شهداء جبل الزيتون..مقاومون صنعوا بطولات واستشهدوا في لحظات هدوء واسترخاء
تقرير/ وضاح محمد الحالمي

في وقت الظهيرة ليوم الإثنين  السابع والعشرون من شهر  يوليو 2015 كانت البداية واللحظات الأولى  لقصة مؤلمة  ، وحينما كان المقاتلون الجنوبيون الموجودون في جبل الزيتون  على موعد مع تناول وجبة الغداء وأخذ قسط من الراحة ، وبدأ المقاتلون يفترشون الأرض تحت الخيام المهترئة التي اكتوت من حرارة شمس الصيف ويتقاسمون ما لديهم من أكل وشرب ، في لحظات الهدوء والاسترخاء  ، في ذلك الوقت كانت طائرة تجلّت فوق رؤوسهم تحلق بعلوّ منخفض لم يتوقع من في المكان أن هناك ضربة موجهة لهم ، بل إنهم عادة ما يفرحون حينما يسمعون صوت الطائرة لأنَّها عادة ما تأتي لدكّ حصون المعتدين وضرب أماكنهم وتمنح لهم الأمان  ورفع الضغط عن مقاتلي المقاومة الذين كانوا يتواجدون سواء في جبل الزيتونة أو في أماكن ومواقع أخرى حتى لا يتقدم المعتدون باتجاه ردفان واحتلال أماكن يصعب بعد ذلك على رجال المقاومة في جبهة ردفان العند استعادتها .

 

 

 

* حينما تحولت الأجساد إلى أشلاء

 

 

لحظات هي  حتى تحولت تلك الأجساد الحية التي تسعى إلى دحر الغزاة  والتي كانت في المكان إلى أشلاء ممزقة وخيام مبعثرة  وسيارات محطمة نتيجة لضربة جوية مفاجئة حتى ساد المكان والأماكن والمواقع القريبة التي وقعت فيها الضربة الذعر و الخوف عند مقاتلي الجبهة نتيجة لهذه الضربة التي أربكت المقاومة ، وخشية منهم أن تكون هناك  ضربة أخرى ربما قد تطالهم في مواقعهم   ، لكنها عززت من تواجدها فيما بعد حتى لا يستغل المعتدون الخوف والارتباك  الحاصل بين صفوف المقاومين ويتمكنوا من السيطرة على التلال والمواقع المهمة.. كان الناس في كل مكان  عندهم القناعة لما  يحدث ربما  باعتبارها حرب لم ترحم أحداً ، وكان المقاتلون مؤمنين بالأقدار التي تأتي من عند الله ، لكن كان عندهم العزيمة في القتال  ولم يتوقع أحد أن تأتي ضربة من السماء في ظل الأمان  طالما وأن السماء مؤمّنة من طائرات الحوثيين وتحوم فيها طائرات تناصر المقاومة وعادة ما تكون إلى جانبهم تناصرهم ، في ذلك اليوم المأساوي شهدت ردفان ومديرياتها الأربع حالة من الغليان ليعتري الحزن أجواءها  الملتهبة الصاخبة بصخب الحرب القذرة واكتظ مستشفى ردفان بجثامين الشهداء الذين استشهدوا في الحال وعدد كبير من الجرحى الذين امتلأت بهم أقسام المستشفى المتواضع الذي كان يستقبل الحالات من جبهات مختلفة في لحج والضالع .

 

 

* تعدد الروايات ..

 

 

في ذلك اليوم المأساوي تضاربت الأنباء وتعددت الروايات وكثرت الآراء والتحليلات والنقاشات  عن الجهة التي نفذت الضربة الجوية على جموع المقاتلين من المقاومة الجنوبية  الذين كانوا متواجدين في جبل الزيتون  ، حيث اعتبر البعض أن هناك طائرة أقلعت من قاعدة العند التي كان يسيطر عليها الحوثيون في تلك الأيام من الحرب لتخدع التحالف ومن ثم المقاومة التي اعتقدت أنها طائرة للتحالف وضربت الأماكن التي يتواجد فيها المقاتلون  ، بينما اعتبر البعض أن التحالف هو وراء هذه العملية بهدف منع المقاومة الجنوبية في جبهة ردفان العند من التقدم صوب مثلت العند ؛ لأن التحالف - كما كان يحلل البعض - هدفه سيطرة قوات شرعية قادمة من عدن على قاعدة العند الجوية وبالتالي تكون قاعدة العند عند تحريرها تحت سيطرة القوات الشرعية .. الروايات كانت كثيرة بهذا الخصوص لكن حتى اليوم واللحظة لم يعرف أحد عن الجهة التي نفذت الضربة الجوية وبقيت الحقيقة مخفية  وتناسى الناس ما حصل سواء في الزيتونة أو في أي مكان آخر بعد تحقيق النصر ودحر المعتدين من العند وباقي مدن ومحافظات الجنوب.

 

* رواية جريح  ..

 

الجريح العقيد / عبدربه محمد ناجي الذي أصيب بشظايا في أنحاء متفرقة من  جسده  يروي قصته بقوله: ((كنت مثل غيري نبحث عن ثغرات العدو والوصول إلى انتصار ولو بسيط في جبهة العند وقطع خط الإمداد الأول الذي يغذي قواته في لحج وعدن.

 

وفي ذلك  اليوم المشؤوم كنت في مهمة جلب وتعزيز المقاتلين بالذخيرة الخفيفة والمتوسطة وبعض ذخائر الدبابات ، حيث نفذت تلك المهمة على أكمل وجه بعون الله تعالى وجلبت المواد الغذائية والماء للمقاتلين وكانت الساعة 12 ظهرا وتم توزيع المواد وتفرق المقاتلون من صلاة الظهر في جماعة  لا تقل عن 200 مقاتل ، وكنت حريصا على نصح  الناس وتفريقهم خوفا من قذائف الهاون التي عادة ما تصيب  الكثير خلال سير المعارك ، كان ذلك اليوم هدنة معلنة مع العدو حيث كان الجو شبه طبيعي والاشتباكات خفيفة ومتقطعة ، وبعد أن تفرق الغالبية للغداء والصلاة كانت سيارة حبيل الريدة حاضرة بتوزيع القات لبعض الإخوة وكان الجمع لا يتجاوز 70 مقاتلاً متفرقين ، وكنت بجوار المخيم الذي يضم المواد الغذائية وبعض الذخائر الثقيلة وكان بجواري الشهيد عبدالعزيز الطبيل بقامته وهيبته العسكرية ، وكان في وقت عودته إلى الجبهة فسلمت عليه وأخذت سيارتي الهيلوكس جانبا بعد تفريق المواد ، وبعض الذخائر تم تسليمها إلى  العقيد محمد فرج بأمر القائد أنور العمري ، فكانت الساعة تقريبا 12 والنصف  ظهرا ، دخلت الخيمة للغداء مع مجموعة من الشباب فانقسمنا إلى فريقين لتناول وجبة الغداء فكان العقيد محسن أحمد الموقري والعقيد ناجي عبدالله ناشر وآخرون بجانبي  ، حيث كنت في بوابة الخيمة جالسا مع أنور العمري  ومحمد فرج وآخرين .

 

بينما كنا نسمع صوت الطائرة تحلق فوقنا بصوت منخفض فقلت كلمة : " رحمك الله يا سلمان.." ، فرد عليَّ  أحد الإخوة قائلاً : " هذه مريم.." ،  فكانت ثواني فقط وإذا بانفجار الصاروخ الأول يسقط علينا كأنها هزة كهرباء تشبك أجسادنا ، حيث بدأت أفقد الوعي وقلت في نفسي هذه قذيفة هاون أصابتنا ، ونطقت (لا إله إلا الله) وأيقنت أنها الشهادة وفقدت الوعي لمده بسيطة. .عاد لي الوعي من جديد كأني كنت في نوم فإذا بالخيمة تحترق وأصوات الأنين من كل جانب والأصوات ترتفع.. إسعاف إسعاف.. نهضت وخرجت من الخيمة وانسحبت إلى مسافة  10 متر تقريبا خوفا من انفجار ذخيرة الدبابات الـ4 التي في الخيمة وقذايف (آر بي جي  - بي إن 10 ) وانبطحت وأنا أصيح : انسحبوا.. القذائف.. ، ولكني  قد فقدت السمع تماما من شدة الانفجار الذي لا يبعد عني مترين فقط ، حيث أصبنا كذلك في حروق متفرقة مع انفجار طبال الأذنين حيث كانت أرضية الانفجار ترابية  رخوة وكنا في وضعية جلوس وهذا ما ساعدنا بحفظ الله من الإصابات ..

 

أما الصاروخ الثاني الذي استهدف  العربة (بي إم بي) كان يبعد عنا مسافه 15 مترا وكنا في حالة فقدان الوعي..هذه الأسباب كانت عوامل مساعده لنا في النجاة والسلامة  بعون الله تعالى.

 

وعندما حاولت النهوض سمعت بصوت صغير جدا الأخ محمد ناصر ثابت العمري وهادي محمد يقول :" قائد ناجي في الخيمة يحترق.." ، فشديت نفسي ودخلت وسط الخيمة  بين الجثث مع الأخ محمد وتم إخراج قايد ناجي وسحبه إلى الخط وكان شبه ميت. .

 

رجعت أبحث عن مصاب فوجدت  خميس الضحاك إصابته صعبة  ومسكت على صدره فهزيته فقلت له (قل لا إله إلا الله. .) قالها وقال : أسعفني..  فسحبته مسافة وكان الوضع صعب جدا. .

 

بدأت الناس تتوافد وكانت هيلوكس تسعف وأنا أبحث عن القايد أنور العمري بين الشهداء ، أسمع صوته يصيح من سيارة الإسعاف فتوجهت إلى السيارة  وكنا أكثر من 10 جرحى بعضنا فوق بعض ..فكان المكان يحترق وكانت سيارة الأخ أنور تتفجر منها الذخيرة واحتراق  سيارتي وباص وسيارة أخرى وفي نفس التوقيت بدأت  اشتباكات مع العدو من جهة الإخوة في الميسرة . .

 

العدو حاول استغلال الضربة  والارتباك الحاصل بنزول المقاتلين من المواقع لإسعاف الجرحى ..

 

وأنا أتذكر قبل طلوعي سيارة الإسعاف شاهدت  الطائرة ترمي قنبلة أو صاروخ على مصنع الإسمنت ولكن لم يصب أحد ، فكانت الجبهة مرتبكة كيف تم ضرب مواقع المقاومة فكان الجميع في حيرة تامة!!! ))

 

 

*مناشدات بمحاسبة المتسبب

 

ففي الذكرى الثانية لشهداء جبل الزيتونة كتب قائد مقاومة حالمين / أنور العمري منشوراً على صفحته في الفيس بوك قائلا :

 (مرور عامين وأكثر تقريبا للمجزرة والخيانة العظمى التي حصلت على أبناء المقاومة  الجنوبية حالمين ، وذلك في جبل الزيتونة ظهيرة يوم الإثنين الموافق ٢٠١٥/٧/٢٧م على مشارف العند والذي راح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى من أبناء حالمين وردفان الذين رووا بدمائهم الطاهرة تلك البقعة التي لقنت أعداء العقيدة والدين أعظم دروس في التصدي والثبات ، وإني لأعجب من تلك الأيادي الخبيثة التي كادت بنا في إنزال تلك الضربة الظالمة لكي تحصد من خيرة شبابنا من أبناء المقاومة الجنوبية حالمين الذين كان لهم السبق والثبات في قلب المعركة وتحملوا أشد المواقع ضراوة على مستوى امتداد أرض المعركة التي دارت بين الحق والباطل آنذاك ، وأثبتوا صمودهم ورجولتهم في تلك الخنادق التي لن يصمد فيها إلا المخلصين  من الرجال الأوفياء لدينهم وبلدهم  ، فهنيئا لشهدائنا الأبرار بإذن الله الشهادة ، وشفا الله جرحانا )  .

مضيفا : ( إن التاريخ سيظل  شاهداً بهذه المواقف البطولية والشجاعة لتلك الكوكبة الحالمية ولكل أبطال المقاومة الجنوبية في ميادين الشرف والكرامة ، وفي المقابل ستظل وصمة عار لتلك الأيادي الغاشمة والظالمة التي أعانت على إعطاء تلك الإحداثيات التي تسببت في حصد تلك الأرواح البريئة) .

 وناشد العمري كل الجهات المعنية وعلى رأسهم قيادة التحالف العربي ممثلة بالمملكة العربية السعودية وكذا إمارات الخير أن ينظروا  لهذه القضية الكبيرة ومحاسبة المتسبب في رفع الإحداثيات ، ونطالبهم بالتعويض لكل ما جرى وذلك أسوة بما حصل من تعويض لغيرنا عن ضربات الخطأ ونحن أحق بذلك فلا زلنا إلى  الساعة منتظرين الإجابة .

أما "رائد خميس" مدير مكتب رعاية أسر الشهداء والجرحى في حالمين قال : ( تأتي الذكرى السنوية الثانية لمجزرة جبل الزيتونة في بلة العند والتي راحت فيها 12 شهيدا وأكثر من 60 جريحا وذلك نتيجة لقصف الطيران لجبهة أبناء حالمين في جبل الزيتونة وذلك في 27/7/2015م وتلك الضربة الغادرة التي سقط فيها الشهداء والجرحى وكثيراً من المعدات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة) .

وأضاف بالقول : ( إن أهالي الشهداء والجرحى يقولون ويتساءلون  لم نتلقَ أي حقوق أو دعم أو الكشف عن تلك الضربة ومن المتسبب فيها ، مطالبين في ذات الوقت كل الجهات الاهتمام بقضيتهم ومناشدين المحافظ الخبجي للكشف عن تلك الضربة الغامضة ومطالبينه بالمتابعة وإعطائهم حقوقهم والبذل المزيد من الاهتمام في الكشف عن الجهة التي أعطت الإحداثيات أو ارتكبت تلك المجزرة الشنيعة).

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني