البحارة الحضارم المختطفون.. ضحايا التخاذل اليمني والاستخفاف الفرنسي
تقرير/ وليد التميمي

أربعة أسر على الأقل في مديرية قصيعر بمحافظة حضرموت، والعشرات إن لم يكن المئات من الأقارب والأصدقاء، لا تزال قلوبهم تخفق مع أمواج البحر، وعيونهم تتطلع لما وراء المحيطات، لعل تياراتها المائية الدافئة تزف إلى مسامعهم خبر عودة مفقوديهم منذ خمسة سنوات، لينصتوا إلى أصواتهم التي انقطعت عنهم، ويتلمسون بأناملهم المرتجفة تفاصيل وجوههم الحنطاوية، بعد فراق طويل، لم يعد من السهل احتماله.

 

بداية الكارثة

الناخوذة /عوض مبروك باعباد، والبحارة : حميد علي بن ساحب، وأحمد صالح اليزيدي، وسعد مسعود اليزيدي ، اختطفهم القراصنة الصوماليون، يوم الـ21من شهر إبريل 2012، عندما كانوا في المياه اليمنية الإقليمية بمنطقة (فرتك نشطون)، برفقة 17 بحاراً تم الإفراج عنهم في نفس اللحظة، في حين أُخذ الأربعة كرهائن مع قاربهم (العباس) المملوك لأبي بكر سالم باعباد، منذ ذلك التاريخ المشؤوم. حمل الأخير على عاتقه جهود متابعة قضية المختطفين الأربعة، طرق أبواب الوزارات اليمنية من الثروة السمكية إلى الخارجية وحتى الداخلية، سافر لدولة الإمارات المتحدة ومن هناك تواصل مع سفارة جمهورية (سيشل) الأفريقية، والتي تقع في المحيط الهندي وهي مكونة من عدة جزر، وعاصمتها مدينة فيكتوريا، وذلك بعد تردد أنباء عن وجود المختطفين في أراضيها، لكن الرد الذي تلقاه كان سلبياً وهو أنه "لا وجود لأي مختطفين يمنيين على أراضينا"، وبعد فترة وجيزة تلقى أخباراً شبه مؤكدة بأن من يبحث عنهم محتجزين في قاعدة عسكرية تابعة للجيش الفرنسي في الجزيرة ذاتها، حاول بكل الطرق أن يصل إليهم دون جدوى، حتى خطاب السفارة اليمينة في الإمارات إلى جمهورية(سيشل) لمنحه إذن دخول إلى أراضيها وتسهيل مهمته في البحث عنهم قوبل بالرفض.

 

العودة إلى صنعاء

 

اضطر باعباد – حينها - إلى العودة إلى صنعاء، وتقديم مذكرة رسمية إلى وزير الثروة السمكية /عوض السقطري في مارس2013، للتدخل في القضية، فرفع السقطري رسالة إلى وزير الخارجية / أبوبكر القربي، الذي أبرق بخطاب إلى السفارة الفرنسية للتحري عن وجود البحارة الأربعة في إحدى حامياتها في سيشل.

 

وفي العاشر من أبريل من العام ذاته، أتى الجواب الفرنسي بنفي قاطع لأي تواجد لبحارة يمنيين لدى قواتها، الرد الفرنسي على الرسالة اليمنية حمل دفوعات لإبعاد شبهة احتجاز قواتها للبحارة الأربعة، فذكرت أولاً أن قارب(العباس) كان ضحية عملية قرصنة في 15ديسمبر 2011، وقد تم إطلاق سراحه بواسطة سفينة إيطالية في 16يناير 2012، كما أنكرت ثانياً أن قواتها في سيشل مخولة بتفويض احتجاز أي سفينة ومن كانوا على متنها، ولأنها تحترم سيادة دولة سيشل المستقلة قالت إنها استفسرت من السلطات هناك حول مصير القارب لتؤكد بدورها عدم امتلاكها أية معلومات عنهم.

 

خطاب (تضليل)!

 

وتضمين الرد الفرنسي لتواريخ مغلوطة عن حادثة اختطاف قارب(العباس)، استبقت وقوعها بفترة من الزمن، رسخ إحدى الاحتمالين، إما أنها على دراية بمكان احتجاز المختطفين وليست لديها أي نية للتعاون لإطلاق سراحهم، أو أنها تعاملت مع الرسالة اليمينة باستخفاف ولا مبالاة، وجاء جوابها كتحصيل حاصل لا أكثر ولا أقل.

 

خطاب (التضليل)الفرنسي، أعطى دافعاً للبحث عن المفقودين، من خلال فتح قناة مع مستثمر إماراتي نَقل عن ضابط فرنسي في السيشل تأكيداته بوجودهم في قاعدة عسكرية خاضعة للإدارة الفرنسية. وفي الأثناء قرر (باعباد)، تنحية الجانب اليمني ممثلاً بالسفارة في أبوظبي من أي متابعة لاقتفاء أثرهم بعد أن تيقن بأنهم يريدون إغلاق القضية، وقد توصل لهذه الحقيقة الصادمة بعد إبلاغه من السفارة بأن رد خارجية سيشل على خطابها أكد عدم وجود أي يمنيين داخل الجزيرة، ولا في أي قاعدة فرنسية، وبالعودة لذات الخطاب وجد أنه لم يورد فيه ذكر قاعدة فرنسية على الإطلاق ! .

 

قناعة راسخة

وتعززت قناعة (باعباد) بأن المختطفين الأربعة مازالوا أحياء، بعد أن بلغهم جندي فرنسي أطلع على صورهم بأنهم موجودين في سيشل، ووعد الفرنسيون عبر الرجل الثالث في سفارتهم بأبوظبي بأنهم سيولون القضية اهتمامهم من جانب إنساني، لكنه لم يفِ بالوعد رغم مرور سنتين على قطعه. يبدو أن الحرب وآثارها الكارثية هي التي أدت إلى تجاهل القضية كلياً، فبينما اليمنيون محاصرون في الداخل أوعالقون في الخارج، يبقى المفقودين الأربعة في غياهب المجهول الذي ينتظر الجميع الكشف عنه بتدخل دبلوماسي فاعل قد تشكل دولة الإمارات محطته الرئيسية لعلاقاتها المتينة مع فرنسا ولاطلاعها المسبق على حيثياتها بالتفصيل، لاسيما في ظل العجز والتقاعس اليمني الفاضح في الدفاع عن من يحسبون أنهم مواطنين بالورق والوثائق الرسمية فقط. !

 

قضية حية

عزاؤنا أن القضية ستظل حية لوجود من يذكرنا بهم، كمالك القارب أبوبكر باعباد، ورئيس تعاونية صيادي قصيعر السمكية /عبدالله سعيد سعدين، والفنان عوض بن ساحب، الذي زودنا بوثائق المتابعة داخلياً وخارجياً، فالبحارة الأربعة لم يمخروا عباب البحر بحثاً عن الكنز، وإنما لتأمين قوت أسرهم وذويهم، الذين ينتظرون عودتهم سالمين إلى ديارهم اليوم قبل غد.

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني