مسارات الحل السياسي لقضية شعب الجنوب ومعوقاتها (2-2)
الأمناء/ خاص

خلق الله الأرض بما تحتويه من أسباب الوجود والبقاء وأودع فيها القوانين والسنن التي تسيرها، وخلق الإنسان أرقى أنواع الخلق وأكثرها كمالاً بما ميّزه من قدرة على التعقل والعقل، وعلى قاعدة هذا التميز قامت فكرة الاستخلاف الإلهي للإنسان في إدارة شؤون دنياه بما يتفق مع القوانين والسنن المودوعة فيها الذي يقع على الإنسان اكتشافها والامتثال لها.

وفي الوقت الذي تشكل الإنسانية حلقة موحدة في منظومة التمايز والتنوع التي يقوم عليها النظام الطبيعي، فقد جعل الله للإنسانية بنيانها الداخلي الذي بموجبه تمايزت الشعوب وتحددت جغرافية حقوق السيادة لكل شعوب الأرض، كما جعل لكل شعب بنيانه الاجتماعي الداخلي القائم على التقابل والتكامل، فتحددت تأسيساً على ذلك طبيعة العلاقات الخارجية بين الشعوب والعلاقات الداخلية المتكاملة بين المكونات الاجتماعية داخل كل شعب.

قال الله عز وجل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير)). فإحدى النتائج الكبرى التي أثمرها المجرى العام للتاريخ الإنساني هي ظهور البنية الشعوبية للمجتمع الإنساني واقتسام حقوق السيادة بين الشعوب على أقاليم الأرض.

المفاجأة الكبرى

والمفاجأة الكبرى التي كشفت عن حقيقة التآمر على الجنوب تكمن في الرسالة المشتركة المقدمة إلى رئيس مؤتمر الحوار (الرئيس الانتقالي) من قبل جناحي النظام المخلوع وهم حزبي المؤتمر والإصلاح اللذان حملا للرئيس تهديدهما بالانسحاب وإفشال مؤتمر الحوار إذا لم يتم استبعاد ثنائية الجنوب والشمال من آليات الحوار، وخطورة تلك الرسالة أفصحت عنها النتائج التي أفضت إليها:

1-   النتيجة الأولى : أرغمت الرئيس الانتقالي ورئيس مؤتمر الحوار على الاستجابة لمطلبها فألغى المعادلة الثنائية بين الجنوب والشمال وأصدر قرار حل الستة الأقاليم، ليتم بذلك إخراج الحوار عن حياديته وأبطل مشروعية مخرجاته ، ليس ذلك فحسب ، بل وأخرج السلطة الانتقالية عن حياديتها.

2-   النتيجة الثانية : إخراج فصيل الحراك الجنوبي من المؤتمر الذي بنى مشاركته على مبدأ الحوار القائم على معادلة ثنائية الجنوب والشمال، بإعلان انسحاب هذا الفصيل من الحوار نتيجة لهذه الخطوة.

3-   النتيجة الثالثة : الانقلاب على الرئيس الانتقالي وعلى كامل العملية السياسية من قبل التحالف الانقلابي وطرد الرئيس والمجموعة الجنوبية من العاصمة صنعاء وملاحقتهم إلى عدن وطرده منها.

4-   النتيجة الرابعة : غزو الجنوب لمنع الرئيس من جعل الجنوب ملاذه الآمن ومنع أي تقارب بينه وبين الحراك الجنوبي وهو ما يعني جعل كل شيء مهيأ لاستمرار هيمنة الشمال على الجنوب.

5-   ليس ذلك فحسب فالصورة التي عليها المشهد العام للأحداث اليوم ليست إلا امتداداً لمسلسل الانضمامات المريب وللرسالة المشتركة للمؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح التي تضع الإصلاح والمؤتمر والحوثيين في تحالف ثلاثي مستمر منذ حرب 1994م إلى حرب 2015م ومستمراً حتى اليوم ، والغريب الغير طبيعي هو وجود حزب الإصلاح ضمن تحالف الضد (الجنوب، الرئيس الانتقالي والتحالف العربي),

هذا التواجد للإصلاح وقيادته وبالتنسيق الوطيد مع التحالف الانقلابي هو المسؤول الأول عن:

-     عرقلة الانتصار العسكري على الانقلابيين في الشمال.

-     رغم فشلهم في منع التحالف بين الحراك الشعبي الجنوبي ومقاومته الجنوبية المسلحة مع الرئيس الانتقالي والتحالف العربي وتحقيق الانتصار الجنوبي، لكنهم تمكنوا من إعاقة إعادة بناء مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية والمالية في الجنوب وعرقلة استكمال الانتصار العسكري بتحقيق نصر سياسي.

-     جميع هذه الإعاقات تسببت في تأخير الحسم العسكري وتصب جميعها في هدف إفشال التحالف العربي وإبقاء الأوضاع مفتوحةً على كل الاحتمالات.

سادساً: مسارات الحل السياسي:

الإقرار بأن ما خلقته أجنحة النظام السياسي المخلوع من مواقعها الجديدة من معوقات وعراقيل قد تمكنت من إجهاض التدخل الدولي وإجهاض حوار صنعاء وأخرجته عن حياديته ، الأمر الذي ألقى بضلاله على السلطة الانتقالية وجرها إلى مواقف أخرجتها عن حياديتها بتبنيها خيار الستة الأقاليم، مما أفشل قدرتها على تحقيق وظائف المرحلة الانتقالية وعرقلة الحسم العسكري وبالنتيجة عرقلة الوصول إلى الحل السياسي العادل لمشكلات اليمن وقضاياه الكبرى. مما يعني استمرار الحاجة إلى الدخول في مرحلة انتقالية ثانية تتحدد وظائفها بما يلي:

أولا: تصحيح وضع السلطة الانتقالية واستعادة حياديتها من خلال الآتي:

1-   إعادة الاعتبار للمعادلة الثنائية بين الجنوب والشمال التي انطلق منها حوار صنعاء باعتبارهما طرفا الوحدة المعلنة في مايو 1990م التي اعترف الجميع بفشلها.

2-   بالانطلاق من هذه المعادلة يتولى الرئيس الانتقالي تنفيذ الهيكلة السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية والمالية والتي أصبحت اليوم متاحة بعد أن تعذر تنفيذها فور التوقيع عليها.

3-   إعادة تشكيل الحكومة الانتقالية ومؤسساتها مناصفة بين الجنوب والشمال، على أن يتم الاتفاق على آلية اختيار أعضائها.

4-   تحكم المرحلة الانتقالية الثانية بإقليمين (الجنوب والشمال)، ويتم إنشاء إدارة انتقالية خاصة بكل إقليم تتأسس ابتداء بصدور قرارات من الرئيس الانتقالي بتعيين نائبين له، واحد لشؤون الجنوب وآخر لشؤون الشمال.

5-   إصدار قرار رئاسي بإلغاء كافة التعديلات الإدارية التي أصدرها الرئيس المخلوع والتي أحدثت تداخلات على طول الحدود بين الجنوب والشمال مما تسبب في ظهور بؤر التوتر على طول خط الحدود السيادية بين الشعبين.

6-   الحرب ينبغي أن تنتهي بإلحاق الهزيمة التامة بالتحالف الانقلابي ووضع نهاية للتدخلات الإيرانية لتشكل الخط الفاصل بين زمنين تتم فيه المراجعة والتقييم لما أُنجز وما لم يُنجز والانتقال إلى زمن جديد تتبدل فيه الأدوات تختفي فيه قوى الفشل، قوى الخراب والدمار وتصعد فيه القوى المعبرة عن إرادة الشعبين في كلٍ من الجنوب والشمال.

ثـانيا: بعد إلحاق الهزيمة بالتحالف الموالي لإيران وانتهاء الحرب وإتمام الهيكلة بالاعتراف بطرفي المعادلة (الجنوب+ الشمال) والاعتراف بالحقوق الكاملة لكل طرف في إطار الحدود الجغرافية لحقه السيادي في اتخاذ القرار المعبر عن إرادته وحقه في تقرير مصيره، تنتقل دول التحالف العربي والسلطة الانتقالية إلى جانب الشرعية الدولية من أطراف في الحرب إلى أطراف محايدة حافظة للأمن والاستقرار الداخلي خلال المرحلة الانتقالية وراعيةً وضامنةً لحوار داخلي خاص بكل طرف لإنتاج الحل السياسي الخاص به وتفاوض نديّ بين الطرفين للبحث في شكل العلاقة المستقبلية بينهما.

ثالثاً: أما على الصعيد الداخلي فالجنوبيون يؤمنون بأن وحدة الشعوب تقوم على توازن داخلي بين مكوناتها لتشكل هي - أي الوحدة - عنصر التوازن الخارجي مع الآخر. هكذا هو حال كل شعوب الأرض، وشعب الجنوب مثله مثل كل الشعوب تقوم علاقاته ووحدته الداخلية على ستة مكونات سيادية (الست المحافظات) بحدودها المعروفة عام 1990م وهو واحد في علاقاته الخارجية. ولأن كل البناء السياسي والإداري والعسكري والأمني وغيرها لدولة الجنوب قد تعرضت للخراب والدمار خلال الثلاثة العقود الماضية، فإن الأمر يتطلب أن تعقد كل محافظة مؤتمرها الجامع لتأكيد وحدتها حول المشروع الوطني لشعب الجنوب وتأكيد روح التسامح وتجاوز ما خلفته سياسات وصراعات الماضي، والنظر إلى خطوة حضرموت في عقد مؤتمرها الجامع بأنها تمثل البداية التي على المكونات الجنوبية الأخرى إكمالها لتشكل بمجموعها  التأسيس لعقد المؤتمر الوطني الجامع لشعب الجنوب.

رابعا: المؤتمرات الجنوبية بمستوياتها المحلية والوطنية يجب أن تكون النافذة لظهور القيادات الجنوبية في كل هياكل الهرم الوطني الجنوبي وبداية انطلاق البناء المؤسسي لدولة الجنوب في كل القطاعات.

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني