءاتنا ضدهم، إلا أن هناك من يغيبون بحثاً عن لقمة عيش لأسرهم بسبب تأخر الحكومة الشرعية في صرف الرواتب».وتابع: «كما نعاني من طفح المجاري حيث تعيق عملنا باختلاط أكياس القمامة ونفايات الباعة مع مياه الصرف الصحي، وهذا يصعب على عمالنا عملية تنظيفها».
عرقلة حركة المواطنين
مدير صحة البيئة في مديرية الشيخ عثمان، جميل قائد علي، أشار، من جانبه، إلى أن مشكلة طفح المجاري وانتشار القمامة في المديرية «تعرقل حركة المواطنين، وتسبب لهم عدداً من الأمراض مثل الكوليرا والملاريا». وذكر أنهم «في مكتب البيئة من ضمن مهام عملنا عمليات رش متواصلة بالمبيدات، من أجل إيجاد بيئية نقية وصحية قدر الإمكان، لكن المعوقات التي تقف أمامنا كثيرة، فليس لدينا ميزانية تشغيلية، وكل الدعم تحول عبر مكتب الصحة والسكان، وحتى مبيدات الرش والمشتقات النفطية تم تقليص الكميات المحدودة التي كنا نحصل عليها سابقاً». وأضاف جمال: «وتعويضاً عن هذا النقص، نقوم بحملات توعية للناس وإرشادهم وتذكيرهم بأهمية المحافظة على النظافة، ونشرح لهم مخاطر غياب النظافة على صحتهم البدنية، ومنظر المدينة»، موجهاً «نداء إلى الجهات المعنية للقيام بدورها على أكمل وجه».