الزكاة نظام مالي إسلامي لمعالجة الاختلالات الاقتصادية

تتعدد صور وأشكال الاختلالات الاقتصادية في كل بلدان العالم دون استثناء فمنها ما هو متعلق بالتوازن والاستقرار الاقتصادي والتضخم النقدي والبطالة ومنها ما هو متعلق بتنمية العنصر البشري واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء والتعثر والإفلاس وكثيرة هي تلك الاختلالات التي مازالت نتائجها وأثارها السلبية متنامية.
ولم تتمكن الكثير من الخطط والبرامج الوضعية من معالجة العديد من الاختلالات الاقتصادية أو كما يسميه الاقتصاديون بـ " الفساد الاقتصادي " الأمر الذي دفع ببعض الاقتصاديين إلى الخلوص بضرورة وضع استراتيجيات تقوم علي القيم والمثل والأخلاق .
ونادى علماء الاقتصاد بصفة عامة إلى ضرورة أن يقوم الاقتصاد على الأخلاق الفاضلة.. مؤكدين أن هناك مشكلات اقتصادية لا تعالج إلا من خلال القيم الإيمانية والأخلاق الفاضلة والسلوك الاقتصادي السليم.
لذا رأى فقهاء الاقتصاد الإسلامي أن الإسلام هو الحل في معالجة الفساد الاقتصادي من خلال مبادئه وقواعده وأساليبه ونظمه وعبر برنامج اقتصادي إسلامي للإصلاح خاصة بعد أن تم تجربة العديد من المناهج الوضعية لعلاج الفساد الاقتصادي .. مستدلين بذلك على ما طبقه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما بنى للمسلمين سوقاً في المدينة المنورة بعد الهجرة .
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة " إن للزكاة كفريضة ربانية دور هام في معالجة الكثير من الاختلالات الاقتصادية .. لافتا إلى أن هناك مشكلات اقتصادية لا تعالج إلا من خلال القيم الإيمانية والأخلاق الفاضلة والسلوك الاقتصادي السليم ".. مؤكدا في كتابه " النظام الاقتصادي الإسلامي والنظم الاخرى " على أن للزكاة دور في علاج الرذائل الاقتصادية وغرس الأخلاق الفاضلة .. حيث قال " إذا أُدِيت فريضة الزكاة بالحق ووزعت حصيلتها بالحق وفقاً لنظامها الدقيق الذي شرعه الله وطبقه سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) والتابعين من بعده، شفيت النفوس من الحقد والكراهية ، وطهرت من الشح والبخل والطمع ، تربت على الصدق والأمانة والإخلاص والإنفاق والبذل والتضحية والقناعة والإيثار والتراحم .. وبذلك فإنها تقضى على الرذائل الاقتصادية ومنها الغش والغرر والتدليس والربا والقمار وأكل أموال الناس بالباطل وبذلك تعالج النفوس الأمارة بالسوء ، ويأمن المجتمع من الخوف ، ويحيا الناس حياة طيبة رغدة في الدنيا، أخوة فى الله متحابين ، ويفوزوا برضاء الله في الآخرة راضين مرضيين" .
وأضاف " لقد غرست فريضة الزكاة الأخلاق الفاضلة في المسلمين في الصدر الأول من الإسلام وقومت سلوكهم كما اشار لذلك القرآن الكريم والسنة النبوية.
من جانبه يؤكد الدكتور فتحي أحمد في كتابه " النظام الاقتصادي في الإسلام مبادئه وأهدافه" على أن الزكاة تمثل علاجا فاعلا في علاج مشكلة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية.. قائلا " زكاة المال تعتبر عصب النظام الاقتصادي الإسلامي ففيها الحلول للمشكلات الاقتصادية المعاصرة والتي فشلت النظم الاقتصادية الوضعية في علاجها ، ومن بين هذه المشكلات تكدس الأموال في يد فئة مما أدى إلى زيادة الفوارق بين الطبقات، ومشكلة عدم الاستقرار الاقتصادي ، ومشكلة التضخم ، ومشكلة الاكتناز , ومشكلة الفوائد الربوية .
وأضاف " ولقد أدت هذه المشكلات وغيرها إلى الحياة الضنك للطبقة الفقيرة ، وانخفاض مستوى الدخول ، وعدم توفير الحاجات الأساسية للحياة، ويتمثل دور الزكاة في علاج مشكلة الفقر في أنه يساهم في تحويل الفقراء القادرين على العمل إلى منتجين ، وأنها تزيد من القوة الشرائية للنقود بنقلها إلى الفقراء الذين ينفقونها على الضروريات والحاجيات بدلاً من أنها كانت تنفق على الكماليات ، كما ستوجه أموال الزكاة أحياناً إلى التنمية الاقتصادية الذاتية داخل البيوت الفقيرة من خلال تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر وهذا بدوره يساهم في علاج مشكلة الفقر " .
وأشار إلى أن الزكاة أيضا تعلب دورا هاما في محاربة الاكتناز وتنشيط الاقتصاد حيث تؤدى زكاة المال إلى محاربة الاكتناز وفى نفس الوقت تحفز على استثمار الأموال وهذا يوفر الأموال السائلة أمام المشروعات الاقتصادية لتنمو وتزدهر.. مبينا أن الشريعة الإسلامية فرضت الزكاة على المال النامي أو القابل للنماء وهذا يحرك صاحبه على استثماره خشية أن تأكله الزكاة ...مستدلا بما أكده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ( اتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة ) رواه أحمد .
ونوه إلى أن لهذا الحديث معاني عديدة من أهمهما الحث على استثمار الأموال حتى لا تنقرض من الزكاة الحولية , ولقد أمرنا الله في كتابه الكريم بعدم الاكتناز والحث على الإنفاق.
وحول دور الزكاة في تحسين أحوال الفقراء والمساكين فقد أكد علماء الاقتصاد الإسلامي على ضرورة وأهمية تحصيل الزكاة بالحق واستخدامها في مصارفها بالحق ومنع الإسراف والتبذير في تحصيلها أو استخدامها في مجالات الترف فإن ذلك يؤدى إلى زيادة القوة الإنتاجية للمجتمع وينمي معدل الدخل القومي ، وبالتالي رفع مستوى دخول الأفراد جميعاً .
وقال العلماء " لنا في صدر الدولة الإسلامية الأدلة على ذلك فعلى سبيل المثال في عهد عمر بن عبد العزيز ارتقى مستوى المعيشة للأفراد لدرجة أنهم لم يجدوا فقيراً أو مسكيناً لإعطائه الزكاة" .
وفى هذا الصدد يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ".. لقد فرض الله الزكاة وجعلها من دعائم دين الإسلام تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء ، فيقضى بها الفقير حاجاته الأساسية المادية مثل المأكل والمشرب والملبس والمسكن وحاجاته النفسية والحيوية مثل الزواج وحاجاته المعنوية الفكرية مثل العلم ، وبهذا يستطيع الفقير أن يشارك في الحياة الاقتصادية".
وأضاف " كما تعمل زكاة المال على القضاء على مشكلة تكدس الثروات فى يد فئة قليلة واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء .. فهي تنمى موارد الفقير والمسكين والمثقل بالديون من ناحية وتحفز الغنى ليساعده وكل الوسائل الممكنة ولا سيما عن طريق الإيعاز بأنه سيموت وأنه تارك ماله فهذا المنهج سيقود في الأمد القريب إلى تقريب الفوارق بين الطبقات ".
وبالنسبة لدور الزكاة في تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي أشار القرضاوي إلى أن من أهم أسباب الكوارث الاقتصادية والخلل في البنيان الاقتصادي هو نظام الاحتكار والفائدة الربوية والربح الفاحش ، فكثيراً ما نجد أن هناك العديد من المشروعات تفلس بسبب عدم توافر الأموال السائلة.
كما أن للزكاة دور هاما في معالجة التضخم النقدي والحد منه .. وهو ما يؤكده أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور أحمد فرحان بقوله " تساعد زكاة المال على تنمية الأموال عن طريق الاستثمار وعدم الاكتناز، وفى ظل نظام اقتصادي إسلامي نجد أنه يكون هناك أثراً واضحاً في التضخم والذي من أهم أسبابه نقص الإنتاج ,الإسراف في الاستهلاك, ارتفاع الأسعار، والإسلام يدعو إلى العمل وزيادة الإنتاجية وإلى الترشيد في الإنفاق وعدم الإسراف والتبذير , كما يحارب الإسلام الأرباح الفاحشة و يحارب الاحتكار بكل هذه الأدوات والأساليب بجانب نظام الزكاة يمكن القضاء على ظاهرة التضخم .
وعن دور الزكاة في علاج مشكلة البطالة وتنمية العنصر البشرى .. أضاف فرحان " البطالة مشكلة متعددة الأطراف لها آثار عقدية وخلقية واجتماعية واقتصادية وسياسية ، وهى كالسرطان يهدد كيان المجتمع بأسره ، وتعانى منها كافة دول العالم سواء أكانت رأسمالية أو اشتراكية وسواء أكانت متقدمة أو نامية ، ولقد وضع الإسلام مجموعة من الضوابط لتجنب ظهورها من الأصل من أهم هذه الضوابط، حث الإسلام على العمل واعتبره عبادة وقيمة وشرف وثوابه مثل ثواب المجاهد في سبيل الله.
ويمكن أن تساهم الزكاة لعلاج مشكلة البطالة من خلال توفير مستلزمات العمل من آلات ومعدات وخامات للعمال حتى يتحولوا إلى طاقة إنتاجية وكذلك الإنفاق على البرامج التدريبية للشباب العاطل لتأهله للعمل في ضوء احتياجات سوق العمالة .
وتطرق الدكتور أحمد فرحان إلى دور الزكاة في علاج مشكلة اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء بقوله " من بين مقاصد الإسلام رفع مستوى الفقراء والمساكين وتحويلهم إلى طاقة إنتاجية في المجتمع, فلا يقتصر الأمر على إعطائهم إعانة وقتية بل يمكن أن نشترى لهم وسائل الإنتاج مثل الآلات الحرفية والحيوانات, كما أن فريقاً من الفقهاء يرى أن نعطيهم ما يكفيهم ومن يعولون طول العمر إذا كان هناك فائضاً في حصيلة الزكاة, ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدور في عدة مواضع.
وأضاف .. ويجوز لولي الأمر المسلم أن يباين في توزيع الصدقات بين الفقراء والمساكين لتحقيق التقارب بينهم ، ولقد طبق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا المنهج في توزيع أموال بنى النضير ، إذ خص بها المهاجرين وحدهم للتقريب بينهم وبين الأنصار .
وعن دورها في علاج مشكلة الكوارث والتعثر والإفلاس أشار إلى أن الإنسان كثيرا ما يتعرض في حياته للعديد من الحوادث والكوارث والمصائب وهذه تسبب له خوفاً وفزعاً ، ولقد كفل الإسلام لهؤلاء التأمين الحقيقي إذ خصص لهم سهماً في حصيلة الزكاة باعتبارهم من الغارمين .
عن "سبأ نت"

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني